على الرغم من الاحتمالية الوشيكة لحظر تطبيق الفيديوهات القصيرة تيك توك في الولايات المتحدة، إلا أن تأثر شعبيته بدرجة كبيرة حول العالم ليس أمرًا محتملًا.
لقد أثبت تيك توك نفسه كمنصة تنتشر عليها المعلومات بسرعة – بداية من الميمات والرقصات ووصولًا إلى المعلومات الخاطئة والمضللة، ولكن يمكن استخدامه أيضًا لفضح المعلومات المزيفة، وفي المقابل نشر الحقائق لمجموعات أكبر من الناس. وفي وقتنا الحالي، يمتلك نصف ناشري الأخبار حسابًا على تيك توك، إذ يحاولون إشراك جمهور الشباب الذي يكتسح التطبيق: ففي الولايات المتحدة، تتراوح أعمار أكثر من نصف مستخدمي تيك توك ما بين 18 و24 سنة، ويبلغ عمر أكثر من 90٪ من المستخدمين أقل من 35 سنة.
وخلال جلسة حديثة ضمن المؤتمر العالمي لتمكين الحقيقة الذي يقدمه المركز الدولي للصحفيين، شارك مسؤول حساب تيك توك ومراسل شؤون مجتمع الميم في Openly، إنريكي أنارتي، مع الصحفيين، كيفية تقديم فيديوهات إخبارية جذابة على تيك توك، ونقدم إليكم نصائحه:
صفحة "من أجلك For You"
إن أغلب الأشخاص الذي يحققون نجاحًا على تيك توك يفعلون ذلك من خلال صفحة "من أجلك"، التي تستخدم خوارزمية للتنبؤ بما سيهتم المستخدم بمشاهدته بعد ذلك. وتمتلك منصات التواصل الاجتماعي الأخرى – مثل تويتر وفيسبوك – صفحات مقترحات مماثلة تستند إلى الخوارزميات، ولكن حظيت صفحة "من أجلك" على تيك توك بشهرة عالمية لدقة مقترحاتها.
وقال أنارتي: "ستحدد صفحة (من أجلك) عالمك بأكمله، وكل دقيقة تعمل فيها على هذا التطبيق". ويشاهد أغلب الناس المحتوى المنشور على هذه الصفحة، على خلاف صفحة "المتابعة Following"، التي تحتوي فقط على محتوى مصنوع أو مُشارك من قبل صناع المحتوى الذين يتابعهم المستخدم.
وأضاف أنارتي: "لا يمكنك أن تتوقع أن يرى الناس مقاطع الفيديو التي تقدمها فقط لأنّ لديك منصة كبيرة أو لأنك تمتلك أكثر من 100 ألف متابع، فالمنصة الكبيرة التي تمتلك أكثر من 150 ألف متابع يمكنها أن تحصل على ألفين أو ثلاثة آلاف مشاهدة لأن الناس لا يستخدمون صفحة المتابعة".
وأوضح أنارتي أنه لضمان أن يشاهد جمهورك المستهدف فيديوهاتك، ينبغي عليك تلبية احتياجات الخوارزمية، وبإمكان الصحفيين القيام بذلك عن طريق تضمين الكلمات الاستراتيجية، والهاشتاجات، والعبارات الرئيسية في أوصاف الفيديوهات أو في النصوص الموجودة في الفيديوهات نفسها، والتي تستهدف فئة معينة من المستخدمين. كما أنه يمكن لمحركات البحث أيضًا قراءة هذه العناصر النصية وتجعل محتواك يصل إلى مزيد من الناس.
السرد القصصي الأصلي
ولتقديم قصة إخبارية جذابة على تيك توك، ينبغي على الصحفيين تحديث تنسيقاتهم لاستهداف جمهورهم. وتكمن إحدى الطرق للقيام بذلك في "السرد القصصي الأصلي"، الذي يسمح للمستخدمين بالاستفادة من الميزات المدمجة في التطبيق لصناعة محتوى مصمم خصيصًا لتيك توك. ومن خلال الالتقاء بمستخدمي تيك توك أينما كانوا، يمكن للصحفيين المساعدة في جذب الشباب الذين يستخدمون التطبيق بشكل متكرر للمشاركة والاهتمام بالأخبار.
وأشار أنارتي إلى أنّ "جمهور الإنترنت أصبح حذرًا قليلًا من الناشرين على الإنترنت والصحفيين"، موضحًا "أعتقد أن الناس قد ضاقوا ذرعًا من نفس التنسيقات التقليدية على هذه التطبيقات، وهنا تكمن فائدة تنسيقات تيك توك الأصلية".
ويمكن أن يتضمن السرد القصصي الأصلي استخدام الميزات الحصرية لتيك توك، ودمج الأصوات والموسيقى الرائجة، وتغيير أسلوب التغطيات الصحفية بانتظام. فعلى سبيل المثال، تقدم صحيفة واشنطن بوست الأميركية، فيديوهاتها على شكل "ثنائيات"، أي تقدم فيديوهات جديدة يتم تشغيلها جنبًا إلى جنب مع واحد أو أكثر من مقاطع الفيديو الموجودة بالفعل، وذلك في كل مرة يحدث إطلاق نار جماعي في الولايات المتحدة. ويوضح هذا السرد القصصي المبتكر بفعالية عدد عمليات إطلاق النار الجماعية السابقة، مما يمكن أن يشكل تأثيرًا أكثر من مقطع فيديو واحد حول الحدث.
