كيف يمكن لغرف الأخبار دعم الصحفيات اللواتي يتعرضن للهجوم عبر الإنترنت؟

بواسطة ديفيد ماس
May 13, 2022 في السلامة الرقمية والجسدية
صحفية

في دراسة جديدة نُشرت بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، حثّ المركز الدولي للصحفيين ومنظمة اليونسكو غرف الأخبار على بذل المزيد من الجهود لحماية الصحفيات اللواتي يتعرضن للعنف عبر الإنترنت.

فقد أدّى غياب السياسات الخاصة بمكافحة هذه المشكلة أو حتى الاعتراف بوجودها إلى تخلّي غرف الأخبار في كثير من الأحيان عن الصحفيات وتركهن لمواجهة العنف عبر الإنترنت وحدهن وما ينطوي عليه ذلك من عواقب نفسية ومهنية ومالية، وذلك حسب ما جاء في مقتطف جديد من كتاب سيصدر قريبًا بعنوان "دراسة عالمية حول العنف ضد الصحفيات عبر الإنترنت"، من تأليف د. جولي بوسيتي، نائبة رئيس الأبحاث العالمية لدى المركز الدولي للصحفيين، والباحثة نبيلة شبير. كما ساهمت كباحثة متخصصة في هذا الفصل من الكتاب بيكي جاردينر، المُحاضرة لدى كلية جولدسميث بجامعة لندن.

وقد حللت الباحثات النتائج المستخلصة من 15 دراسة حالة من دول مختلفة حول استجابة غرف الأخبار للهجمات عبر الإنترنت، إلى جانب إجابات من دراسات استقصائية ومقابلات مع حوالي 1000 صحفية ومحررة وخبيرة. وبناءً على ذلك، أفادت الدراسة بأنّ "هناك حاجة إلى تحويل مسؤولية إدارة العنف الجنساني عبر الإنترنت من الصحفيين المعرضين للهجوم إلى المؤسسات الإخبارية التي توظفهم والجهات السياسية وغيرها من الجهات الفاعلة التي تحرض على الهجمات وتغذيها بشكل متكرر، بالإضافة إلى الخدمات الرقمية التي تعمل كمنصات لسوء المعاملة".

ولن تتمكن المؤسسات الإخبارية من صد العنف ضد الصحفيات عبر الإنترنت بشكل تام، إذ تقع معظم الهجمات عبر منصات التواصل الاجتماعي، كما يشمل مرتكبوها القوى السياسية ذات النفوذ. ولكن مع تعرض الصحفيات لصعوبات متزايدة بسبب عملهن ومعاناة حرية الصحافة، يتعين على وسائل الإعلام أن تفعل ما في وسعها لوقف هذه الموجة من العنف.

وفي هذا الإطار، أكدت الدراسة أنّ "[غرف الأخبار] مسؤولة عن القيام بكل ما في وسعها لصد هذه الهجمات وحماية المستهدفات والدفاع عنهن عند تعرضهن للهجوم وفي أعقابه، وكذلك الإبلاغ عن الهجمات والحرص على مواجهة الجناة للعواقب من قبل الدولة وشركات الإنترنت عند الحاجة لذلك".

كما نصحت الباحثات غرف الأخبار بأن "تضاعف من جهودها" وأن "تقوم بتحديث بروتوكولات الاستجابة الخاصة بها بشكل كافٍ". وإليكم كيفية تنفيذ ذلك – وأوجه القصور التي تواجهها اليوم.

أوجه القصور لدى غرف الأخبار

في أغلب غرف الأخبار، لا توجد بروتوكولات مكتوبة للاستجابة إلى العنف عبر الإنترنت. أمّا غرف الأخبار الأخرى التي تمتلك مثل هذه البروتوكولات، فإنها تعجز عن تنفيذها بشكل فعال أو مستمر. ونتيجة لذلك، أدّى هذا التعامل مع الهجمات إلى ترك الصحفيات المستهدفات مع دعم غير كافٍ أو من دون دعم على الإطلاق.

وينطبق ذلك بشكل خاص على الصحة النفسية للصحفيات، التي تتأثر بهذه الهجمات، وفقًا للصحفيات المشاركات في الاستطلاع. وقد وجدت الدراسة أنّ "عدد الصحفيات اللواتي أبلغن عن تعرضهن للعنف عبر الإنترنت وحصلن على الدعم من أماكن العمل لا يُذكر: فلم يتم تقديم المشورة النفسية أو إجازة من العمل للتعافي أو الحراسة الأمنية إلّا لسبع صحفيات فقط".

كما قالت 21 صحفية، من بين 714 ممن أبلغن عن الهجمات وشاركن في الاستطلاع، إنهن حصلن على الدعم الأمني الرقمي.

