التفكير بعقلية الأطفال هي الطريقة الأمثل لكتابة المقالات الصحفية

بواسطة Daniel Seifert
Apr 23, 2025 في أساسيات الصحافة
صورة

من المرجح أنك لن تكمل قراءة هذا النص حتى نهايته، وهي النتيجة التي ألقت عليها الضوء دراسة طويلة الأمد: ففي عام 2004، تمكّن المشاركون من التركيز على مهمة واحدة على الشاشة لمدة دقيقتين ونصف في المتوسط، ولكن بحلول عام 2016، انخفض هذا الوقت ليصبح 47 ثانية فقط. وإذا أضفنا إلى ذلك عالمًا مثقلاً بالقضايا المُلحّة، من حروب متعددة إلى اضطراب اقتصادي وأزمة مناخية متفاقمة، عندئذ ستفهم أين تكمن المشكلة. فالقصص التي يرويها الصحفيون مهمة ومعقدة، لكن قد يتجاهلها أكثر الجمهور اهتمامًا إذا لم تُقدّم كـ"محتوى" جذّاب.

ما الحل؟ السرد القصصي الجيد. أن تكون القصص مشوقة لدرجة أنك لا تستطيع تجاوزها.

إذن كيف تصنع قصة جذابة؟ بالنظر إلى المخاطر الكبيرة المذكورة أعلاه، قد يبدو من غير المنطقي أن نقول "فكّر  كطفل"، لكنه القول الصحيح. وبالنظر إلى مسيرتي المهنية التي تتضمن كتابة مئات القصص الطويلة، أعلم أن أسوأ المقالات التي كتبتها كانت تلك التي عقدتُ فيها حاجبي، محاولاً التعامل مع الموضوع بعقلية مفكر عجوز ذي لحية رمادية. وكنت استبعد أثناء مرحلة العصف الذهني أي فكرة بدت لي تافهة أو غير مألوفة.

في المقابل، كانت الغرابة هي السمة الغالبة على أقوى المقالات التي كتبتها. كانت أول مقالة علمية طويلة لي على الإطلاق كتبتها لمجلة قناة ديسكفري تُشكل تحديًا حقيقيًا بالنسبة لي، خاصة أنني لم أكن مُتمرسًا بعد في العلوم الصعبة. سألني المحرر: "هل يمكنك كتابة موضوع عن مصادم الهدرونات الجديد في سيرن؟". "أود نشر قصة عن فيزياء الكم".

أومأت رأسي بثقة وأنا أتعرق بغزارة، ثم بدأت في البحث على محرك البحث جوجل عن هذه الكلمات Hadron + CERN + quantum. شعرت بالارتباك، لكنني لم أتردد، وتمكنت من الحصول على مقابلة مع أستاذ في فيزياء الجسيمات في سيرن (المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية). كان التحدي الذي واجهته هو بدء المقابلة بطريقة توضح من البداية أهمية الموضوع، وتنقل للأستاذ النبرة البسيطة والمتحمسة التي تتميز بها قناة ديسكفري في رواية القصص- بعينين واسعتين يملؤهما الحماس الطفولي الممزوج بشغف العلماء، بدأت حديثي قائلًا: "إذًا، يا أستاذ.. هل تعتقد أنك ستفوز على أينشتاين في مصارعة الأذرع؟" ساد الصمت طويلًا على الهاتف قبل أن ينفجر الأستاذ ضاحكًا. كسر الحاجز بين الطرفين، وبدأ يُقدّم إجابات رائعة عن تجربة علمية معقدة شكلت ملامح عصر كامل وذلك بطريقة يستطيع فهمها طفل في المدرسة وجدّته على حد سواء.

كان الدرس الذي تعلّمته متعدد الجوانب أن الأكاديميين الذين يرتدون واقيات الجيب، هم بشرٌ أيضًا، ويستمتعون بجلسات الأسئلة والأجوبة التي لا تُشبه تكرار مقابلاتهم الصحفية المعتادة. وأن السؤال السهل والجاف سيؤدي إلى إجابة جافة بالمثل. والأهم من ذلك، كلما استمتعت ببحثك بدرجة كبيرة، انعكس ذلك في النص وازداد وضوحه للقارئ.

فكيف يمكنك أن تعود بالزمن إلى الوراء وتفكر كطفل أثناء تحضيرك لقصة صحفية؟

لا تخف أن تبدو سازجًا
الأطفال لا يخافون ذلك،  بل يستمتعون بفضولهم، ولا يشعرون بالخجل مما يجهلونه. وإذا كنت تتناول موضوعًا لست ملمًا به، فابدأ المقابلة الصحفية بإعلام الخبير بذلك، حتى يتحدث إليك بدون استخدام المصطلحات المتخصصة، وهو بالضبط ما يتوقعه القراء من النص النهائي. "اشرح لي الأمر وكأنني طفل في الخامسة من عمري" اختصار ممتاز لتوضيح الأمر (وهو أيضًا منتدى شهير ومفيد على موقع  Reddit).

