شهدت العاصمة الأميركية واشنطن حدثًا لافتًا تمثّل باقتحام مجموعة من المحتجّين لمبنى الكابيتول الأميركي، محاولين تعطيل الانتقال الديمقراطي والسلمي للسلطة، ما زاد من مسؤوليات الصحفيين لكي يساعدوا الجمهور والمتابعين في فهم ما حدث، وتقديم تغطية شاملة توضح سياق الأحداث، لا سيما وأنّ لتلك الأحداث أسبابًا ومرتكبين.
وعلى الرغم من وقف التمرّد الذي حصل، على الصحفيين والمراسلين البقاء على استعداد لأعمال مماثلة ومناهضة للديمقراطية قد تحدث في الولايات المتحدة خلال الأيام التي تسبق تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في 20 يناير/كانون الثاني، وحتى بعد حفل انتقاله إلى المكتب البيضاوي.
إقرأوا أيضًا: 10 توجيهات لإعداد تحقيقات حول ممارسات الشرطة في العالم
وبهدف تغطية صحفية متخصصة وناجحة للأحداث المناهضة للديمقراطية في الولايات المتحدة الأميركية وتداعياتها، جمعت شبكة الصحفيين الدوليين أبرز النصائح والإرشادات التي تساعد الصحفيين في عملهم، وهي كالتالي:
أولًا، إيلاء الصحفيين أهمية للغة التي يستخدمونها
قبل أن يستهلّ الصحفي كتابة تقريره، عليه أن ينتبه جيدًا للغة التي يستخدمها، خصوصًا وأنّه يغطّي موضوعًا مؤثّرًا، ما يحتّم انتقاء الكلمات التي تمايز بوضوح بين النشاط المناهض للديمقراطية الذي حصل في العاصمة واشنطن وبين الإحتجاجات السلمية المشروعة.
وفيما يوجد توافق بسيط بين المؤسسات الإخبارية حول أفضل المصطلحات التي يمكن استخدامها في التغطية الصحفية لحدث كالذي حصل في الكابيتول، أصدرت الإذاعة الوطنيّة العامة NPR دليلًا يتضمّن إرشادات لاستخدام مصطلحات مثل "الجماعات المتطرفة" و"المؤيدين لترامب" و"العصيان". فيما أوصت صحيفة "واشنطن بوست" موظفيها باستخدام "الغوغاء" للإشارة إلى الحشود التي تجمعت في مبنى الكابيتول، كما ورد في موارد Hearken's Election SOS أنّه يمكن للصحفيين استخدام "الغوغاء" و"المتطرفين العنيفين" للإشارة إلى الجهات التي أقدمت على اقتحام مبنى الكابيتول، أما CNN فقد اختارت استخدام "الإرهاب المحلي" لوصف الأحداث.
وتتفق المؤسسات الإخبارية على أهمية اختيار الكلمات والأخذ بعين الإعتبار تداعيات اللغة والمصطلحات التي تُستخدم في التقارير، لهذا على المحررين ورؤساء التحرير في غرف الأخبار عقد اجتماعات تحريرية لاختيار اللغة التي يجب أن يستخدمها الصحفيون والمراسلون في تقاريرهم، والذين يتعيّن عليهم أيضًا ألا يظهروا الأحداث المناهضة للديمقراطية في العاصمة واشنطن، وتلك التي قد تندلع في الأيام والأسابيع المقبلة بأنها أمر طبيعي.
ثانيًا، تحديد وجهة التقرير وعدم التركيز على "الطرفين"
اعتاد الصحفيون على إعداد التقارير التي تُظهر الطرفين وآرائهما، استنادًا إلى الفكرة القائمة على أنّ لكلّ وجهة نظر لها نقيضها ويجب أن تحظى الوجهات باهتمام متساوٍ من قبل وسائل الإعلام، لكنّ هذا المبدأ الصحفي ساهم في دعم الآراء المعادية للديمقراطية حول العالم.
