اقتحم مؤيدو الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، المحكمة العليا والمكاتب الرئاسية ومقر البرلمان في البلاد، في 8 يناير/كانون الثاني، بعد يوم واحد فقط من انتقال السلطة إلى الرئيس لولا دا سيلفا، وكان من بين مطالب مثيري الشغب الدعوة إلى انقلاب عسكري لعزل دا سيلفا من الرئاسة.
وتعكس مقاطع الفيديو لما يُعرف الآن بـ"تمرد 8 يناير/كانون الثاني"، عن كثب، محاولة الانقلاب التي حدثت في 6 يناير/كانون الثاني 2021، في الولايات المتحدة، عندما عطل مؤيدو الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب، التصديق على الانتخابات الرئاسية، في محاولة لمنع الانتقال السلمي للسلطة إلى الرئيس جو بايدن.
وبعد مرور شهرين على تمرد 8 يناير/كانون الثاني في البرازيل، ينبغي على الصحفيين الإجابة على العديد من الأسئلة المماثلة التي واجهت نظراءهم في الولايات المتحدة منذ عامين، ومن بين هذه الأسئلة: كيف سيُحاسب المحرضون على العصيان؟ كيف نكافح الكميات الهائلة من المعلومات المضللة المحيطة بالأحداث؟ كيف يمكننا أن ننقل للقراء خطورة التهديد للديمقراطية على أفضل وجه؟
للإجابة على هذه الأسئلة، تحدثت مع محررة الفيديو في فريق تحليل مقاطع الفيديو في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، ميج كيلي، ومراسل الشؤون القضائية في شبكة "إن بي سي نيوز" التلفزيونية الأميركية، رايان رايلي، واللذين شاركا في تغطية أحداث 6 يناير/كانون الثاني، في الولايات المتحدة، وما تلاها.
وقدمت كيلي ورايلي نصائحهما للصحفيين في البرازيل، ولجميع الصحفيين الذين يقومون بتغطية الأحداث المتعلقة بأحداث التطرف المناهضة للديمقراطية.
إعداد التقارير الصحفية في أعقاب أحداث التمرد
في أعقاب التمرد الأميركي مباشرة، أنشأ فريق تحليلات الفيديو في واشنطن بوست، تسلسلًا زمنيًا مرئيًا لأحداث اليوم، واستخدم الفريق مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت والمقاطع التي التقطها المراسلون لتحديد تسلسل للأحداث، كما قاموا بالتحقق من الطوابع الزمنية للفيديوهات؛ ليحددوا بدقة متى اقتحم المشاغبون مبنى الكابيتول الأميركي، وإلى أي مدى تمكنوا من الاقتراب من المشرعين.
وفي الشهور التي أعقبت التمرد، أنشأت كيلي وفريقها توثيقًا مرئيًا لقضايا أكثر تعقيدًا، مثل محاولة قوات إنفاذ القانون احتواء أعمال الشغب. كما سعت كيلي في إحدى القصص الصحفية للوصول إلى اتصالات الشرطة في يوم التمرد، والتي كشفت عن إخفاقات في التخطيط سمحت لمثيري الشغب باقتحام مبنى الكابيتول.
وركز رايلي في "إن بي سي نيوز"، على استجابة النظام القضائي لأحداث 6 يناير/كانون الثاني. ويقول رايلي: "كان هناك أمر واضح منذ الأيام الأولى، وكنت سأضعه في الاعتبار إذا كنت أنظر فيما يحدث في البرازيل، وهو أننا لم نكن نعرف حقًا المدى الكامل لعدد الأشخاص الذين يمكن أن يشملهم تحقيق جنائي محتمل". وضرب رايلي مثالًا على ذلك بأنّه في الأيام الأولى التي أعقبت التمرد، أشارت التقديرات إلى دخول حوالي 800 شخص للكابيتول، بينما كانت الأرقام في الواقع أكثر من 2,000 شخص.
كما أن النطاق في البرازيل أكبر من ذلك أيضًا، فقد أسفر يوم التمرد وحده عما لا يقل عن 1,500 واقعة اعتقال. وبعد مرور أكثر من عامين عن التمرد الأميركي، وجهت السلطات التهم إلى 950 شخصًا فقط، وبالمثل، تُقدر الحكومة البرازيلية عدد مثيري الشغب الذين اقتحموا المباني الحكومية بنحو 5 آلاف شخص، مقارنة بما يُقدر بنحو 2,000 شخص دخلوا مبنى الكابيتول في الولايات المتحدة.
من جانبهما، أكدت كيلي مع رايلي على الاختلافات المهمة بين تمردي 6 يناير/كانون الثاني و8 يناير/كانون الثاني، ففي حالة التمرد الأول، أراد مثيرو الشغب وقف التصديق على الانتخابات، ولكن في البرازيل، وقعت أحداث الشغب بعد تنصيب الرئيس دا سيلفا بالفعل. كما أن التمرد الأميركي كان أكثر عنفًا، حيث انخرط الحشد في قتال بالأيدي مع الشرطة، وفي نهاية المطاف نُسبت خمس وفيات إلى أعمال العنف.
مكافحة المعلومات المضللة
لقد ألهمت المعلومات المضللة محاولة الانقلاب في 6 يناير/كانون الثاني في الولايات المتحدة، كما أنها انتشرت سريعًا على الإنترنت في أعقاب أحداث الشغب؛ سعيًا نحو خلق حالة ارتباك حول حقيقة ما حدث بالفعل. وقال رايلي: "ما نسميه 6 يناير/كانون الثاني كان بسبب نظرات المؤامرة تلك، والآن هناك مجموعة من نظريات المؤامرة عن 6 يناير/كانون الثاني نفسه".
