قبل سنوات، كان ديف سيجلينز مراسلًا يغطي الشؤون القضائية، وهي ما يصفها بأنّها "الأمور الكبيرة والثقيلة". وفي عام 2010، شهد الأهوال التي تسبب بها قاتل أثناء تغطيته لقضية في المحكمة، ودفعته التجربة إلى حافة الانهيار، وقادته إلى مسار جديد في مسيرته المهنية.
وتذكر من الواقعة: "كانت الصور التي عُرضت في المحكمة وحشية، وخرجت من هذه التجربة وأنا مصاب باضطراب ما بعد الصدمة"، موضحًا "صُدمت بمدى سوى جهازية غرفة الأخبار التي أعمل بها للتعامل معي".
إنّ تغطية التراجيديا والمعاناة الإنسانية جوهر عمل الصحفيين، ومع ذلك، قد يكون هناك ثمن شخصي يتعيّن دفعه عندما تكون الأحداث الصادمة جزءًا من المعادلة. وتُعد "الصحافة الواعية بالصدمات" مفهومًا جديدًا نسبيًا، وتتناول فهم الصدمة من وجهات نظر متعددة، بداية من الضحايا والناجين وشهود العيان، ووصولًا إلى الصحفيين الذين يغطون هذه القصص.
واليوم، يُعد سيجلينز، الذي يعمل في هيئة الإذاعة الكندية "سي بي سي"، في تورونتو، قائدًا في مجال صحافة الصدمات، وشارك في إنتاج مجموعة أدوات جديدة مُصممة "لإعداد غرف الأخبار والصحفيين والمعلمين بشكل أفضل لتغطية أعمال العنف والصراع والتراجيديا"، كما وُصفت عند إطلاقها.
وتتضمن مجموعة الأدوات - وهي جزء من مشروع الصحافة الواعية بالصدمات - فيديوهات "التعلّم المصغّر" المجانية، وأدلة دراسية، ونصائح من خبراء وصحفيين متمرسين. ويُركز المشروع على كيفية تفاعل الصحفيين مع ضحايا العنف والتعامل مع التأثير العاطفي للصدمات على نفسياتهم. وأشار سيجلينز إلى أنّه كان هناك 5,200 زائر فريد للموقع الإلكتروني لمجموعة الأدوات خلال الأسبوعين الأولين، مما يدل على الاهتمام الكبير بهذا الموضوع.
وأوضح المدير التنفيذي لمركز دارت للصحافة والصدمات في كلية كولومبيا للصحافة، بروس شابيرو: "يفهم المراسلون وطلاب الصحافة اليوم أنّ الأخبار مهنة مواجهة الصدمات، ويريدون اكتساب المهارات الأساسية العملية، سواء لتغطية الأفراد والعائلات والمجتمعات الأكثر ضعفًا أو للاعتناء بأنفسهم".
وتُعد مجموعة أدوات مشروع الصحافة الواعية بالصدمات جهدًا مشتركًا مُقدمًا من دارت، وسي بي سي/راديو كندا، ومنتدى الصحافة الكندي حول العنف والصدمات. والمواد مناسبة لغرف الأخبار، والفصول الدراسية في مجال الصحافة، ومدربي الإعلام في أي مكان في العالم.
ومن بين الموارد في مجموعة الأدوات، هناك مورد عن نصائح أساسية لإجراء المقابلات مع الأطفال، من تأليف جون وودرو كوكس، المراسل في صحيفة "واشنطن بوست" والحائز على جائزة دارت للتميز في تغطية الصدمات، وتتضمّن النصائح ما يلي:
- كن إنسانًا أولًا، وصحفيًا ثانيًا.
- قبل إجراء التغطية، قم بأكبر قدر ممكن من التحضير.
- اعرف الأسئلة التي يطرحها الطفل.
- عندما يحين وقت المقابلة، اجعل الطفل يشعر بالارتياح.
- لا تستهن بقدراتهم.
