كيف انتشرت الادعاءات غير الموثقة حول حرائق الغابات في لوس أنجلوس عبر وسائل الإعلام الصينية؟

بواسطة Aorui Pi
Mar 31, 2025 في مكافحة التضليل والمعلومات الخاطئة
صورة لحرائق الغابات

اندلعت سلسلة من حرائق الغابات مدفوعةً برياح عاتية وظروف جفاف نادرة في السابع من يناير/كانون الثاني، واجتاحت منطقة لوس أنجلوس الكبرى، وقد أودت هذه الحرائق بحياة ما لا يقل عن 29 شخصًا، وفي مرحلة ما، صدرت أوامر الإجلاء لما يقرب من 200 ألف شخص.

إلى جانب الدمار، انتشرت معلومات كاذبة عن الحرائق على نطاق واسع، حتى داخل المجتمعات الناطقة باللغة الصينية في الولايات المتحدة.

قالت جينشيا نيو، مديرة البرامج في بياوبا، وهي منصة صينية متخصصة في التحقق من المعلومات: "انتشرت المعلومات المُضللة كالنار في الهشيم. كان الناس في حالة ارتباك، وكأن الحريق والمعلومات الخاطئة كانا أكبر من أن يتم السيطرة عليهما".

إشارات متضاربة
وكانت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لنقل المعلومات المُضللة. وهو ما أشارت إليه نيو قائلةً: "تتسم وسائل الإعلام الاجتماعي الصينية بطابعها الفريد؛ إذ تنتشر المعلومات الخاطئة بسرعة عبر منصات مثل WeChat، وRedNote". ومع وجود أكثر من 1.3 مليار مستخدم نشط و350 مليون مستخدم على التوالي، يصعب على مدققي المعلومات مواكبة هذا الكم الكبير من المحتوى المُضلل وتفنيده عبر هذه المنصات".
ويُمثل الانتشار السريع للمعلومات المُضللة على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية مصدر قلق بالغًا لدى المهاجرين الصينيين الجُدد في الولايات المتحدة، الذين قد يجدون أنفسهم مضطرين لمواجهة أنظمة غير مألوفة، مثل نظام التأمين، الذي يتزايد تعقيداته بسبب الحواجز اللغوية والمصطلحات المتخصصة. كما أن غموض التسعير، وغياب المعايير الموحدة، والأعباء الإدارية تجعل عملية تقديم المطالبات أمرًا شاقًا.
وقد نشر أحد الحسابات الإخبارية المتخصصة بالأخبار الاقتصادية مقالاً على تطبيق WeChat يربط بشكل خاطئ بين 180 ألف نازح وأسر غير مشمولة بنظام التأمين، كما ضخم الادعاء الموقف بذكر أن شركات التأمين ترفض الدفع بسبب كثرة الطلبات، وقد حصد المقال أكثر من 100 ألف مشاهدة.
كما بالغت المقالة في الادعاء بأن أكثر من 530 ألف أسرة في مقاطعة لوس أنجلوس تفتقر إلى نظم التأمين على الممتلكات، في حين أشارت التقديرات الفعلية  لعام 2023 إلى أن العدد لا يتجاوز 154 ألف أسرة، وذلك وفقًا لتحليل أجراه خبراء تأمين المنازل في LendingTree. وتُعد الإحصائيات المبالغ فيها أسلوبًا شائعًا في نشر المعلومات المُضللة، إذ تُثير صدمةً وقلقًا، مما يدفع القراء إلى مشاركتها بدون التحقق من صحتها.
وقد تجاهلت المقالة أيضًا سياقًا رئيسيًا: فقد قامت شركة State Farm، وهي أكبر شركة تأمين في كاليفورنيا، بإلغاء 1600 بوليصة تأمين في منطقة Palisades في يوليو/تموز الماضي، أي قبل أشهر من حريق لوس أنجلوس، وليس خلالها.
بالإضافة إلى ذلك، قدّمت المقالة صورة مبسطة لتأثير الحرائق على الأشخاص من مختلف الفئات الاجتماعية والاقتصادية، متجاهلةً العوامل الأساسية مثل برامج الإغاثة الحكومية وبرامج المساعدات المالية.
وكثفت مقالات ومنشورات أخرى على وسائل التواصل الاجتماعي من وتيرة الادعاءات حول غياب القيادة خلال الأزمة، مشيرة على وجه التحديد إلى أن كارين باس عمدة لوس أنجلوس، كانت في رحلة دبلوماسية إلى غانا بينما كانت الحرائق تجتاح المقاطعة. وعند عودتها، بدت كارين غير مستعدة عند سؤالها عن مزاعم خفض ميزانية إدارة إطفاء لوس أنجلوس (LAFD) بملايين الدولارات. وقد أدى ذلك إلى انتشار معلومات مُضللة تفيد أن أموال إدارة إطفاء لوس أنجلوس (LAFD) قد تم توجيهها إلى مبادرات التنوع والمساواة، مثل تمويل برامج لدعم المهاجرين غير النظاميين التي انتشرت بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي الناطقة باللغة الصينية، مما أثار العداء تجاه مجتمعات المهاجرين.
في الواقع، رغم أن العمدة كارين اقترحت خفضًا في ميزانية إدارة الإطفاء في لوس أنجلوس بنسبة 2.7٪  وذلك في المراجعة الأولية لميزانية 2024-2025، فقد وافق مجلس المدينة في النهاية على عقد نقابي بقيمة 76 مليون دولار من شأنه أن يزيد من الرواتب والمزايا لأعضاء النقابة خلال عامي 2024 و2025، بالإضافة إلى تخصيص مبلغ 58 مليون دولار إضافية لشراء معدات مكافحة الحرائق.
تجاوزت المعلومات المُضللة قضايا الميزانية، إذ انتشرت منشورات على نطاق واسع على موقع RedNote تزعم أن خزان مياه سانتا ينز في باليساديس ظل فارغًا لمدة عام تقريبًا، مما أدى إلى جفاف العديد من صنابير الإطفاء، وتعريض حياة رجال الإطفاء للخطر، كما ساهمت الصور المزيفة المُولّدة بالذكاء الاصطناعي ومقاطع الفيديو المُعدّلة في تأجيج هذا الادعاء غير الدقيق.

