كتبت ستيلا روك التي تدير قسم المشاركة المجتمعية لدى المركز الدولي للصحفيين في واشنطن العاصمة هذا المقال، واستهلّته بالقول: عندما توليت منصب أول مديرة للمشاركة المجتمعية لدى المركز الدولي للصحفيين في شباط/فبراير الماضي، كان العالم في بدايات مخاض جائحة "كوفيد-19". لم يكن قد تمّ إعلان الجائحة العالمية بعد، ولكن الفيروس كان ينتشر بالفعل في العالم، وكان قد بدأ في تعطيل شؤون الدول. وأصبح من الواضح أن ما يحدث يمكن أن يتحول إلى كارثة.
وهكذا اضطررنا في المركز الدولي للصحفيين إلى تغيير تدريبات وزمالات الصحفيين لتُقام عبر الإنترنت بدلًا من الحضور الفعلي. ووجدنا أنفسنا في حاجة إلى إعادة صياغة الطريقة التي سنخدم بها آلاف الصحفيين في الشبكة التي أنشأناها على مدار 30 سنة.
وقد أتت استجابتنا في شكل ملتقى المركز الدولي للصحفيين لتغطية الأزمة الصحية العالمية، والذي يتضمّن اليوم خمس صفحات على موقع فيسبوك تضم حوالي 13,000 صحفي/صحفية من 134 دولة. وعبر هذه الصفحات، يتناقل هؤلاء الصحفيون المعلومات فيما بينهم ويشاركون في الويبينارات التي نقيمها ويتواصلون من أجل تغطية القصص المؤثرة. وقد استطاع هذا الملتقى المُقام باللغات الإنجليزية والأسبانية والبرتغالية والفرنسية والعربية أن يحدث تأثيرًا مذهلًا.
قبل انضمامي إلى المركز الدولي للصحفيين، كنت قد عملت في البلقان لمدة ثلاث سنوات ضمن مشروع تغطية الجريمة المنظمة والفساد، وهو أحد شركاء المركز. لذا كنت قد شهدت بنفسي التأثير القوي للتعاون بين الصحفيين وما يحدث عندما يتواصلون عبر الحدود للعمل على القصص ومشاركة المعلومات والموارد ودعم الآخرين في الأزمات.
وهذا ما احتاجه الصحفيون عندما تفشت الجائحة وقلبت العالم رأسًا على عقب: منصة للتواصل.
وهكذا أصبح الملتقى أول مشروعات المشاركة المجتمعية للمركز، وقد فاز مؤخرًا بجائزة المجتمع لعام 2021، التي تمنحها رابطة الأخبار عبر الإنترنت. إليكم كيف حققنا ذلك:
تعرف إلى مجتمعك وقُم بتقييم احتياجاته وتحديد هدفك
في بداية تفشي جائحة "كوفيد-19"، أدركنا أن جميع الصحفيين بدأوا فجأة في تغطية موضوعات الصحة بشكل أو بآخر، وأصبحوا بحاجة إلى إيصال المعلومات العلمية بدقة وفعالية وتغطية التطورات من دون نشر الذعر والتصدي لكم هائل من المعلومات المضللة المنتشرة عبر الإنترنت.
وفي هذا الإطار، بدأت في استطلاع آراء الصحفيين عبر منصات التواصل الإجتماعي، وسألتهم عن نوع الدعم الذي يشعرون أنهم بحاجة إليه من أجل تحسين تغطيتهم للأزمة الصحية التي طرأت على العالم. وخلال أيام، امتلأ بريدي الإلكتروني بالرسائل من جميع أنحاء العالم، بداية من جنوب أفريقيا والهند ووصولًا إلى الأرجنتين والصين وإيطاليا وغيرها من البلدان. وفي هذه الرسائل، أعرب الصحفيون والمحررون عن أسفهم لعدم إمكانية الوصول إلى الخبراء العلميين وموارد تغطية أخبار الصحة، مشيرين أيضًا إلى أن الحكومات لم تتمتع بالشفافية فيما يتعلق بالمعلومات حول مدى انتشار الفيروس في بُلدانهم. كما أعرب الصحفيون عن قلقهم إزاء سلامتهم – فكيف يمكنهم حماية أنفسهم من الفيروس القاتل أثناء تغطيتهم الصحفية؟
صمّم مجتمعك من خلال قيمتك المضافة
بعد معرفة احتياجات الصحفيين، كان علينا تحديد خطوتنا التالية.
