تتعرض صحفيّات عاملات في مجال الأخبار اليوم إلى الهجمات عبر الإنترنت، إذ أصبحت واقعًا قبيحًا عليهن مواجهته في العمل. فمن بين 714 صحفية شاركنَ في مسح عالمي أعدّه المركز الدولي للصحفيين لصالح منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، بلغت نسبة من قلن إنهنّ تعرضنَ للعنف عبر الإنترنت في إطار عملهن حوالي 75%، وهي مشكلة آخذة في التفاقم.
وقد تبين أنّ آثار العنف عبر الإنترنت بعيدة المدى، وذلك بحسب تقرير صدر حديثًا بعنوان الاتجاهات العالمية للعنف عبر الإنترنت ضد الصحفيات بناءً على المسح العالمي و182 مقابلة مع صحفيات وخبيرات من جميع أنحاء العالم. وقد ذكرت النساء المشاركات في الدراسة أن العنف عبر الإنترنت قد أثر على صحتهن العقلية، مما جعلهن يخشين على سلامتهن الجسدية وتشويه سمعتهن وأكثر من ذلك بكثير.
وفي هذا السياق، تحدثت الصحفية الاستقصائية البريطانية كارول كادوالادر إلى الباحثات اللواتي أجرينَ الدراسة، قائلة إنه من الناحية المهنية، "يُنظر إلينا كشخصيات مثيرة للخلاف والجدل، وهو ما لا يحدث مع زملائنا الذكور، وأعتقد أن هذا فعّال جدًا".
اشتهرت كادوالادر بتقاريرها الصحفية التي فجرت فضيحة فيسبوك-كامبردج أناليتيكا، مما جعلها مستهدفة بكم هائل من الإساءات عبر الإنترنت من عدة جهات، بما في ذلك الصحفيين ونواب البرلمان اليمينيين.
ولا ينبغي أن يكون العنف عبر الإنترنت هو القضية السائدة بين الصحفيات كما هو الحال اليوم. ولكن بالدعم المناسب من الأشخاص المناسبين، يُمكن إحداث التغيير في موجات العنف.
وهنا يأتي دور "مركز الاستجابة للعنف عبر الإنترنت"، الذي تم إطلاقه في يوليو/تموز من قبل المؤسسة الإعلامية الدولية للمرأة (IWMF) والمركز الدولي للصحفيين (ICFJ). وقد أعد هذا المشروع "ائتلاف مكافحة العنف عبر الإنترنت" المؤلف من أكثر من 40 منظمة تعمل للتوصل إلى حلول لهذه المشكلة المستمرة. ويقوم المركز بجمع الموارد القيّمة في مكان واحد لتقديم الدعم والمساعدة للمستهدفات بهذه الهجمات عبر الإنترنت.
إقرأوا أيضًا: دراسة تكشف العنف الذي تتعرّض له الصحفيات عبر الإنترنت
عن مركز الاستجابة للعنف عبر الإنترنت
أعربت الكثير من الصحفيات اللواتي تم استطلاع آرائهن وإجراء المقابلات معهن في إطار الدراسة عن رغبتهن في إيجاد طريقة أكثر سهولة للحصول على الموارد، وهذا ما وضعه الائتلاف في عين الاعتبار عند تصميم المركز.
من جهتها، تقول الدكتورة جولي بوسيتي، مديرة الأبحاث العالميّة في المركز الدولي للصحفيين، والتي ساهمت في تأسيس المركز وقادت الدراسة لصالح منظمة اليونسكو، إنه عند التعرض للهجوم، "تكون لديك موارد وقدرات محدودة، ناهيك عن مسؤولية التوصل إلى الحلول بنفسك". لهذا يقوم المركز بتخفيف العبء على الصحفيات ويقدم لهن منصة سهلة الاستخدام من أجل الحصول على الدعم المناسب.
