كيف يمكن أن يتعامل الصحفيون مع مصادرهم بشكل أفضل؟

بواسطة Elizabeth Lepro
Dec 10, 2021 في أساسيات الصحافة
مصدر

عندما كانت ريتشل ديسيل في بداية مسيرتها الصحفية وتعمل في صحيفة "ذا بلين ديلر" في مدينة كليفلاند الأميركية، أجرت مقابلة مع فتاة في السابعة عشر من عمرها، كان صديقها السابق قد أصابها بطلق ناري في وجهها.

تعمل ديسيل الآن لدى شبكة "دوكيمنترز" في كليفلاند ومع "مشروع مارشال" الصحفي. وعن الفتاة، التي تُدعى جوانا أوروزكو، تقول ديسيل إن "من بين أهم الأمور بالنسبة لي كانت ألا نتسبب لها في المزيد من الأذى".

في هذا الإطار، تواصلت ديسيل مع برنامج "الأطفال الذين يشهدون العنف" للحصول على المشورة بشأن كيفية إجراء المقابلات. وبمجرد الإنتهاء من إعداد تقريرها، قامت ديسيل بأمر خارج عن المألوف: إذ دعت أوروزكو للإطلاع على الأجزاء الثمانية لقصتها على الصفحات الأولى للصحيفة قبل نشرها. كانت أوروزكو طفلة، لذا لم ترغب ديسيل في أن تربكها بالصور. وتقول ديسيل إنها عندما أخبرت مجموعة من الصحفيين بهذا القرار خلال ورشة عمل حول الأخلاقيات في ولاية كينت، "كانت هناك أصوات استغراب مسموعة في الغرفة".

وتساءلت الصحفية "هل أثبت على موقفي الذي أراه صائبًا؟ أم أدع هؤلاء الناس يسيطرون عليّ ويقولون إن ما فعلته يخالف المعايير الصحفية؟ أعتقد أنه كان علينا أن نفي بهذا المستوى الإنساني من الاهتمام بشخص يثق بنا لنشر قصة، والتي لم تكن حتى قصتنا نحن، بل كانت قصتها هي".

ينقل الصحفيون قصص الآخرين. وعند تغطية الصدمات، تتطلب المقابلات مستوى خاصًا من الحساسية يتجاوز بكثير ما هو مطلوب للتواصل مع ممثلي العلاقات العامة أو المسؤولين الحكوميين.

ومع تطور مجال الصحافة ليصبح أكثر شمولًا وتعاطفًا وموجهًا نحو الحلول، طلبت من أربعة صحفيين الكتابة حول موضوعات الهجرة والاعتداء الجنسي والسجن، وذلك لمحاولة الإجابة على سؤال: عندما نطلب من الناس أن يشاركونا تجاربهم الخاصّة، ماذا ندين لهم في المقابل؟

عرّف نفسك

من أقدم قواعد الصحافة أن تترك نفسك خارج الموضوع. ولكن هذه القاعدة ليست دائمًا منطقية بالنسبة لميليسا سانشيز، التي ألهمتها خلفيتها لتغطية موضوعات الهجرة والعمل منخفض الأجر.

عند تغطيتها لمراهقي جواتيامالا الذين يعملون في مصانع شيكاجو، كتبت سانشيز في موقع منظمة "برو بابليكا" الصحفية أنها كانت تتذكر والدها، الذي نشأ في أرياف المكسيك وبدأ عمله في منشأة لإعادة التدوير في الخامسة عشر من عمره. وقد أخبرت المراهقين عن والدها، موضحة أن ذلك ساعدها في فهم ما يمرون به.

وفي هذا السياق، تقول سانشيز إن "في أفضل الحالات بالنسبة لي، سينفتح الناس ويحكون لي عن أكبر مخاوفهم وآمالهم، ولكنني لا أعتقد أن ذلك ممكن إلا في وجود الثقة.. هل هذا غير موضوعي؟ أشعر بأن ذلك غير ذي صلة، فالأمر يتعلق بأن تكون منصفًا للناس على المستوى الإنساني، وجزء من ذلك هو أن تكشف نفسك لهم بقدر ما يكشفون أنفسهم لك".

من جانبه، يقول ألين آرثر، الذي يغطي شؤون السجناء الحاليين والسابقين ويعمل مديرًا للمشاركات عبر الإنترنت لدى شبكة صحافة الحلول، إنه يفكر كثيرًا في ديناميات القوى في التغطية الصحفية، وبمكانة الصحفيين في المجتمعات التي يغطونها، مضيفًا أنّ "أول ردّ من الجميع هو ’من أنت؟ نحن نتألم وأنت تؤدي عملك. ما الفرق بينك وبين المؤسسات التي تأتي وتقلب في الجثث في مجتمعنا؟‘"، مضيفًا أن "الصحفيين يتظاهرون بأن الوضع ليس كذلك، ولكن هذا غير صحيح، فهذه هي الطريقة التي يُنظر إلينا بها فعلًا".

كما يؤكد الصحفي على أهمية التعامل مع تجارب المصادر بحرص وعناية، قائلًا إنه "إذا كان بإمكاني أن أغرس أمرًا واحدًا في عقول الصحفيين، فهو مدى شعور الأشخاص بحساسية قصصهم وقيمتها، فهُم يريدون أن يعرفوا كيف سنتعامل مع هذه القصص ونستخدمها".