ويكتب كوكس: "على مدى عملي كمراسل لأكثر من عقد من الزمان، كان عدد الأشياء العميقة التي سمعتها من الأطفال يفوق بكثير تلك التي سمعتها من البالغين. يُلاحظ الأطفال أمورًا أكثر بكثير مما يُدركه الكثير منا".
وتتضمن موضوعات أخرى في مجموعة الأدوات، مثل إجراء مقابلات مع ضحايا الصدمات وتغطية المجتمعات الضعيفة، والعلاقات الأخلاقية مع المصادر، والاعتناء بنفسك، والقيادة الواعية بالصدمات، والتخطيط للقصص الصعبة والتعامل مع الصور الصادمة.
"العقلان" اللذان يقفان وراء المشروع
يصف شابيرو، سيجلينز وأرييل ريتشين، من مركز دارت، بـ"العقلَيْن" اللذين يقفان وراء المشروع.
وفي عام 2022، شارك سيجلينز - المُشرف على تدريب الصدمات لصالح "سي بي سي" - في كتابة دراسة بعنوان "العناية: تقرير عن الصحة العقلية، والرفاه، والصدمات بين وسائل الإعلام الكندية"، كما أنّه زميل في مركز دارت. وقال سيجلينز: "يكمن دوري في أن أكون مُناصرًا داخليًا، وأدفع أجندة الصحة العقلية والوعي بالصدمات".
وكان ريتشين - وهو أحد المخضرمين في مركز دارت لمدة 12 عامًا - مشاركًا بشكل كبير في مساعدة الصحفيين على التعامل مع المشكلات الصادمة في أعمالهم وحياتهم الشخصية، وينصح باستخدام أجزاء من مجموعة الأدوات بناءً على ما يحدث في المجتمع حيث يعمل الصحفي. فعلى سبيل المثال، إذا كانت هناك جالية كبيرة من المهاجرين، قد يكون القسم المتعلق بالمجتمعات الضعيفة أو إجراء المقابلات مع الضحايا، الأكثر فائدة.
وهناك خطط لتوسيع مكتبة الفيديو الإلكترونية، وإضافة موضوعات مثل دعم الأقران في وسائل الإعلام، وتقديم المشورة لمحترفي الأخبار، والأبحاث الجديدة، وقال ريتشين: "هذا المشروع أبعد ما يكون عن الانتهاء، فالمرحلة الثانية قيد التحضير".
وأضاف سيجلينز: "نحن مهتمون بسماع آراء الأشخاص الذين بدأوا في استخدام مجموعة الأدوات. فبينما نُعد المرحلة الثانية، نرغب في معرفة المواضيع الأخرى في مجال الصدمات والصحافة التي يرغب المستخدمون في رؤيتها مُدرجة".
ويُمكن تقديم الإجابات هنا.
عينات من موارد مجموعة الأدوات
- "نصائح العناية الذاتية للصحفيين" من مورد الصحفي، ومن بين النصائح: تذكر مهمتك، وخذ استراحات كبيرة بعد العمل على القصص الكبيرة، وافصل نفسك عن بريدك الإلكتروني عندما تستطيع ذلك.
- "التعامل مع الصور الصادمة" من مركز دارت، ومن بين النصائح العملية لتقليل ثِقل الصدمات: افهم ما تتعامل معه، وتخلص من التعرض المتكرر غير الضروري، وخذ فترات استراحة متكررة من النظر إلى الشاشة.
- "كيف يُمكن للصحفيين تضمين المزيد من الأصوات الضعيفة في تغطيتهم"، من معهد بوينتر، ويقدم هذا المورد خطة "لنهج أخلاقي مُطور بالكامل عند التعامل مع المصادر الضعيفة".
- "قيادة المرونة: دليل للمحررين ومديري الأخبار"، من مركز دارت آسيا والمحيط الهادئ، ويتضمن هذا المورد إرشادات ونصائح حول كيف ينبغي على رؤساء غرف الأخبار دعم موظفيهم ومحاولة فهمهم.