"عمو لا تصورني ماني متحجبة"...استطاعت هذه الكلمات أن تخترق الأحجار المتراكمة التي غطَت فم الطفلة السورية الماكثة تحت أنقاض بيتها المدمَر فأحرجت الكاميرا التي كانت تلتقط أنفاس ما تبقى من خصوصية الطفلة وبيتها.
في ظل الأزمات المتتالية التي يشهدها الوطن العربي وخاصة فيما يتعلق بالصراعات الدموية، يجد الصحفيون أنفسهم أمام اعتماد الضحايا كأحد مصادرهم الأساسية، وهنا تكمن الصعوبة حيث يجدر بهم الحرص على مشاعر الضحايا وخصوصيتهم.
فتقع مسؤولية كبرى على الصحفيين لإبراز القصة من وجهة نظر الضحايا بدلاً من التركيز على أفعال الجناة أو الشرطة بحسب ما ذكر في الدليل العملي للكتابة عن الصدمة الذي أنتجه مركز "دارت" للصحافة والصدمة. وقد أوضح الدليل أيضاً أن من المعايير التي يجب اعتمادها لكتابة تقرير ناجح عن ضحايا العنف هو العمل على إظهار الضحايا بشكل دقيق، ومعمَق، وبحساسية عالية من خلال الحديث عن كيفية تفاعل الضحايا مع الصدمات والتكيَف معها بالإضافة إلى سرد مسار تخطَي الضحايا للصدمات بحذافيرها.
من هذا المنطلق، يجب على الصحفيين اتباع عدة تدابير لتجنب التسبب للضحايا وعائلاتهم بمزيد من الألم. فبالنسبة لقضية خطف اللبنانيين في أعزاز مثلاً، ذكرت بعض وسائل الإعلام خبر مقتلهم وعادت ونفته. يجب تفادي هذه الأخطاء والحدَ من الآثار السلبية للتغطيات المباشرة على أهالي المخطوفين من خلال التريًث والتأكد من الخبر من عدة مصادر قبل نشره.
تشير ندى عبد الصمد، المراسلة المسؤولة في الخدمة العربية لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ومدربة الصحفيين، في هذا الصدد أن على الصحفيين الالتزام بالمعايير الصحفية وخاصة بالدقَة في تغطياتهم. وتوضح عبد الصمد التي عملت كمراسلة حربية وغطَت الحرب الأهلية في لبنان كما اشتباكات عام 2008 في جبل لبنان وبيروت أن الدقة مهمَة وخاصة بالنسبة لصحفيين يعملون في وسائل إعلام مسيَسة "فالوسيلة الإعلامية المحلية في لبنان خاضعة للطوائف والسياسيين، فهي طرف في النزاع."
تستدعي الكتابة عن تعقيدات أعمال العنف وتداعياتها وقتاً أكثر من غيرها من التقارير حيث يجب على الصحفيين أن يحرصوا على بناء علاقة ثقة بينهم وبين الضحايا وبالتالي إعطاء الضحايا الوقت الكافي لرواية أو سرد الظروف الصعبة التي مَروا بها.
يمكن للصحفيين إجراء عدَة مقابلات كما التحدَث بشكل غير رسمي مع الضحايا قبل البدء بالمقابلة الرسمية وذلك لكسب ثقة الضحايا. وقد ذكر دليل "دارت" العملي للكتابة عن الصدمة أن الصحفية باربرا والش"الحائزة على جائزة "دارت" قد أمضت مئات الساعات مع أم لضحية جريمة قتل ووصل حدَ تعاطفها مع الأم إلى أنها بقيت معها وظلَت مستيقظة عدة ليالي تفكر في مصاب الأم وتشعر بألمها.
هذا النوع من التغطيات يخلق نوعًا من التعاطف ما بين الضحية والصحفي. وبالرغم من أهمية الإبقاء على الموضوعية، فإن تبيان المشاعر خلال تغطية الكوارث شيء طبيعي. تقول ندى عبد الصمد، "في الموقف الإنساني، من الطبيعي أن تتحرّك مشاعر الصحفي وأن تبرز. في مجزرة قانا (في لبنان) مثلاَ الكلَ تأثر بما حصل وكان غير ممكناً إخفاء هذا الأمر."
أحياناً تكون ردة الفعل من قبل الصحفيين غير لائقة. فبعض وسائل الإعلام اللبنانية "جعلت من حادثة بيصور والعمل الإجرامي "نكتة" وضحك البعض عند قراءة الخبر". كما قامت بعض الوسائل الأخرى بالتعامل مع هذا الخبر بسخرية بدلاً من إدانة العمل الإجرامي. تقول عبد الصمد أن ثمة معايير وأخلاقيات معينة يجب أن يلتزم بها الصحفيين. وتضيف أن كل حالة تفرض عليها التصرف بطريقة ما مع مراعاة لمشاعر الضحايا، "كل خبر يفرض تقديمه بطريقة مختلفة عن الآخر فكل خبر له تعقيداته الخاصة." أما بالنسبة لاستخدام الصور والإيضاحات في تقارير عن حوادث العنف، فقد أوضح دليل "دارت" العملي للكتابة عن الصدمة أن على الصحفيين أن يحرصوا على تحذير القرَاء أن المقال يحتوي على صور عنيفة ومشاهد قاسية قد تسبب انزعاجاً للبعض.
تحمل الصورة رخصة المشاع الإبداعي على موقع فليكر، بواسطة المفوضيّة الأوروبية.