وانطلاقًا ممّا تقدّم، على الصحفيين تجنب الوقوع في هذا فخ التوازن هذا عند تغطية أحداث 6 كانون الثاني/يناير والأحداث التي قد تليها. فعلى الرغم من أهمية أن يدرك الصحفي معتقدات وطريقة تفكير المتطرفين والمناهضين للديمقراطية، عليه عدم إبراز آرائهم، بل تزويد القراء والمشاهدين بالمعلومات الضرورية حول الأكاذيب والمعلومات المضللة.
إقرأوا أيضًا: نصائح لتغطية المؤامرات والمعلومات المضللة
ثالثًا، الإحتفاظ بالصور ولقطات الفيديو والنشاطات الرقمية
على الصحفيين الإحتفاظ بأي معلومة أو تعليق أو صورة أو فيديو يرونهم على الإنترنت لأنّ ما نُشر قد يُحذف في وقت لاحق.
وتعدّ Bellingcat في مقدّمة الجهات الصحفية التي بذلت جهودًا مع الصحفيين، وذلك بعدما تعلموا دروسًا مهمة من سعي المشاركين في مسيرة الجماعات المنادية بتفوق العرق الأبيض في شارلوتسفيل في عام 2017 إلى إخفاء بصماتهم على الإنترنت.
— Bellingcat (@bellingcat) January 6, 2021
رابعًا، التعلّم من تجارب دول أخرى مهمّ.. لكن تجنّبوا المقارنات
يمكن أن يجري الصحفيون مقارنات بين اقتحام الكابيتول وحوادث وقعت في دول أخرى، ما يضفي أهميّة على التقرير ويساعد الجمهور في اكتساب فهم أكثر شمولاً للوضع في الولايات المتحدة، لكن لا بدّ من تجنب اللغة غير المدروسة التي تقارن محاولة الانقلاب بـ"دولة من دول العالم الثالث".
كما قد يساعد الإطلاع على وسائل الإعلام الأجنبية في معرفة كيفية تغطية التطورات داخل الولايات المتحدة، وتساهم هذه التغطيات في تقديم وجهات نظر مهمة لتضمينها في التقارير.
وبدلاً من إجراء مقارنات واسعة، يمكن أن يضع الصحفي إطارًا لمحاولة الانقلاب وأي أحداث قد تليها في الولايات المتحدة، والبحث عن أصلها وتجذرها العرقي أو التحريض الذي يمارسه السياسيون اليمينيون، إضافةً إلى المعلومات المضللة والأكاذيب التي سُمح بانتشارها على فايسبوك ويوتيوب وغيرهما من وسائل التواصل الاجتماعي.
خامسًا، إبحثوا عمّن وراء الأحداث الجارية
من المؤكد أنّ محاولة الانقلاب واقتحام الكابيتول ليسا حادثين عفويين، وكان المنظمون نشطين على الإنترنت في الفترة التي سبقت 6 يناير/كانون الثاني، وأثارت حماستهم شخصيات سياسية مؤثرة وإعلاميون في وسائل الإعلام اليمينية في الولايات المتحدة، ولهذا يجب البحث عن المجموعات المنظمة وخلفياتها.
ويمكن للصحفيين الإستفادة من متابعة مراسلين مثل هانا علام وجاريد هولت وكريستوفر ماتياس الذين أمضوا سنوات في تغطية الجماعات اليمينية، كما يجدر بهم التعرّف على المنظمات التي تتعقب أنشطة تفوق العرق الأبيض واليمين، مثل مركز قانون الفقر الجنوبي ورابطة مكافحة التشهير ومشروع رصد الجناح اليمين.
من جانبه، جمع صندوق أدوات الصحفيين التابع لمجموعة الصحفيين المحترفين، قائمة شاملة عن تغطية الكراهية ويتضمّن موارد لمساعدة الصحفيين بشكل أكبر في إعداد تقاريرهم المتعلّقة بمجموعات اليمين وأنشطتها.
سادسًا، لا تضخموا نظريات المؤامرة
غذّت المزاعم والأخبار المضللة ونظريات المؤامرة حول الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني شرارة التمرّد الذي وقع في مبنى الكابيتول الأميركي. وعند البحث عن منشئي المعلومات المضللة وناشريها، تظهر شخصيات إعلامية مؤثرة، إلى جانب سياسيين، بمن فيهم الرئيس نفسه.