وبينما تواجه العديد من الصحفيات الهجمات عبر منصات التواصل الاجتماعي، إلى جانب الشعور بالضغط لزيادة عدد المتابعين من أجل تعزيز مسيراتهن المهنية، تؤدي إرشادات غرف الأخبار الخاصة باستخدام الصحفيين لهذه المنصات إلى تفاقم الاستجابات غير الفعالة. ففي بعض الأحيان، يتم إلقاء اللوم على الضحايا وتقييد كلامهن، مع التركيز على سلوك الصحفيات وما يمكنهن قوله، وذلك بدلًا من وصف الخطوات التي يمكن أن تتخذها غرف الأخبار لدعم الموظفات وحمايتهن. وحسب الدراسة، فإن ذلك قد يعيق الآفاق المهنية ويزيد من الضرر النفسي.

وقد أكدت العديد من الصحفيات أنهن يشعرن بغياب الدعم أو بأنهن يتعرضن للعقاب في خضم هذه الهجمات. وفي هذا السياق، قالت باتريشيا ديفلن، الصحفية السابقة لدى صحيفة صانداي وورلد الصادرة بأيرلندا الشمالية، إنها تعرضت للإساءات وتلقت التهديدات بالقتل كل أسبوع خلال السنتين الأخيرتين. وأضافت: "يجعلك هذا تتساءل عما إذا كان الأمر سينتهي يومًا ما، ولكنني فقد الأمل تمامًا. وأحاول أن أتجاهل الأمر، فلدي قدرة تحمل قوية، ولكن أليس من الأفضل ألا أضطر إلى مواجهة أي من ذلك؟".

وعلاوة على ذلك، يُعد غياب التنوع في إدارة غرف الأخبار عاملًا مساهمًا في المشكلة. فالصحفيات لا يحظين بالتمثيل الكافي في المناصب العليا بغرف الأخبار، وهو ما يفسر جزئيًا استمرار التردد في الإبلاغ عن الهجمات. وفي هذا الإطار، تحدثت عن تجربتها ريانا كروكسفورد، الصحفية لدى بي بي سي، بعدما تعرضت للهجمات العنصرية عبر الإنترنت، والتي وصفتها بأنها "قردة" وبأوصاف عنصرية. وقالت: "شعرت بأن عليّ التزام الصمت لأنني أعمل لدى بي بي سي، فلا ينبغي أن أشوه سمعتها". وأضافت أن "كوني صحفية ذات بشرة ملونة، أشعر أحيانًا بأن علي العمل بالمزيد من الجدية، وبأنني لا أستطيع ارتكاب أي أخطاء، وشعرت فجأة بتضخم هذا الإحساس".

وأشارت أخريات إلى أن بيئة العمل المعادية – "غير متعاطفة، معادية للمرأة، سلطة أبوية أو غير ذلك" - والقيادة الضعيفة تساهمان في عدم كفاية استجابة غرف الأخبار.

كيف يمكن لغرف الأخبار أن تتحسن؟

ليس الوضع مظلمًا في كل مكان، فقد بدأت بعض المؤسسات في اتخاذ الخطوات لتحسين طريقة تعاملها مع الهجمات ضد موظفيها عبر الإنترنت.

فعلى سبيل المثال، قامت كبرى المؤسسات الإعلامية، مثل صحيفتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست، بالدفاع علنًا عن الصحفيات اللواتي يتعرضن للهجوم، بينما اعترفت شبكات سي إن إن والجزيرة وبي بي سي وغيرها في مراسلات داخلية بأن الصحفيات وأصحاب البشرة الملونة هن/هم أكثر من يتعرض للاستهداف. ووفقًا للتقرير، فقد أعدت بعض المواقع أدوارًا جديدة للاستجابة إلى الهجمات عبر الإنترنت، بينما نشر البعض الآخر مقالات وتقارير حول العنف الذي تتعرض له الصحفيات.

وفي أواخر العام الماضي، تعاونت المؤسسات الإخبارية في كندا لإعداد استجابة أكثر شمولًا للهجمات القائمة على النوع الاجتماعي عبر الإنترنت، وشمل ذلك عقد مؤتمر والتكليف بإجراء الأبحاث وتسهيل المناقشات لفهم العنف بشكل أعمق.

واقترحت الباحثات ست خطوات أساسية لتتخذها غرف الأخبار اليوم لمواجهة هذه المشكلة:

إدراك النطاق الكامل للعنف عبر الإنترنت وعواقبه

لا تعني هذه الخطوة فهم كراهية النساء والتضليل والتطرف السياسي الذي يغذي الهجمات عبر الإنترنت فحسب، بل أيضًا العنصرية والتعصب الديني وكراهية المثليين وغيرها من أشكال التمييز الأخرى التي تزيد من حدة الهجمات. فعلى مؤسسات الأخبار أن تفهم الآثار النفسية بشكل الأفضل، وأن تكون مستعدة لمعالجتها.

