يوم الاثنين 6 فبراير/شباط 2023، ضربَ زلزال مدمّر تركيا وشمال غربي سوريا، مخلفًا وراءه الآف القتلى والجرحى، والعديد من الأشخاص تحت الأنقاض، وهو ما وثقته المواقع الإخبارية، بالتوازي مع جهود الصحفيين المستقلين الذين دشنوا صفحات توثق أسماء المفقودين على وسائل التواصل الإجتماعي، وتشارك أرقام هواتف جهات ومراكز تقدم أوجه العون والمساعدة لمصابي ومنكوبي الزلازل.
تُقدم لكم "شبكة الصحفيين الدوليين" شهادات صحفيين من سوريا وتركيا ولبنان عايشوا الزلزال المدمر، ووثقوا الأحداث بأقلامهم وعدسات كاميراتهم، وقدّموا النصائح العلمية والمهنية لتغطية موضوعية للأزمات والكوارث الطبيعية، ومعرفة آليات تدقيق المعلومات أثناء كارثة الزلزال المدّمر، إضافةً إلى جهود التشبيك بين الصحفيين العرب.
الصورة للدمار في شمال سوريا بعدسة الصحفي رامي محمد
رائحة الدمار في سوريا
بنبرة صوت حزينة داخل أحد المخيمات في شمال غرب سوريا، يحكي لنا أحمد عرابي وهو صحفي سوري ما عايشه مع عائلته وبالأخص الوضع القاسي في مدينة "الأتارب"، قائلاً: "استيقظت مذعورًا لشعوري بأنّ الدنيا تهتز يمينًا ويسارًا فخفت على أولادي وزوجتي ونزلنا بسرعة من منزلنا لاعتقادي أنّ قصفًا صاروخيًا يحدث، كما انقطع التيار الكهربائي بالمنزل، وقضينا حوالي ست ساعات تحت الأمطار داخل سيارتي، فكنا خائفين ولا نعلم أين سنذهب مع سماعنا لدوي الأبنية المتهدمة. وكنا نشتم رائحة الدمار من كل جانب، وقد نزل الناس إلى الشوارع مذعورين، بعضهم بدون حذاء، وحاولنا مساعدة بعضنا البعض. وبالنسبة لمنزلي فقد تعرض لتشققات بسبب الهزة العنيفة وسيارتي جراء الأحجار التي تساقطت عليها".
صورة لحجم الدمار الذي لحق بقرية بسنيا قرب سلقين في ريف إدلب بعدسة الصحفي أحمد عرابي
من جهتها، وصفت حنين السيد وهي ناشطة وصحفية سورية مستقلة تُقيم بشارع الفيلات بمدينة عفرين، تفاصيل تلك الليلة الأليمة، وقالت لشبكة الصحفيين الدوليين: "شعرت بالخوف في تمام الساعة الرابعة فجراً؛ فأخذت أطفالي وخرجت مع زوجي وأمي مهرولين إلى الشارع، وكان الحجر يتساقط فوق رؤوسنا جرّاء انهيار الطابق العلوي لمنزلنا".
الأضرار التي لحقت بسيارة الصحفية حنين السيد
وبسؤالها عن أحوال بقية أسرتها، قالت حنين: "أخي كان تحت الأنقاض بمدينة "أنطاكيا" التركية، وتم انتشاله هو وأسرته بأعجوبة". وشاركت حنين "شبكة الصحفيين الدوليين" عددًا من الصور التي وثقتها بعدسة هاتفها المحمول لتهدُم عدد كبير من الأبنية وتصدعها بشارع الفيلات بمنطقة "عفرين"، وحجم الدمار في قرية "ترمانين" بإدلب بسوريا.
الصورة بعدسة حنين السيد
صحفيون متطوّعون للإنقاذ
انتشال الجثث والضحايا العالقين تحت الأنقاض بالتعاون مع فرق المتطوعين المدنيين، هو الهمّ الشاغل للصحفي السوري رامي محمد بجانب دوره المهني في التغطية، وروى لنا ما عايشه في سوريا قائلاً: "حجم الدمار مخيف بشكل لا يصدق؛ للوهلة الأولى تظن أنك قد دخلت منطقة تم استهدافها بقنابل ذرية".
