في عصرنا الحالي، أصبحت ثقة الناس في الأخبار أقل من أي وقت مضى، مما يُثير التساؤل: كيف يُمكن للصحفيين الوصول للناس العاديين، وجذب انتباههم لتزويدهم بالمعلومات المتعلقة بمجتمعاتهم، وأوطانهم، والعالم أجمع؟
والجواب يكمُن في عدم تعقيد الأمور.
وقد أشار البحث الذي أعده كل من ديفيد ماركوفيتز، وهيلاري شولمان، وتود روجرز، والمنشور في مجلة Science Advances، إلى أن العناوين البسيطة تزيد بشكل كبير من تفاعل القراء مع المقالات، وعدد النقرات مقارنةً بالعناوين التي تستخدم لغة معقدة.
وفي هذا البحث، فضل قرّاء الأخبار العاديون العناوين البسيطة على العناوين المعقدة، ولكن الأهم من ذلك، وجد فريق البحث أن أولئك الذين يكتبون العناوين بالفعل لم يفضلوا ذلك.
قام فريق البحث بتجميع البيانات من صحيفة واشنطن بوست، ومنصة Upworthy لمعرفة كيف تؤثر خصائص اللغة، مثل طول الكلمة ومدى تكرارها، على عدد الأشخاص الذين ينقرون على عنوان المقال. وتضمنت قواعد البيانات أكثر من 31,000 تجربة عشوائية -والتي تُعرف أيضًا باختبارات النقرات A/B - والتي قارنت بين نسختين أو أكثر من العناوين لنفس المقالة الأساسية لتحديد أيهما حقق أكبر عدد من النقرات.
وتوصل البحث إلى أنّ العناوين التي احتوت على كلمات شائعة وبسيطة-"وظيفة" بدلاً من "مهنة"–والعناوين القصيرة، التي اعتمدت أسلوبًا سرديًا، مع زيادة استخدام الضمائر مقارنة بحروف الجر، فقد حصلت على المزيد من النقرات. وعلى سبيل المثال، تفوق عنوان صحيفة واشنطن بوست، "ميغان وهاري يتحدثان إلى أوبرا.. إليكم السبب في أنه لا ينبغي لهما أن يقولا الكثير"، على العنوان البديل، وهو، "هل سكب ميغان وهاري الشاي الملكي على أوبرا؟ لا تراهن على ذلك". ويوضح هذا المثال أن العناوين المباشرة والصريحة يمكن أن تجذب اهتمامًا أكبر.
وقد أثبتت التجارب العملية التي أجراها فريق البحث لاحقًا، أن قرّاء الأخبار العاديين ركزوا على العناوين البسيطة بدرجة أكبر من العناوين المُعقدة، وذلك لأن اللغة كانت أسهل في الفهم، أما عندما شارك الصحفيون في التجارب نفسها، فلم يظهر لديهم تفضيل واضح للعناوين البسيطة على العناوين المُعقدة. وبعبارة أخرى: يبدو أن الصحفيين أقل تفاعلاً مع الكتابة البسيطة مقارنة بالجمهور العادي.
ولقد نصحت الأجيال المتعاقبة من مستشاري الاتصالات بأن يتبع القائمون بالاتصال المبدأ المعروف "Kiss: “Keep it Simple, Stupid (اجعل الأمور بسيطة)، ولكن فريق البحث اقترح نسخة معدلة ليطبقها الصحفيون: "Keep it Simple, Staffers" (اجعلوها بسيطة، أيها الموظفون)، فالبساطة تزيد من عدد الأشخاص الذين ينقرون على عنوان القصة الإخبارية، كما أنها تُحسن قدرة القارئ على تذكر المعلومات الموجودة في المقالة، والأهم من ذلك، أن البساطة تعزز تفاعل القارئ، من خلال زيادة تركيزه واهتمامه بالمعلومات المُقدمة.
لماذا يبدو الأمر مُهمًا؟
وقد طبقت المؤسسات الإعلامية التي تفوقت على نظيراتها استراتيجية KISS، وعلى سبيل المثال، فقد أوصى الصحفي عزرا كلاين، وهو مؤسس موقع Vox الإخباري، الذي يركز على الأشكال الصحفية التفسيرية، الصحفيين بتجنب الكتابة فقط لإرضاء المحررين.
وقد أشارت نتائج البحث، إلى إنّ الكتّاب والمحررين يتفاعلون مع التعقيد بشكل مختلف عن الأشخاص الذين يستهلكون الأخبار. لذلك، فإن إحدى الطرق التي يُمكن للصحفيين من خلالها تجنُب مشكلة الكتابة لإرضاء رؤسائهم في العمل هي تبسيط أسلوب الكتابة مع التركيز على احتياجات القراء وجعلها في المقام الأول، وذلك من خلال: استخدام كلمات أقصر، وكتابة جمل أقصر، واختيار المفردات اليومية بدلاً من البدائل المعقدة. فالعمل الذي يكون أكثر وضوحًا وسهولة في الفهم، سيصل إلى جمهور أوسع ويحظى بأكبر قدر من التفاعل والمشاركة.
إن الكتابة بصيغة بسيطة وسهلة الفهم قد يكون لها تأثيرات إضافية تتجاوز مجرد قيام الجمهور بالمشاركة، فالمعلومات أصبحت متوفرة بشكل غير مسبوق، ومع ذلك فإن القراء يبحثون باستمرار عن مصادر أخبار موثوقة. وإحدى الطرق المُحتملة لتحسين طريقة تفكير الناس وشعورهم تجاه الأخبار هي من خلال البساطة؛ نظرًا لأن الكتابة البسيطة ترتبط بزيادة الإحساس بالثقة والدفء مقارنة بالكتابة المعقدة، ولذلك فمن المفيد لصانعي الأخبار التفكير بعمق في اختيار الكلمات عند إعداد مقالاتهم أو نشراتهم المذاعة القادمة.
إن البساطة في كتابة العناوين مهمة لأن سوق الأخبار شديد التنافسية، ولأنها تُقلل الحواجز بين الجمهور والمعلومات المهمة، ولا تشير أبحاثنا إلى أن المواقع الإخبارية التقليدية يجب أن تتحول إلى "طُعم للنقرات"، بل تؤكد على أنه إذا أصبحت العناوين أكثر سهولة وفهمًا لقراء الأخبار العاديين، فإنها ستكون أكثر فعالية في المشاركة، ومن المأمول أن تُسهم في زيادة وعي الجمهور، وذلك بحسب ما أشار إليه موقع Conversation.
ديفيد ماركوفيتز هو أستاذ مشارك في علوم الاتصال بجامعة ولاية ميشيغان، وهيلاري شولمان أستاذة مشاركة في علوم الاتصال بجامعة ولاية أوهايو، وتود روجرز هو أستاذ في السياسات العامة في كلية كينيدي بجامعة هارفارد.
أُعيد نشر هذه المقالة من موقع The Conversation بموجب رخصة المشاع الإبداعي، ولقراءة المقالة الأصلية، اضغط هنا.
الصورة حاصلة على رخصة الاستخدام بواسطة استوديو cottonbro في موقع Pexels.