صحيح أن خزان سانتا ينز كان قيد الترميم لمدة عام تقريبًا، لكن مسؤولي إدارة المياه والكهرباء (DWP) أوضحوا أن ذلك لم يكن السبب الرئيسي لنقص المياه أثناء الحريق. وصرح مارتن آدامز، المدير العام السابق لوزارة المياه والكهرباء، لصحيفة لوس أنجلوس تايمز: "هل كان خزان سانتا ينز سيُسهم في حل المشكلة؟ نعم، إلى حد ما. هل كان سيُنقذ الموقف؟ لا أعتقد ذلك". وأشار متحدث باسم الوزارة إلى أن البنية التحتية للمياه في المناطق الحضرية، بما في ذلك لوس أنجلوس، لم تُصمم للتعامل مع حرائق الغابات التي تلتهم أحياءً بأكملها.

وقد أخذت المعلومات المُضللة طابعًا سياسيًا، حيث طالبت شخصيات يمينية باستقالة باس، بينما قام الرئيس دونالد ترامب بتضخيم هذه الرواية مكررًا من خلال تهديده السابق بقطع المساعدات الخاصة بمكافحة حرائق الغابات عن ولاية كاليفورنيا.

توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في نشر المعلومات المُضللة
وأنشأ العديد من المؤثرين مقاطع فيديو مولدة بالذكاء الاصطناعي، مستغلين حالة الغموض والذعر المحيطة بحرائق لوس أنجلوس، ونشروها عبر منصتي WeChat، وRedNote. وتضمنت هذه المقاطع صورًا، مثل لافتة هوليوود الشهيرة وهي تلتهمها النيران، كما عرضت مقاطع أخرى صورًا زائفة لأعمال نهب، منها على سبيل المثال صورة لرجل أسود يحمل حقائب والدخان يتصاعد خلفه، وهناك لقطة أخرى لرجلين يحملان جهاز تلفزيون إلى داخل أحد المنازل.