الصورة بعدسة الصحفي رامي محمد
وشارك رامي مع "شبكة الصحفيين الدوليين" بعض الصور الحصرية التي وثقها بعدسته لآثار الدمار للزلزال الذي ضرب مدينة "جنديرس" بريف مدينة عفرين شمال حلب -إحدى المدن المنكوبة جراء الزلزال- والتي توضح جهود فرق المتطوعين المدنيين لانتشال الضحايا العالقين تحت الأنقاض.
الصورة بعدسة الصحفي رامي محمد
وفي حديث لشبكة الصحفيين الدوليين، ذكر سامر دحدوح، وهو عضو برابطة الصحفيين السوريين أنّ "الوضع مأساوي في شمال سوريا، وعدد كبير من الناجين يرغبون بالخروج من الأماكن المتضررة ولكن لا يوجد وقود، ولا توجد سيارات"، وقال: "من المشاهد المأساوية العالقة بذهني هي وفاة أم أنجبت طفلتها تحت الأنقاض بمدينة جنديرس، قبل أن تلفظ الأم أنفاسها الأخيرة".
خدمات إعلامية وقصص إنسانية
"حجم الكارثة أكبر مما نتصور في مناطق كثيرة بسوريا؛ فالمواطنون يحفرون بأيديهم وبوسائل بدائية للبحث عن المفقودين والعالقين تحت ركام الأنقاض لمعاونة قوات الدفاع المدني، ومدينة "جنديرس" أصبحت منكوبة وهناك مئات المباني المنهارة والمتصدعة"، بهذه الكلمات بدأ خليل عشاوي وهو مؤسس وكالة "Frontline In focus"، ومصور مع "رويترز" كلماته معنا. وبالرغم من المعاناة التي عايشها حيث ظلّ والده ووالدته تحت الأنقاض في أنطاكيا لمدة يومين، إلا أنه تابع عمله في توثيق الأحداث بعدسته، فقام أولاً بالاطمئنان على سلامة أعضاء فريقه، ثم تقسيم الأعمال بينهم فبعضهم يقوم بتجميع وتوثيق الصور الجوية والقصص الإنسانية والمواد الصحفية، أما البعض الآخر فيخرج إلى الحدود لرفع الصور والمواد على الموقع الالكتروني وحسابات الوكالة على السوشيال ميديا، لأن شبكة الإنترنت سيئة جدًا، وينقطع التيار الكهربائي باستمرار.
الصورة بعدسة خليل عشاوي
ويستكمل عشاوي حديثه قائلاً: "للأسف تشردنا وأغلب أعضاء الفريق تدمرت بناياتهم السكنية، ويقطنون الآن في أماكن بعيدة عن تجمع المدن، أو ينامون في السيارات، وكذلك الحال مع أخي في تركيا الذي يعيش الآن بالسيارة مع عائلته بمدينة أورفا بتركيا، وأختي بالمسجد بمدينة عنتاب".
من جانبها، قالت الصحفية السورية هديل عرجة، وهي مؤسسة موقع "Tiny Hand"، وشريكة مؤسسة بالوكالة الإعلامية "Frontline In focus": "ينبغي أن يكون لدى الصحفيين بسوريا وتركيا قوة إرادة وعزيمة لنقل الأحداث والوقائع بحرفية وموضوعية شديدة ويجب عليهم إيصال معاناة السكان أيضًا وإعداد القصص الإنسانية لإيصال أصوات المتضررين".
مصير إعلاميين وعائلاتهم
"انقلب كل شيء رأسًا على عقب ومحا الزلزال العنيف ذكرياتي بمدينة أنطاكيا التي عشت فيها سنتين قبل انتقالي لإسطنبول وعشت مرارة الانتظار لحين سماع أخبار عن خروج عائلة زوجي من تحت الأنقاض"، بهذه الكلمات تصف لنا عرجة، الكاتبة في شبكة الصحفيين الدوليين اللحظات الأليمة التي عاشتها، وذكرت بأن "أنطاكيا تضررت بشكل كبير جرّاء الزلزال، وأصعب ما في الأمر أن تتابع الفيديوهات التي تبثها وسائل الإعلام وتخشى أن تجد أحد من أقاربك فيهم، ولقد عشت لحظات الرعب مع زوجي لمدة يومين حتى خرج والداه سالمين من تحت الركام".