لذا اتجهنا إلى أقرب الحلول وأنشأنا صفحة عبر موقع فيسبوك لنجمع جمهورًا عريضًا من الصحفيين حول العالم في مكان واحد. ومن خلال هذه الصفحة، قدمنا الويبينارات عبر البث المباشر ونشرنا الموارد المفيدة وشجعنا التعاون بين الصحفيين. كما قمنا بدعوة الخبراء العلميين وأعضاء المجتمع المدني ومدققي الحقائق ووضعنا قائمة بأسماء علماء الأوبئة والفيروسات وخبراء الصحة العامة لدعوتهم للمشاركة في الحلقات النقاشية التي نقيمها عبر الإنترنت. وكذلك أعددنا قائمة بريدية للصحفيين الذين لا يستخدمون موقع فيسبوك ولكنهم يهتمون بمتابعة برامجنا ودعوناهم للانضمام إلينا، إلى جانب تواصلنا مع دائرة الصحفيين الأكبر عبر منصات التواصل الإجتماعي. وبذلك أطلقنا أول ويبينار لنا مع استضافة خبير مهم، وهو الدكتور سامبا سو، المبعوث الخاص لمنظمة الصحة العالمية المعني بكوفيد-19 في أفريقيا.
ولقد سعينا جاهدين لنشر ندواتنا ومواردنا على أوسع نطاق ممكن، لذا اخترنا البث المباشر عبر تطبيق زووم نظرًا لسهولة استخدامه من أجل استضافة الأعداد الكبيرة عبر الإنترنت. وبدعم من الفرق الأخرى في المركز الدولي للصحفيين، قُمنا بمتابعة تأثير عملنا وأعددنا المقترحات لجذب التمويلات للمشروع. وقد كرسنا جميع الفرق المتاحة للمشروع، مما أتاح لنا إقامة فعاليات أكبر عبر الإنترنت، مثل هذه الجلسة النقاشية مع الدكتور أندرس تيغنيل، كبير أخصائيي الأوبئة في السويد، وكذلك إدارة الصفحة عبر فيسبوك بشكل أكثر فعالية. كما استطعنا التصدي للتضليل، حيث واجهنا المعلومات المضللة والتغطية غير الدقيقة التي ينشرها أعضاء الصفحة عبر الملتقى وقمنا بفضح زيفها.
أسس فريقًا مجتمعيًا من القادة الراسخين
مع نمو النسخة الإنجليزية من الملتقى، تمكنّا من جذب التمويلات للتوسع في المشروع وإضافة النسخ الأسبانية والبرتغالية والفرنسية والعربية. وجمعنا كذلك فريقًا عالميًا من المديرين المجتمعيين لتنمية كل مجموعة بلغاتها المحلية.
وقد أبدى هؤلاء القادة الإعلاميون حماسًا شديدًا لعملهم، إذ كانوا معروفين في مناطقهم ولديهم شبكات محلية خاصة بهم.
- من توجو، يدير كوسي إلوم بالاو مجتمعنا الفرانكوفوني. وهو صحفي حائز على الجوائز ومؤسس النسخة الفرنسية من موقع The Confidential Report، كما يرأس شبكة الصحفيين العلميين في أفريقيا.