وضع استراتيجيات لمنع الهجمات وإرشادات للاستجابة لها

ينبغي أن يكون الأمن الرقمي الذي يراعي النوع الاجتماعي في طليعة هذه الجهود، وأن يتم تنفيذه على مستوى المؤسسات ولصالح الصحفيين المستقلين أيضًا. يجب أن تشمل الجهود إقامة التدريبات والإشراف الفعّال على التعليقات حيثما أمكن وغير ذلك.

توضيح طرق الإبلاغ عن الهجمات وتوثيق العنف

بحسب نصائح الباحثات، "ينبغي أن تعلم الصحفيات المستهدفات من يبلغن بالهجمات وكيفية وصف ما يتعرضن له". ويتعين على غرف الأخبار أن تعد فريقًا للاستجابة إلى الهجمات عبر الإنترنت وتوثيقها ومراقبتها وتقييمها مع مرور الوقت. وبذلك، تستطيع غرف الأخبار أن تطور خبرتها لتساعدها في التعامل مع الهجمات في المستقبل. كما يمكن لهذه الجهود أن تدعم السبل القانونية إذا تم اتخاذها.

تقييم المخاطر بشكل منتظم

يمكن لتقييم احتمالية وقوع الهجمات عبر الإنترنت قبل نشر القصة أن يساعد في حماية الصحة البدنية والنفسية للصحفيين. فالتقييم الفعال للمخاطر يضع في الاعتبار السياق الذي تعمل به الصحفيات، بالإضافة إلى عوامل الخطر الأخرى، مثل الجنس والعرق والدين والميول الجنسية.

وفي هذا الإطار، أوضحت الباحثات أنه "عندما تعلم الصحفية أن هناك خطوات تم اتخاذها بالفعل للتخفيف من مخاطر العنف الجسدي، وأن مخاطر اختراق البيانات تم تقليلها من خلال تكتيكات الأمن الرقمي الدفاعية، فإن التأثير النفسي لأي هجوم يقع لاحقًا قد يكون مخففًا".

الاستجابة الرسمية وغير الرسمية

عند وقوع هجوم ما، ينبغي أولًا التأكد من إحكام الأمن الرقمي للصحفية المستهدفة، ثم إبلاغ منصات التواصل الاجتماعي المعنية بوقوع الهجوم نيابة عنها. وبعد ذلك، يجب تقديم الدعم القانوني والدعم طويل الأمد للصحة النفسية. أما في الحالات الأكثر خطورة، فينبغي التفكير في نقل الصحفية إلى مكان آخر بشكل مؤقت وتحمل النفقات.

وضع استراتيجية للتحرير وحملات التوعية

استفد من المواهب والموارد في غرفة الأخبار للتحقيق في الهجمات والإبلاغ عنها.

وبحسب الدراسة، فإن "المهارات الأساسية التي يتعين وجودها في كل غرف الأخبار – كالقدرة على التحقيق في الانتهاكات وكشفها وشرح الأفكار المعقدة للجمهور والتغطية الصحفية من أجل الصالح العام – يمكنها أن تصبح أدوات قوية في مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي عبر الإنترنت، وهذا إن كانت غرف الأخبار على استعداد لاستخدامها".

فعلى سبيل المثال، قام موقع "رابلر" الفلبيني بإعطاء الأولوية لاستجابات الصحافة الاستقصائية وحملات نشر الوعي الإعلامي والدعوة العامة إلى المساءلة من قبل عمالقة التكنولوجيا. أمّا في المملكة المتحدة، فقد نشرت صحيفتا الجارديان وأوبزرفر تحليلات شاملة ومقالات حول الموضوع، بينما أصدرت صحيفة هافنجتون بوست بيانات لدعم الصحفيات العاملات لديها عندما تعرضن للهجوم، وهو النهج الذي تبنته صحيفة تورنتو ستار أيضًا.

وقد حذرت الدراسة من أن المعالجة الفعالة للعنف عبر الإنترنت تمثل تحديًا مكلفًا لغرف الأخبار، والتي تعمل بالفعل في بيئة إعلامية صعبة، ولكن هذا ليس عذرًا للتخلي عن واجب مكافحته.

وأوضحت أن "المؤسسات الإخبارية تتحمل نفس القدر من المسؤولية لضمان سلامة الصحفيات عبر الإنترنت – بما في ذلك العاملات المستقلات – وفي أرض الواقع".

الصورة الرئيسية من بيكسيلز بواسطة بافيل دانيليوك.