لا تضع حدودًا
هل تطمح لبناء مسيرتك المهنية؟ من المفيد أن تتخيل الأمر كطفل صغير، خاصةً إذا كنت تعمل كصحفي مستقل. ومن السهل جدًا الوقوع في فخ التشاؤم وأن تسمي ذلك "واقعية"، وذلك بعدم إرسال أفكارك الصحفية إلى المطبوعة التي تحلم بالنشر فيها . لكن المقولة المعروفة صحيحة: لن تعرف حدود الممكن إذا لم تقم بالمحاولة، والأهم من ذلك، أن تستمر في المحاولة بإصرار رغم الإخفاقات المتكررة التي قد تعترض طريقك.
اضطررت لإرسال أفكار إلى مؤسسات مثل بي بي سي، وناشيونال جيوغرافيك — حوالي ست مرات لكل منهما — قبل أن أحصل على تكليف للعمل. ما ساعدني على الاستمرار كان أمرين: أولًا، تعلّمت أن أستمتع بعملية إرسال المقترحات من خلال التفكير فيها كلعبة طويلة المدى. وثانيًا، غيّرت طريقة تفكيري. لم أكن أتعامل مع كل رفض يصل إلى بريدي الإلكتروني كأنه طريقًا مسدودًا، بل خطوة إلى الأمام؛ فهي فرصة ذهبية لتقديم القصة المرفوضة إلى جهة أخرى، والتفكير في أفضل فكرة ممكنة لإرسها إلى المحرر الأول. وكما كتب مارك توين: "كل ما تحتاجه في هذه الحياة هو التجاهل والثقة بالنفس، حينها سيكون النجاح مضموناً".

اطرح أسئلة غريبة
ليس فقط للأشخاص الذين تُجري معهم المقابلات، بل على نفسك أيضًا. هناك مرحلة معينة من الطفولة المبكرة يطرح فيها الأطفال أسئلة تُربك حتى أكثر البالغين اطلاعًا. أسئلة مثل "من أين تأتي الرياح؟"، و"هل تشعر الكلاب بالوحدة؟" لا تتجاهل هذه الأسئلة باعتبارها عبث طفولي. ففي الوقت الذي تتفاقم فيه حرائق الغابات الشديدة بسبب الرياح المستمرة، يجب أن نتساءل: كيف يولد النسيم؟ السؤال الجيد يُمكنه أن يصل أيضًا إلى جوهر قصتك التي قد تكشف قضية أخرى مهمة. هل تتذكر عندما قلت إنني أرسلت عدة مقترحات إلى المحرر المسؤول في موقع ناشيونال جيوغرافيك؟ وقد ركز المقترح الذي كُلفت به على  سؤال محوري. "مع تفاقم فوضى التغير المناخي وارتفاع أعداد القتلى، هل سيزداد عدد الناس الذين يؤمنون بالأشباح؟" قد يرى المحافظون أن مثل هذه الأسئلة ليست سوى عناوين لافتة لجذب النقرات، إلا أنها في الواقع تجذب انتباه القارئ الذي ربما كان سيتجاوز الموضوع، وتمنحه الفرصة للتعرّف على قضايا مهمة بطرق يتذكرها دائمًا.
في أواخر مسيرته الفنية تقريبًا، أشار بيكاسو بأسى: "كنت أرسم مثل [رسام عصر النهضة] رافاييل، لكنني استغرقت عمرًا كاملًا لأتمكن من الرسم كالأطفال".
لا يتعلق الإبداع بالتعلُّم فقط، بل أيضًا بالتخلص من بعض ما تعلّمناه. سواء كنت تسعى لدخول مجال الصحافة، أو تحاول تجاوز الإرهاق المهني في هذا المجال من خلال إحياء شرارة الإبداع لديك، فقد يكون من المفيد ألا تكتفي بسؤال نفسك: "ما الذي يمكنني أن أتخلى عنه من عاداتي وأسلوبي ؟" بل أن تذهب أبعد وتطرح سؤالاً مثل: "كيف كنت سأكتب هذا الموضوع لو كنت في العاشرة من عمري؟"، وقد تقودك الإجابة إلى كتابة قصة أفضل.


الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على موقع Unsplash بواسطة المعهد الوطني للسرطان.