أما حجم المأساة المروعة فقد بلغت أشدُها لدى على الإبراهيم، وهو صحفي استقصائي وأحد مؤسسي الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية (سراج) وكاتب بـ"شبكة الصحفيين الدوليين"، الذي فقدَ خاله وعائلته بتركيا جرّاء الزلزال، ويقول: "بقيت العائلة المكونة من خالي وزوجته وثلاثة أطفال لمدة 42 ساعة تحت الأنقاض حتى توفوا كلهم".
جهود التشبيك بين الصحفيين العرب خلال المحنة
مبادرات عدة أطلقها صحفيون مستقلون عرب عبر شبكات التواصل الاجتماعي لمناصرة ودعم صحفيي سوريا وتركيا، وعلى سبيل المثال: مبادرة التشبيك بين أي صحفي مع الصحفيين السوريين الذين يقومون بالتغطية الميدانية، والتي أطلقتها ميس قات وهي صحفية سورية ومدربة، حيث أطلقت دعوة على "فيسبوك" كتبت فيها: "نحن بحاجة لتغطية صحفية عادلة بخصوص ما يحدث في سوريا. الزلزال مدمر والتغطية الإعلامية ضعيفة، لو احتجتم صوراً أو محتوى صحفيًا لمؤسساتكم الإعلامية يمكن أن أضعكم بتواصل مع زملاء وزميلات من داخل سوريا، وسأقدم عن نفسي المساعدة اللازمة لنشر المحتوى في مؤسساتكم"، وهو ما قوبل بتفاعل كبير من قبل الصحفيين من مختلف الدول العربية، ومن وسائل إعلام أوروبية أيضًا. في حديثها لشبكة الصحفيين الدوليين، علّقت ميس قائلةً: "من المهم لنا العمل يداً بيد في أوقات الأزمات، كي نوصل الأخبار بمصداقية، وننشر الوعي بين المواطنين".
كذلك تقدّم وكالة "Frontlineinfocus" خدمات إعلامية وتغطية حصرية لما تسبب به الزلازل، لوسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية التي لا يمكنها إيفاد مراسليها إلى سوريا.
أما سعد الخبوص المقيم في إدلب، فهو مسؤول الإعلام والتوثيق بالمؤسسة الدولية للتنمية الاجتماعية، فقد أنشأ مجموعة على واتسآب مع صديقه اسمها "فريق الإعلام لاستجابة زلزال سوريا-تركيا" من أجل التشبيك بين الصحفيين في سوريا وتركيا وخارجها، لإبقاء الصحفيين العرب على معرفة بتفاصيل الوضع الميداني بسوريا وتركيا، وتزويدهم بأحدث الإحصائيات والأرقام، والصور، والفيديوهات المتعلقة بالمناطق المنكوبة بهاتين الدولتين.
آليات تدقيق المعلومات أثناء كارثة الزلزال المدّمر
تنشط الشائعات إبان الكوارث الطبيعية، وهو ما ذكرته جويس حنا، مدققة الأخبار المضللة بوكالة "فرانس برس" لـ"شبكة الصحفيين الدوليين"، قائلةً: "يستغل مروجو الأخبار الكاذبة الكوارث التي تكثر فيها الصور الإنسانية الصادمة مثل: "طفل يبكي على فقدان أهله"، و"مشهد لأطفال تحت الركام"، و"صور لأبنية مدمرة جراء الزلزال"، وفي هذا الصدد، يقوم مروجو الشائعات بإعادة نشر الفيديوهات القديمة المرعبة بعد نزعها من سياقها لدفع أكبر عدد من المستخدمين لمشاركتها عبر صفحاتهم على الشبكات الاجتماعية.
وتستطرد جويس قائلةً: "منذ يوم الاثنين 6 فبراير/شباط 2023، ونحن نعمل جاهدين في وكالة "فرانس برس" لتجميع مقاطع الفيديو، والصور، والأخبار المتعلقة بالزلزال، ونستخدم أدوات وتقنيات البحث العكسي للصور، وأدوات تقطيع الفيديوهات إلى مشاهد ثابتة للتأكد ما إذا كانت تلك المواد الصحفية قديمة أم حديثة، كما نستند إلى خبراتنا الصحفية مثل إضافة الكلمات المفتاحية لتدقيق المعلومات، وحصر البحث في فترة زمنية محددة، إضافة إلى تواصلنا مع مراسلينا حول العالم لبيان مدى صدقية هذه الأخبار، والصور، ونستعين أيضًا بآراء الخبراء والعلماء لطمأنة الناس". وتختم جويس حديثها معنا قائلةً: "أنصح الصحفيين بعدم النشر الفوري للصور والفيديوهات المؤثرة إبان الكوارث والزلازل إلا بعد التأكد من مصداقيتها منعًا لانتشار الشائعات".