وتم لاحقًا دحض جميع هذه الصور والفيديوهات من قبل بياوبا وصحيفة يو إس إيه توداي.

قالت نيو: "من الأساليب الشائعة التي يستخدمها المؤثرون هي بناء الرواية أولًا، ثم البحث عن لقطات ذات صلة". وأضافت بأن هذه السرديات غالبًا ما تعزز المشاعر المعادية للسود والمهاجرين، حيث تجذب هذه المواضيع عادةً أكبر عدد من المشاهدات والتفاعل على منصات التواصل الاجتماعي.

بيئة إعلامية غير صحية

عندما أُطلقت "بياوبا" غير الربحية للتحقق من المعلومات عام ٢٠٢٢، رصدت أكثر من ١٥٠ حسابًا عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل منصة إكس، وWeChat، وتليجرام، ويوتيوب، كانت مُخصصة لنشر معلومات مُضللة ومغلوطة باللغة الصينية. ومن بين هذه الحسابات، برزت اثنتان من أكبر المؤسسات الإعلامية التي تستهدف الجالية الصينية في أميركا: صحيفة Epoch Times، ومجموعة Guo Media Group، التي شارك في تأسيسها الملياردير Wengui Guo، وستيف بانون المستشار السابق في إدارة ترامب. في الوقت نفسه، لم ترصد "بياوبا" سوى أقل من 10 حسابات مُخصصة للتحقق من المعلومات وتقديم معلومات موثوقة باللغة الصينية.

وقالت نيو: "تعتبر نظريات المؤامرة والمنصات جزءًا من منظومة المعلومات؛ فكل منهما يعتمد على الآخر"، مسلطةً الضوء على صعوبات مكافحة التضليل الإعلامي، خاصة بعد إعلان ميتا الأخير عن إلغاء برامج التحقق من المعلومات التابعة لجهات خارجية.

وكلما زاد الوقت الذي يقضيه المستخدم في التفاعل مع المواضيع المثيرة للجدل على منصات التواصل الاجتماعي، زاد المحتوى المشابه الذي يظهر في صفحته.

على عكس المشهد الإعلامي الناطق باللغة الإنجليزية، الذي لا يزال يوفر قدرًا كبيرًا من المعلومات مفتوحة المصدر والمبنية على بحثٍ دقيق، والملتزمة عمومًا بالمعايير المهنية، رغم اختلاف التوجهات السياسية، فقد عانت وسائل الإعلام الصينية من تآكلٍ طويل الأمد في مستوى الثقة. غالبًا ما تهيمن عليها روايات غير متوازنة، لا تترك مجالًا كافيًا للخطاب النقدي، مما يزيد من صعوبة وصول الجمهور إلى تغطية إخبارية دقيقة ومستندة إلى الحقائق، وهو ما حذرت منه نيو قائلةً: "إنّ البيئة الإعلامية في الصين تفتقر إلى غرف أخبار مستقلة ومهنية".

واتضح هذا الأمر بوضوح أثناء انتشار المعلومات المُضللة عن حريق لوس أنجلوس. وقد أسهمت المقالات المثيرة والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، المدفوعة بغياب وجهات النظر المتنوعة، في تشويه الحقائق المتعلقة بالحريق وتداعياته. وبدلاً من تقديم صورة متوازنة، ساهمت التغطية الإعلامية أحادية الجانب في تأجيج المخاوف، وترسيخ الروايات الكاذبة، وتعميق الانقسامات السياسية.

ولم يقتصر هذا على تضليل الجمهور فحسب، بل أدى أيضًا إلى تقويض الثقة في التوجيهات الرسمية، مما قد يعيق الاستجابة الفعّالة لحرائق الغابات والاستعداد لها، فضلاً عن إضعاف الجهود المبذولة لمحاسبة أصحاب النفوذ.


الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على موقع Pexels بواسطة جون واين.