إقرأوا أيضًا: نصائح للعمل الصحفي بعد إعداد تقارير صادمة ومؤلمة
وهنا تترتّب المسؤولية على الصحفيين لتقديم الحقيقة، والتي تتطلب غالبًا تصحيح المعلومات الخاطئة والمضللة، والسعي إلى عدم السماح في تضخيم هذه المعلومات. وقبل الإنطلاق، على الصحفيين تحديد ما إذا كان إعداد تقرير عن المعلومات المضللة المنتشرة في دوائر اليمين المتطرف يستحق النشر بالفعل، وقد وصل إلى ما تسميه First Draft "نقطة التحول" أي أنّ المعلومات انتشرت على نطاق واسع خارج دوائر المؤامرة، وفي هذه المرحلة يعدّ النشر والتصحيح مفيدًا للمجتمع.
فإذا قرّر الصحفي تصحيح المعلومات المضللة، عليه العمل على إبراز الحقيقة. وفي هذا السياق، قدّم مشروع Over Zero نصيحة موجزة مفادها أنّ على الصحفي عدم تكرار أي ادعاء كاذب أو معلومات مضللة أو وضعها في عنوان رئيسي، وبدلاً من ذلك يجدر بالصحفي تنظيم طريقة نشر وتوضيح المعلومات المضللة، بدءًا من الحقيقة، إلى إصدار تحذير وإيراد المعلومات الخاطئة قبل الإنتهاء بالمعلومات الصحيحة.
سابعًا، الإهتمام بالقصص الكامنة وراء الشغب
على الصحفيين التعامل مع ما حصل في 6 يناير/كانون الثاني بأنّه ليس حدثًا منفصلا، وبغض النظر عن المدة التي استمرت فيها أعمال الشغب، على الصحفيين متابعة القصة حتى بعد انحسار الشغب، وأن يلاحقوا القصص المهمة التي تقف خلف الشغب.
وفيما يلي بعض الأمثلة ليبدأ الصحفيون بها:
- دور التكنولوجيا ووسائل التواصل الإجتماعي في تغذية المعلومات المضللة والتطرف: حظر موقع تويترمساء 6 يناير/كانون الثاني حساب الرئيس دونالد ترامب مؤقتًا لانتهاكه إرشاداتهم، وتبعه موقع فايسبوك. وكان كثيرون قد وجّهوا الإتهامات لفايسبوك لدوره في نشر الكراهية، كما أنّ المتظاهرين في مبنى الكابيتول الأميركي حضّروا للإقتحام عبر الإنترنت، وباتت العلاقة بين التطرف ووسائل التواصل الاجتماعي معروفة ومستمرة وتتطلب تقارير فعّالة تتجاوز النطاق الزمني.
- التطرف اليميني: شهد التطرف اليميني تصاعدًا في جميع أنحاء العالم خلال السنوات الأخيرة، لا سيما في الولايات المتحدة، وخلص تقرير صدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 إلى أنّ الجماعات المنادية بتفوق العرق الأبيض والجماعات المتطرفة المماثلة كانوا مسؤولين عن ثلثي المخططات والهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة وكانت إحدى هذه المؤامرات من قبل متطرفين يمينيين متطرفين تم إحباطها لاختطاف حاكمة ميتشيجان جريتشن ويتمير. يشكل التطرف اليميني تهديدًا متزايدًا، ويحتاج الصحفيون إلى إعداد تقارير عنه بعناية. ويضمّ موقع Journalist's Resource إرشادات يمكن للصحفيين الإستفادة منها.