إرشادات علمية أثناء تغطية الكوارث الطبيعية
تغطية ومتابعة الهزات الارتدادية التي شعر بها سكان لبنان منذ أيام، هو ما يقوم به الصحفي العلمي مصطفى رعد الذي يكتب تحقيقات علمية مع مجلة "Scientific American"، ويحدثنا عن عمله قائلاً: "قمت بمتابعة الأرقام الصادرة عن المركز الوطني للجيوفيزياء، والمواقع العالمية والمراصد الزلزالية بالعالم كله، وكنت أتابع الأرقام لحظيًا، وأركز على شدة الزلزال وتأثيره على لبنان والدول المحيطة، وأحرص على مشاركة معلومات علمية مبسطة على صفحتي على فيسبوك مثل خريطة الفوالق الزلزالية بالأراضي اللبنانية لطمأنة المواطنين، والتخفيف من حدة الكوارث الطبيعية عليهم، كما أشارك بعض المعلومات حول الأشياء الواجب عليهم اتباعها لحماية أنفسهم من أي أخطار".
ويقدم رعد بعض النصائح للصحفيين لتغطية علمية مهنية للكوارث الطبيعية:
-من المهم أن يلجأ الصحفيون إلى المصادر الرسمية لنشر الأرقام والإحصائيات الدقيقة عن الكوارث الطبيعية، وخصوصًا لأننا نعيش في عصر تنتشر فيه المعلومات بشكل سريع وتؤثر على عدد كثير من الناس.
- الحرص على طمأنة المواطنين والعمل على التخفيف من شدة الآثار الناجمة عن الكوارث الطبيعية.
- التأكد من الحسابات الشخصية للعلماء والباحثين جيدًا قبل مشاركة الأخبار منها، فهناك الكثير من الحسابات المزيفة التي تم إنشاؤها مؤخرًا باسم الباحث الهولندي فرانك هوجربيتس، وذلك لإثارة الرعب بين الناس.
-أن تقوم بنشر المعلومات العلمية التي تهم المواطنين، وتبسيطها، وعرضها بشكل بصري جذاب لتلقى جذبًا من المستخدمين.
-تذكر أن المعلومات المضللة تتسبب في إيذاء عدد كبير من الناس، ومن الضروري أن تطابق الأرقام التي جمعتها مع الأرقام التي أطلقتها جهات أخرى.
-أن يستعين الصحفي بآراء العلماء والمتخصصين، والمراكز البحثية المختلفة، وذلك حتى نكون مصدرًا معلوماتيًا موثوقًا يعتمد عليه الناس.
إرشادات للتغطية المهنية للأزمات
وقدمت ميس قات نصائح مهمّة للصحفيين لكيفية التغطية المهنية للأزمات والكوارث الطبيعية:
-من الأمور الواجب مراعاتها عند تغطية الأزمات هو الحفاظ على سلامتنا الشخصية، فهي الأهم من الحصول على أي خبر حصري.
-لا تتواجد في الأماكن شديدة الخطورة، وينبغي عليك مراعاة قواعد السلامة التي تُوصي بها السلطات المحلية وقوات الدفاع المدني.
-من المهم الالتزام بتطبيق الأخلاقيات الصحفية والمعايير المهنية في التغطية الصحفية للأزمات والكوارث.
-ينبغي على الصحفيين الالتزام بقواعد نشر صور الأطفال في تغطيتهم، وأن يحترموا خصوصية الأهالي ضحايا الزلزال المدمر.
-أن يلتزم الصحفيون بالقواعد المهنية أثناء إجراء المقابلات مع الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات أثناء أزمة الزلزال.
-من المهم أن يقوم الصحفيون بتدقيق المعلومات التي يحصلون عليها قبل عملية النشر؛ فالأزمات تربة ممتازة للأخبار المضللة.
الصورة الرئيسية توثق عمليات البحث في شمال غرب سوريا بعدسة كرم كيليه المتعاون مع فرونت لاين.