اشرح القصة وتأثيرها المحتمل

لا تزال سانشيز تشعر بالذنب إزاء شخص أجرت معه مقابلة أثناء عملها كصحفية شابة في ولاية واشنطن.

كانت الحكومة قد راجعت حسابات شركة زراعية ووجدت أنها توظف العديد من المهاجرين غير الشرعيين. وفي تغطيتها الصحفية للموضوع، نشرت سانشيز مقابلة مع أحد العُمال الذين تم تسريحهم من العمل، مصحوبة بصورة له. وتقول: "لقد حذرته من جميع العواقب المحتملة فيما يتعلق بالهجرة والترحيل، ولكن ما لم أتوقعه هو أن حديثه معي عن الأمر سيعيق قدرته على الحصول على عمل في هذا المكان مستقبلًا". وقد اتصل بها العامل بعد ذلك، معربًا عن استيائه.

تعلمت سانشيز من هذه التجربة، واليوم، تحذر الناس من تداعيات التحدث إليها، والتي لا يمكنها التنبؤ بها. كما تبلغهم بأن "برو بابليكا" تتقصى الحقائق بشكل صارم ويتضمن ذلك التحقق من ماضيهم.

وفي بعض الأحيان، يُفاجأ الناس بكيفية استخدام معلوماتهم في القصة الصحفية. فالمحادثة التي استغرقت ساعة قد تتلخص في اقتباس أو إثنين في النسخة المنشورة. وفي هذا الإطار، يقول موريس شمة، الكاتب لدى "مشروع مارشال"، إنه يحاول قدر الإمكان أن يشرح لمصادره تفاصيل ظهورهم في تقاريره وكيف يمكن ضم تجاربهم إلى القصة الأكبر.

ويضيف شمة أنه إذا قرر أحدهم الحديث علنًا، يجب أن يحصل على الفرصة لتقييم المخاطر، "فأحد الأشياء القليلة التي يمكن أن تمنحها للأشخاص كصحفي هي الفرصة لقول لا".

إقرأوا أيضًا: 10 إرشادات لإجراء مقابلات عبر تطبيق "زووم"

تحدث إليهم مجددًا

في التغطية الصحفية الطويلة، قد تستغرق العملية – من إجراء المقابلات إلى النشر – وقتًا طويلًا.

وهذا ما حدث مع شمة عندما نشر كتابه حول عقوبة الإعدام ("Let the Lord Sort Them: The Rise and Fall of the Death Penalty"). لإبقاء مصادره على إطلاع أثناء عملية النشر، التي استغرقت أكثر من سنتين، أعد شمة جدولًا بجميع المقابلات التي أجراها. وفي النهاية، تواصل مع كل شخص منهم لإبلاغه بكيفية استخدام حديثه معه.

أما سانشيز، التي أعدت تقريرًا حول الأطفال الأفغان في أحد ملاجئ المهاجرين في شيكاجو، فقد أعادت التواصل أيضًا مع جميع مصادرها للتأكيد على تعليقاتهم والحصول على موافقتهم للنشر. وحسب سانشيز، لم يتراجع أي منهم عما قاله، بل إن الكثير منهم شعروا بالمزيد من الإطمئنان وأعادوا التأكيد عندما علموا بعدد الآخرين الذين شاركوهم التجارب المشابهة.

ويصف شمة نفسه بأنه "وسيط بين المصدر والجمهور". وعندما توازن التغطية الصحفية ما بين المتطلبات التحريرية ورغبات القُراء وما يرغب المصدر في مشاركته، يتفق الصحفيون الأربعة على أن التعاطف الأساسي ضروري للقيام بهذا العمل.

من جانبها، تقول سانشيز "في النهاية، أعتقد أن ولائي للمصادر الذين أكتب عنهم".

نصائح أخرى:

ضع خطة زمنية للأحداث

أهم ما يدين به الصحفيون لمصادرهم هو الدقة في التقارير. وعندما يخبرك أحدهم بقصة تتعلق بصدمة ما، من الطبيعي أن تختلط الأمور والذكريات. لذا تقترح ديسيل أن تجلس مع المصدر وأن تعملا معًا على وضع خطة زمنية.

استشر الخبراء

إذا كنت تغطي موضوعًا ليست لديك خبرة فيه – مثل الإعاقات أو الصدمات الجنسية أو الهجرة – تقترح سانشيز أن تطلب من صحفي خبير في الموضوع أن يقرأ تقريرك ويراجعه.

دع المصادر يطرحون الأسئلة أيضًا

أحيانًا لا نطرح الأسئلة الصحيحة، ويعلم المصادر ذلك. لذا يقول آرثر "دعهم يعرفون أنهم يستطيعون الرد".

كُن إنسانًا، ولكن ضع الحدود الواضحة عند الضرورة

يُمكن للانفتاح والحديث مع شخص آخر أن يخلق حالة من العاطفة، حتى في سياق المقابلات الصحفية. عند الحديث مع أشخاص يشاركونك تجاربهم الهامة، أبلغهم في البداية أن لديك حدود وأنك لا تستطيع أن تكون مصدر الدعم الوحيد لهم.


الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الإستخدام على أنسبلاش بواسطة إيمي هيرشي.