- ارتباط حادثة الكابيتول بالتمييز العرقي: لاحظ كثيرون الفرق بين كيفية تعاملت الأجهزة الخاصة بإنفاذ القانون مع التجمعات المؤيدة لترامب وكيف قمعت الإحتجاجات التي قام بها ذوو البشرة السمراء خلال الصيف باستخدام معدات مكافحة الشغب الكاملة والرصاص المطاطي ورذاذ الفلفل. ويجب أن يستمرّ البحث والعمل على أوجه التشابه والتباينات الأخرى التي حصلت في 6 يناير/كانون الثاني. ولمزيد من المعلومات، يمكن مراجعة Hearken's Election SOS
- إعداد تقارير عن المسؤولين عن التحريض على العنف ونشر المعلومات الخاطئة: نشر الرئيس وأعضاء في الكونغرس وشخصيات إعلامية مؤثرة معلومات خاطئة أدت لوقوع أحداث العنف والشغب. وعلى الصحفيين متابعة إعداد تقارير حول تصرفات المسؤولين عن هذه الأحداث حتى بعد انتهاء التوتر.
ثامنًا، التأكيد على العمليات الديمقراطية
كانت أحداث الكابيتول محاولة لوقف تصديق الكونغرس على إنتخابات عادلة وديمقراطية. على الصحفيين التشديد على العمليات الديمقراطية في الولايات المتحدة خصوصًا كما حصلت هذا العام. ويجب "التأكيد أنّ الناخبين هم مصدر القرار"، كما جاء في موجز صحفي تابع لحملة "احسب كلّ صوت"، إضافةً إلى "استخدام التصويت المبكر في الانتخابات الوطنية وجولات الإعادة في جورجيا لتذكير الناس بالصورة الكبيرة ووضع سياق للشكاوى والإجراءات التي تشير إلى أنها محاولات يائسة للأشخاص الخاسرين والأقلية".
إضافةً إلى ما تقدّم، يجب إعادة التأكيد للجماهير على أن الديمقراطية الأميركية تقوم على انتقال سلمي للسلطة، والاستعداد لاحتمال عدم حدوث ذلك بسلاسة في وقت لاحق من هذا الشهر.
تاسعًا، التركيز على بناء الثقة مع الجمهور
قد يعيش القراء والمشاهدون حالة إرباك وقلق وعدم اليقين بكيفية اتجاه الأمور. لهذا، على الصحفيين ابتكار طرق للمتابعين تتيح لهم طرح الأسئلة وتحديد أولويات تقديم الإجابات. وبحسب موردHearken's Election SOS فإنّ التواصل مع الجمهور يساعد في إثبات الحقائق ومساعدة المتابعين على تجاوز هذه الأزمة.
وعلى الصحفيين الحفاظ على مصداقيتهم ومصداقية مؤسستهم الإعلامية، والتركيز على بناء الثقة مع الجمهور. للحصول على نصائح ومصادر حول نقطة البداية يمكن الإطلاع على Trusting News.
عاشرًا، إبق بأمان واستند إلى هذه المصادر
ترافقت الأحداث التي وقعت في 6 يناير/كانون الثاني بتهديد وسائل الإعلام، فقد حُفرت عبارة "اقتلوا الإعلام" على باب الكابيتول، كما حطّم بعض المتظاهرين معدات الصحفيين. ولهذا، على الصحفيين التفكير بسلامتهم الجسدية والنفسية أولًا، ويمكنهم الإستعانة بالمصادر التالية:
مجموعة أدوات التغطية الانتخابية للجنة حماية الصحفيين
الدليل القانوني للجنة المراسلين من أجل حرية الصحافة حول الشرطة والاحتجاجات
البريد الإلكتروني الخاص بمتعقب حرية الصحافة في الولايات المتحدة للإبلاغ عن أي حوادث تعرض فيها صحفيون للهجوم أو الاعتداء أو التهديد الخطير: Tips@pressfreedomtracker.us
الخط الساخن القانوني من لجنة المراسلين من أجل حرية الصحافة 1-800-336-4243
قوائم التحقق من سلامة الانتخابات من SOS Hearken’s
صندوق الطوارئ التابع للمؤسسة الإعلامية الدولية للمرأة
أفضل ممارسات الأمن الرقمي لمؤسسة Electronic Frontier Foundation
أعدّ هذا التقرير مدير شبكة الصحفيين الدوليين ديفيد ماس ومحررة موقع الشبكة باللغة الإنجليزية تايلور مولكاهي.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الإستخدام على أنسبلاش بواسطة آندي فيليسيوتي