وفي هذا الإطار، تقول إيلا ستيبلي، مستشارة الأمن الرقمي وقائدة المشروعات لدى المؤسسة الإعلامية الدولية للمرأة، إن "المركز لا يقدم الإرشادات الشاملة في دليل كامل فحسب، بل إنه يقسّمها بالتفصيل".
أما المحتوى المتاح عبر المركز، فقد ساهم به أعضاء الائتلاف، بما فيهم لجنة حماية الصحفيين وتحالف ثقافة السلامة والمركز الدولي للصحفيين ونادي القلم الأميركي ومنظمة فري برس أنليميتد وغيرهم. كما أن المركز يُعد منصة حيّة ونابضة بالحياة، حيث يتم تقييم المحتوى بشكل منتظم لضمان تحديثه، ويستطيع الأعضاء أن يقدموا الموارد الجديدة لنشرها عبر الموقع.
وعلاوة على ذلك، يتيح المركز العديد من الموارد باللغات الأخرى، بما في ذلك الإسبانية والعربية. وتأمُل كلٌ من ستيبلي وبوسيتي أن تتم ترجمة جميع مواد المحتوى إلى عدة لغات، وذلك للاعتراف بأن المشكلة عالمية ومتعددة اللغات.
كيفية استخدام المركز
عند زيارة الموقع للمرة الأولى، يمكنك الإطلاع على جميع مواد المحتوى من خلال الضغط على "الموارد" في القائمة العلوية. كما يمكنك إدخال بياناتك في مربع "الحصول على المساعدة"، حيث سيطلب منك تعريف نفسك كصحفية أو غرفة أخبار أو حليفة، مما سيساعد الموقع في اقتراح الموارد المخصصة لك.
وإليك بعض السيناريوهات المحتملة:
الصحفيات
بالنسبة للصحفيات، يمكن الضغط على زر "المساعدة الطارئة" ذي اللون البرتقالي إذا كنت في حاجة إلى المساعدة العاجلة. وعلى الرغم من أن المركز ليس لديه القدرة على التدخل في هذه المرحلة، إلا أنه يستطيع أن يرشدك تجاه من يمكنهم فعل ذلك.
إذا قمت بتعريف نفسك كصحفية من خلال الأسئلة التي تظهر على الصفحة الرئيسية للموقع، ستحصلين على قائمة بالسيناريوهات المحتملة لتختاري منها، مثل: "لقد تم نشر معلوماتي الخاصة علنًا" أو "أواجه مشكلة مع الصور" أو "أرغب في الاستعداد لمواجهة الإساءات عبر الإنترنت" وغيرها. وهنا يمكنك اختيار أقرب السيناريوهات إلى احتياجاتك.
فعلى سبيل المثال، إذا اكتشفت أنّ رقم هاتفك الخاص نُشر عبر الإنترنت من دون موافقتك، يمكنك الضغط على خيار "لقد تم نشر معلوماتي الخاصة علنًا". بعد ذلك سيتم سؤالك عن نوع المساعدة التي تبحثين عنها، مثل "المساعدة الطارئة" أو "الدعم النفسي والاجتماعي" أو "توثيق الهجمات"، إلى جانب خيارات أخرى. وفي حالة أردت الإطلاع على الإجراءات القانونية التي يمكنك اتخاذها بعد التعرض للهجمات، يمكنك الضغط على خيار "الدعم القانوني" والتعرف إلى منظمات مثل ميديا ديفينس، التي تساعد الصحفيين/الصحفيات في التواصل مع المحامين.
كان هذا أحد الأمثلة لشرح كيفية اللجوء إلى المركز عند التعرض للهجمات عبر الإنترنت.
وعلاوة على ذلك، تهدف العديد من الموارد المتاحة إلى الوقاية من الهجمات. فمثلًا، يمكنك الضغط على الخيارات المتاحة حتى تصلين إلى النصائح حول تأمين حساباتك ووضع استراتيجية للاستجابة وحماية بياناتك والحصول على التدريبات.