ويُعد "الدمج" ميزة أخرى حصرية لتيك توك، وهو يسمح بتشغيل فيديو لمدة ثلاث إلى خمس ثوانٍ، ثم يقدم مستخدم آخر ردًا على الفيديو الأصلي، وهذا التنسيق مفيد بشكل خاص، إذ يُمكن للصحفيين توظيفه لمواجهة المعلومات المضللة وفضح الخرافات الموجودة في فيديوهات أخرى منشورة على تيك توك، أو التوسع في عرض موضوعات قام صانعو محتوى آخرون بتغطيتها بالفعل.
وبإمكان الصحفيين أيضًا استخدام مقاطع الصوت الرائجة في خلفيات الفيديوهات لنشر قصصهم، ونظرًا لأنه يمكن للمستخدمين البحث عن الفيديوهات عبر مقاطع الصوت المستخدمة فيها، فإن إنشاء فيديو يستخدم أغنية أو مقطع صوت بإمكانه أن يساعد في الوصول إلى قطاع أوسع من الجماهير.
وفي النهاية، من المحتمل أن يكون أي شخص استخدم أو شاهد فيديو على تيك توك على دراية بتنسيق "سكيتش" أو "سكيت"، وغالبًا ما يتم تقديمه كـ"وجهة نظر أو POV"، وفي هذه الفيديوهات يقدم صانع الفيديو أدوارًا مختلفة لتمثيل موقف ما، أو حتى يُعين دورًا للمشاهد. ويُمكن للصحفيين استخدام هذا التنسيق غير المألوف لمناقشة قصة مهمة بطريقة شيقة.
ويرى أنارتي أنّ هذه الفيديوهات "طريقة رائعة لجعل القصص تنبض بالحياة"، موضحًا "يسمح تمثيل جانبي القصة لي بعرض جانب مختلف، ومن ثم يساعدني على تعزيز حيادتي كصحفي، ولكن يعطي انطباعًا بأنه فيديو ترفيهي".
وتحظى هذه الجوانب للسرد القصصي الأصلي بأهمية خاصة لأولئك الذين لا يمتلكون قاعدة جماهيرية راسخة لأنها تسمح بمزيد من الظهور: فحتى إذا كنت تمتلك عددًا قليلًا من المتابعين على المنصة، يُمكنك أن تجذب الآلاف، أو حتى ملايين المشاهدين.
وأوضح أنارتي: "إذا لم تكن علامة تجارية إخبارية كبيرة فسيكون من الأصعب أن تجعل المستخدمين يتابعونك، ولكن تيك توك يعتمد على جودة الفيديو الذي تقدمه وليس عدد المتابعين لديك".
تفاعل الجمهور
إنّ العلاقة المباشرة التي ينبغي أن تربط الصحفيين كصناع محتوى بمشاهديهم تُميز تيك توك عن الصحافة التقليدية.
وقال أنارتي: "أجبرنا تيك توك على البدء في التحدث مع الجمهور والتفاعل معه"، مضيفًا "وهنا تكون علاقتك مع جمهورك مهمة للغاية، كما أنّه من المهم للغاية أيضًا أن تكون منفتحًا لردود الأفعال وحتى إن كانت نقدًا".
وشرح أنارتي أنّ جماهير تيك توك تُقدر عندما يكون صانعو المحتوى مستعدين لإجراء التصحيحات أو التعامل مع وجهات النظر المعارضة، وفي المقابل، بإمكان الصحفيين استخدام جماهيرهم كمصادر لجمع الأخبار.
وأوضح أنارتي: "سيكون مستخدمو تيك توك أول من يطلب (هل يمكنك تغطية هذه القصة التي حدثت للتو في بلادي من فضلك؟)، إنهم استباقيون للغاية وفي بعض الأوقات يمكن حتى الوصول إلى تفاصيل قصة قبل رويترز والأسوشيتد برس".
إلا أن أنارتي حذر من أنّ نشر فيديوهات على تيك توك لا يكون دائمًا الخيار الأفضل للصحفي أو الوسيلة الإخبارية، إذ إنّ تيك توك لا يناسب الاستراتيجية التحريرية لكل غرفة أخبار، كما أنّ مجرد وجود عدد كبير من المستخدمين على التطبيق لا يعني ضرورة أن يستخدمه كل صحفي.
ومن الأهمية بمكان على الصحفيين الذين قرروا استخدام تيك توك كمنصة للتغطيات الإخبارية، أن يدركوا رغبات جماهيرهم وتوقعاتهم. ولتحفيز التفاعل، ينبغي عليهم أن يجعلوا منشوراتهم موجزة قبل كل شيء، وأن يعطوا أولوية لمتابعيهم واحتياجاتهم، وأن يكونوا أصليين.
وقال أنارتي: "أنت لا تتواجد على تيك توك لتصبح منتشرًا، وإنما لتصل إلى الجمهور الذي ترغب في الوصول إليه"، مختتمًا "من الأفضل أن يحظى الفيديو بعدد مشاهدات أقل ولكن مع تفاعل إيجابي مرتفع من الجمهور الذي تريد الوصول إليه".
يدير المركز الدولي للصحفيين برنامج مكافحة المعلومات المضللة بتمويل رئيسي من مؤسسة سكريبس هوارد، وهي مؤسسة تابعة لصندوق سكريبس هوارد، الذي يدعم الجهود الخيرية لشركة إي. دابليو. سكريبس. ومن المقرر أن يمكّن المشروع الممتد لثلاث سنوات، الصحفيين وطلاب الصحافة من محاربة انتشار المعلومات المضللة في وسائل الإعلام الإخبارية.
الصورة حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة أوليفييه بيرجيرون.