- ومن البرازيل، يقود ألكساندر أوريكو مجتمعنا الناطق باللغة البرتغالية. وهو المحرر المؤسس لمشروع Núcleo Jornalismo لصحافة البيانات، كما أنه صحفي مخضرم في مجال التكنولوجيا ومحرر صحيفة البرازيل الأكبر Folha de S.Paulo.
- ومن باراجواي، تدير ديزيري إسكيبل مجتمعنا الناطق باللغة الأسبانية. وقد شاركت في تأسيس موقع Ciencia del Sur، وهو أول منصة للإعلام العلمي في بلادها. كما تعمل كسفيرة لدى SembraMedia، أحد شركاء شبكة المركز الدولي للصحفيين.
- وتقوم فدوى كمال، الزميلة السابقة لدى Code for Africa، أحد شركاء شبكة المركز الدولي للصحفيين، بإدارة مجتمعنا الناطق باللغة العربية.
- ومن نيجيريا، قام بول أديبوجو بتنويع وتوسيع برامجنا باللغة الإنجليزية، وهو صحفي علمي ورائد إعلامي مخضرم.
كما قمنا بتعيين مشرفين لكلٍ من صفحات الملتقى للمساعدة في الاتصالات وإدارة المناقشات ومتابعة آثارها.
إقرأوا أيضًا: إليكم الإستراتيجية التي اتبعها "دوكيمنتد" لزيادة إشراك الجمهور
قُم بتقييم احتياجات مجتمعك
نتواصل مع مجتمعاتنا بشكل منتظم وبمختلف الطرق للسؤال عما يريدون أو يحتاجون. فعلى سبيل المثال، نرسل استطلاعات الرأي للمشاركين بعد انتهاء الويبينار، أو نسأل مجموعاتنا الرقمية عما يريدوننا أن نضيفه.
ومع دخول عام 2021، سألنا مجتمعاتنا عن اقتراحاتهم لكيفية تحسين خدماتنا مع تطور الجائحة وظهور قضايا جديدة، مثل السلالات المختلفة لفيروس "كوفيد-19" وتطوير اللقاحات وتوزيعها وتغير استجابات الصحة العامة.
وانطلاقًا من الردود التي تلقيناها، قمنا بتحديث برامجنا لتقديم المزيد من التدريبات والجلسات النقاشية مع خبراء الصحة.
طوّر مجتمعك
لم تنته الجائحة بعد، ولكنها ستنتهي يومًا ما. كما أننا في خضم أزمات عالمية أخرى، مثل تدهور المناخ وانتشار المعلومات المضللة، بالإضافة إلى المزيد من المشاكل التي ستظهر عاجلًا أم آجلًا. لذا سيحتاج الصحفيون إلى التطور والتكيف واكتساب المعرفة والمهارات المتخصصة من أجل الاستمرار في تغطيتهم الصحفية الهامة.
وبينما نتطلع للمستقبل، نخطط لاستخدام الأساليب الفعالة لتنمية مجتمع الصحفيين الافتراضي الذي أنشأناه أثناء تفشي الجائحة. فليس من المفترض أن تكون المجتمعات ثابتة.
ولن يكون الملتقى آخر هذه المشروعات في المركز الدولي للصحفيين. فلحسن الحظ، قدمت لنا تجربتنا في بناء هذه المجتمعات النابضة بالحياة دروسًا هامة حول متطلبات إشراك مجتمع الصحفيين العالمي اليوم وفي المستقبل.
ترقبوا المزيد.
ستيلا روك
تدير ستيلا روك قسم المشاركة المجتمعية لدى المركز الدولي للصحفيين في واشنطن العاصمة. وبالشراكة مع جميع فرق المركز وبالتنسيق مع فريق المحتوى والمجتمع الذي تعمل به، صممت روك ملتقى المركز الدولي للصحفيين لتغطية الأزمة الصحية العالمية وأطلقته كاستجابة عالمية لجائحة "كوفيد-19" وأول مشروعات المركز للمشاركة المجتمعية.