وفي الأيام والأسابيع التي تلت هذا اليوم، انتشرت الادعاءات المزيفة بأن ما يُطلق عليهم "الجهات الفاعلة للدولة العميقة"، مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي، كانوا مسؤولين عن الأمر، إلى جانب انتشار تلميحات بأنّ هذا التمرد كان من تدبير حركة أنتيفا. كما صرفت المعلومات المضللة اللوم بعيدًا عن تحريض الرئيس السابق ترامب على القيام بأعمال الشغب، بينما صورت الأحداث أيضًا على أنها مؤامرة ضد ترامب ومؤيديه. وتحدث محاولات مماثلة الآن في البرازيل، إذ تقوم شبكات التلفزيون الموالية لبولسونارو مثل جوفم بان Jovem Pan، باستضافة الشخصيات التي تقود انتشار المعلومات المضللة.
إنّ إحدى الخطوات التي يمكن للصحفيين اتباعها لمكافحة المعلومات المضللة هي تسمية المشاغبين والمتمردين بشكل صحيح وفقًا للإجراءات التي قاموا بها في ذلك اليوم. وقالت كيلي: "شعرنا بالراحة في القول بأنّ الأشخاص الذين دخلوا مبنى الكابيتول شاركوا في أعمال الشغب". كما أشارت إلى أهمية أن يكون الصحفي محددًا في اللغة التي يستخدمها، مضيفة "لا أعتقد أنه بإمكاننا القول إنّ كل شخص دخل مبنى الكابيتول اعتنق تلك المعتقدات المتطرفة، لذلك غالبًا ما نقول شيئًا مثل أحد مؤيدي ترامب، أو شخص اعتقد أن الانتخابات كانت مزورة".
كما أنّ الإشارة إلى الأدلة القاطعة يُعد طريقة ضرورية أخرى لدحض الادعاءات التي تغذيها المعلومات المضللة، خاصة عند التواصل مع الأشخاص الذين لديهم ثقة أقل في وسائل الإعلام. وشرحت كيلي: "يمكن الاعتماد على أدلة مقاطع الفيديو التي تحتوي على طوابع زمنية محددة، والاعتماد على الصور التي لديها معلومات وصفية واضحة، إلى جانب القدرة على جمع كل هذه المعلومات معًا لتقديمها إلى الجمهور"، وأوضحت كيلي: "لقد وجدت أن استخدام هذه الأدلة القاطعة، في عملي، يمكن أن يكون طريقة للتواصل مع الناس".
ضمان المساءلة
ويتطلب منع حدوث الأعمال المناهضة للديمقراطية في المستقبل محاسبة المسؤولين عن تنظيم أعمال الشغب، ويمكن للصحفيين أن يلعبوا دورًا في هذا الأمر. وقالت كيلي: "أقترح على الصحفيين البرازيليين مراقبة القوى الكامنة فيما يتعلق بخطاب وسائل التواصل الاجتماعي المؤدي إلى اليوم السابق للتمرد". واستكملت كيلي نصيحتها للصحفيين بالقول: "ابدأوا في التفكير في قادة الجماعات المختلفة الذين كانوا يشجعون على الاحتجاجات وبعض اللحظات الأكثر عنفًا".
كما ينبغي على الصحفيين النظر في الدور الذي لعبته قوات إنفاذ القانون والجيش، فالعديد من مثيري الشغب في الأحداث الأميركية انتموا إلى إحدى هاتين المجموعتين. وقال رايلي: "ذهب أشخاص لا يزالون يخدمون في قوات مشاة البحرية (المارينز) إلى مبنى الكابيتول، كما شارك ضباط شرطة حاليون أو متقاعدون في هذا الهجوم يوم 6 يناير/كانون الثاني".
وفي البرازيل، وقف العديد من ضباط الشرطة مكتوفي الأيدي بينما هاجم المشاغبون المحكمة العليا ومبنى البرلمان. وقال رايلي: "أعتقد أن هذا شيء سأهتم به بالتأكيد، وهو تقليل قوات الشرطة من شأن التهديد بسبب السياسة، أو الوقوف إلى جانب الأشخاص الذين اجتاحوا البرلمان؛ لأنهم يشتركون معهم في نفس وجهة النظر السياسية".
وفي النهاية، فإنه من الأهمية بمكان، إبقاء انتباه الجمهور على المخاطر التي يشكلها منظمو التمرد على الديمقراطية لتجنب الوضع الذي يصفه رايلي بمصطلح "الضفدع المغلي"، والذي تتلاشى فيه الأحداث المعادية للديمقراطية على نحو متزايد عن أنظار الرأي العام. ويكون هذا هو الحال خاصة عندما يتم إلقاء القبض على الأشخاص الأقل قوة ومسؤولية عن الانقلابات ومحاكمتهم، بينما يفلت المسؤولون الأكبر بأفعالهم.
وعلى سبيل المثال، فقد أدانت السلطات أغلبية الذين تمت محاكمتهم في الولايات المتحدة بسبب اقتحام الكابيتول بارتكاب الجنح فقط مثل السلوك المخالف للنظام والآداب العامة، بينما لم تؤد تحقيقات الكونجرس والمستشار الخاص عن العقول المدبرة للانقلاب والمحرضين عليه إلى توجيه أي تهم جنائية حتى الآن.
واختتم رايلي: "هناك رغبة المضي قدمًا، ولكن هذا الأمر يُريك أيضًا ما يمكن أن تفعله السلطة، فالأشخاص الأقل قوة هم الذين يتحملون وطأة عواقب ما حدث في ذلك اليوم".
الصورة حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة ماتيوس كامبوس فيليبي.