تسعى غرف الأخبار إلى الصمود أمام التحديات الكثيرة التي يمتلئ بها المشهد الإعلامي، من خلال إدخال الألعاب كوسيلة لجذب القراء، وتحويلهم إلى مشتركين في المنصات الإلكترونية.
وتُعد صحيفة نيويورك تايمز رائدة في مجال الألعاب، فقد بدأت بنشر لعبة الكلمات المتقاطعة منذ عام 1942، وأطلقت تطبيقًا إلكترونيًا مُخصصًا للألعاب عام 2009. ومن بين أبرز العروض التي تُقدّمها اليوم، لعبة الكلمات المتقاطعة الصغيرة، وألعاب الكلمات مثل "Wordle" والتي اشترتها في عام 2022 بعدما حققت اللعبة شهرة عالمية، بالإضافة إلى ألعاب أخرى مثل: Spelling Bee، وConnections، وStrands، ولعبة البحث عن الأنماط Tiles.
وفي عام 2023، تم تنزيل تطبيق الألعاب لصحيفة التايمز 10 ملايين مرة، وجرى تشغيل عروضه أكثر من ثمانية مليارات مرة. وفي شهر ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، جذب تطبيق الألعاب للتايمز عددًا كبيرًا من الزوار مقارنة بأي قسم آخر في الموقع، بما في ذلك قسم الأخبار.
من جانبه، يقول جوناثان نايت، رئيس قسم الألعاب في صحيفة نيويورك تايمز: "إن نجاح الألعاب لم يأت بمحض الصدفة؛ فالألعاب تُشكل جزءًا مهمًا من استراتيجيتنا التي تهدُف إلى توفير مجموعة متنوعة من المنتجات التي تُلبي اهتمامات الناس، وأساليب حياتهم، وعاداتهم".
وبالمثل، تُقدم صحيفة واشنطن بوست عشرات الألعاب، بما في ذلك لعبة الماهجونغ، ولعبة السوليتير. أما قرّاء مجلة نيويوركر، فيمكنهم الاستمتاع بلعبة Name Drop، وهي مسابقة تختبر قدرة القراء في التعرف على شخصيات بارزة.
وتُقدّم العديد من المطبوعات الأخرى، مثل صحيفة "تامبا باي تايمز"، وصحيفة "دالاس مورنينج نيوز"، مجموعة متنوعة من الألعاب الإلكترونية، بدءًا من الألعاب الكلاسيكية وصولاً إلى الألعاب المتخصصة، مثل النسخة الصيفية من لعبة Crystal Collapse، أمّا صحيفة The New European البريطانية، فتُقدّم عددًا من الألغاز تشمل الأرقام، والكلمات والمنطق.
التأثيرات النفسية للألعاب
يقول الخبراء إنّ هناك عدة عناصر أساسية تجعل الألعاب"جيدة" لنا.
أولاً، يجب أن تكون اللعبة فريدة من نوعها لكي تبرز في مجال يزداد ازدحامًا، وأن تُعطي الأولوية للجودة على الكمية، وأن تتأكد من أن اللعبة تُقدّم قيمة مُضافة لجمهورك.
من جهته، قال جواو بيدرو بيريرا، محرر النشرات الإخبارية والمشاريع الرقمية في موقع Público البرتغالي: "قدّم للمستخدمين شيئًا يمنحهم شعورًا بالفطنة والمعرفة؛ فهم يزورون موقعك الإخباري لهدف معين".
ويتفق معه في الرأي نايت، مشيرًا إلى أن الألعاب يجب أن تكون ُمصممة بجودة عالية لجذب المستخدمين، ثم أضاف قائلاً: "لدينا فريق من الأشخاص الذين يصممون، ويحررون، ويختبرون، وينتجون هذه الألغاز لضمان جودتها قبل إصدارها، ويمكنك أن تلمس وجود أشخاص حقيقيين وراء هذه الألغاز، وهذا ما يُميزنا بشكل خاص".
يجب أن تكون الألعاب مليئة بالتحديات ـ ولكن ليس بشكل مُبالغ فيه. وهذا من شأنه ضمان بقاء المستخدمين مندمجين لفترة أطول، بدون أن يُبعدهم تماماً.
ويُمكن تقييم الألعاب التي تُقدّمها المنصات الإعلامية من خلال "نموذج هوكد" الذي طوّره Nir Eyal، وهو كاتب متخصص في علم نفس المستهلك، والذي يشرح كيفية جذب الألعاب للمستخدمين وتحويلها إلى طقوس يومية.
ويوضح النموذج كيفية تعزيز القيمة الشخصية التي يربطها المستخدمون بالمنتج. ومن الممكن أن يُسهم اتباع النموذج المكون من أربع خطوات في زيادة تفاعل المستخدمين، ولكي تنجح الألعاب، يجب أن تركز على رغبتنا في الاستكشاف، والاستفادة من إفراز الدوبامين لدى المستخدمين، فهذا الناقل العصبي يُعزز الشعور بالتوقع والفضول؛ مما يساعد في إبقاء المستخدمين متفاعلين بشكل أكبر.
جذب اللاعبين إلى المحتوى الإخباري
تسعى غرف الأخبار إلى تقديم الألعاب كوسيلة لزيادة حركة المرور إلى مواقعها، ولضمان نجاح هذا التوجه، يتعين على المؤسسات الإعلامية تطوير استراتيجيتها لربط الألعاب التي تُصممها بمحتواها التحريري.
وأوضح نايت: "لقد اكتشفنا أن المستخدمين الذين يتفاعلون مع الأخبار والألعاب بشكل أسبوعي، يُظهرون أعلى معدلات الاحتفاظ بالاشتراكات مقارنة بأي سلوك آخر"، مضيفًا: "من الممكن أن تُسهم الألعاب في تمويل غرف الأخبار، فالأرباح التي نحققها تخدم مهمتنا في المحافظة على استقلالية الصحفيين، وتمكينهم من مواصلة عملهم المهني بكفاءة".
وبإمكان غرف الأخبار تقديم أنواع مختلفة من الاشتراكات، مثل العروض البسيطة، والعروض المُجمعة.
وعلى صعيد آخر، يمكن لوسائل الإعلام أن تُقدّم ألعابها مجاناً وأن تعتمد على الإعلانات كمصدر للإيرادات كما تفعل صحيفة واشنطن بوست، وبالمثل، تُتيح مجلة نيويوركر إمكانية الوصول المجاني للألعاب، مع تشجيع المستخدمين بانتظام على إنشاء حساب أو الاشتراك في النشرات الإخبارية، أما صحيفة نيو يوروبيان، فتجمع بين إتاحة الوصول إلى الألعاب والمحتوى الإخباري وأرشيف التقارير.
وأوضح دميتري ويليامز، أستاذ الاتصالات في كلية أننبرج للاتصال والصحافة بجامعة جنوب كاليفورنيا، والمتخصص في دراسة التكنولوجيا والألعاب والمجتمع: "الصحافة هي مزيج من تقديم ما يريده الناس حتى يتمكنوا أيضًا من قراءة ما يعتقد المحرر أنهم بحاجة إلى معرفته، فهذا التوازن هو جوهر الصحافة"، ثم أضاف قائلاً: "أنت تشتري حركة المرور من خلال الألعاب، وكلما زادت حركة المرور إلى موقعك، كان ذلك أفضل".
الصورة حاصلة على رخصة المشاع الإبداعي على موقع Unsplash بواسطة نيلز هوينرفويرس.