إقرأوا أيضًا: دراسة جديدة تكشف العنف الذي تعرّضت له ماريا ريسا عبر الإنترنت
غرف الأخبار
يُعد دعم غرف الأخبار أساسيًا للحد من تعرض الصحفيات للعنف عبر الإنترنت، ولكن هناك العديد من المؤسسات الإعلامية التي تجهل كيفية التعامل مع هذه المشكلة. لذا يوفر المركز مجموعة من الموارد المتنوعة لمساعدة غرف الأخبار في الاستجابة الفعالة لهذه الحالات وكذلك وضع سياسات وقائية للحد من المضايقات التي يتعرض لها موظفوها عبر الإنترنت.
إذا اخترت "غرف الأخبار" من القائمة الرئيسية، ستجدين السيناريوهات المحتملة التالية: "تم نشر المعلومات الخاصة بأحدهم علنًا" أو "تعرض أحدهم للمضايقات عبر الإنترنت" أو "الخطوات الوقائية للحماية من العنف عبر الإنترنت" وغيرها من الخيارات.
فلنفترض مثلًا أنك قمت بالضغط على خيار "تعرض أحدهم للمضايقات عبر الإنترنت". سيأخذك الموقع إلى صفحة تمكنك من اختيار إجابات مثل "ساعد صحفي/صحفية في تأمين بياناته/بياناتها عبر الإنترنت" أو "الاستجابة إلى المهاجمين عبر الإنترنت" أو "الدعم النفسي والإجتماعي". وسوف يرشدك المركز إلى الموارد التي يمكنها مساعدتك في تأمين حسابات غرفة الأخبار وصياغة التصريحات الداعمة للصحفيين/الصحفيات وتوثيق الإساءات عبر الإنترنت وغير ذلك.
الحلفاء
لا يقتصر العنف عبر الإنترنت على الصحفيين/الصحفيات أو مدراء غرف الأخبار. فقد ترغب في مساعدة أحد الأصدقاء أو الزملاء أو أفراد الأسرة في مواجهة هذه الهجمات. وفي هذه الحالة، يمكنك الضغط على خيار "أرغب في دعم أحدهم" من القائمة الرئيسية.
وهنا أيضًا سترى عدة سيناريوهات يمكنك الاختيار منها، مثل "دعم شخص يتعرض للمضايقات عبر الإنترنت" أو "تم نشر المعلومات الخاصة بأحدهم علنًا" أو "معرفة المزيد عن العنف عبر الإنترنت". وهذه المرة، اختر "دعم شخص يتعرض للمضايقات عبر الإنترنت" ثم "دعم الآخرين"، وسوف يرشدك المركز خطوة بخطوة لتقديم الدعم.
ما يمكنك فعله الآن
قد لا تواجه العنف عبر الإنترنت حاليًا، ولكن لا يعني ذلك أنك لا تستطيع الاستفادة من المركز. وتقترح ستيبلي أن تحاول التعرف على الموقع حتى تعرف ما يقدمه وكيفية استخدامه عند الحاجة إليه.
فالموارد التي تركز على الوقاية يمكن أن تساعد غرف الأخبار والصحفيين/الصحفيات في اتخاذ الخطوات الهامة، مثل تأمين البيانات وإعداد خطط الاستجابة ووضع السياسات لدعم الموظفين/الموظفات.
فكر أيضًا في مشاركة الموقع مع الزملاء، بما فيهم من يعملون بشكل مستقل، حيث تقل احتمالية استفادتهم من الدعم المؤسسي في حالة التعرض للعنف عبر الإنترنت.
وفي هذا الصدد، تنصح ستيبلي بأن "تستخدمه كنقطة انطلاق لتعلم المزيد عن الإساءات عبر الإنترنت وكيفية حماية نفسك".
تايلور مولكاهي كاتبة ومحررة مستقلة ومقيمة في مدينة مينيابوليس، وهي مديرة التحرير السابقة لموقع شبكة الصحفيين الدوليين.