بعد عام على مقتل المواطن الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد في مدينة مينيابوليس الأميركية، وهي حادثة أثارت احتجاجات عالمية ضد الوحشية التي تصرّفت بها الشرطة والظلم المستند إلى أسباب عنصرية، تزايد تسليط الضوء على قضايا العنصرية ودارت المناقشات في المؤسسات الإعلامية حول الطرق التي يُمكن اعتمادها بهدف تحسين التنوع والشمول في غرف الأخبار ووسائل الإعلام وأماكن العمل الأخرى. في هذا الوقت، سعى الصحفيون من ذوي البشرة الملوّنة إلى أن يحظوا بدعم إضافيّ في غرف الأخبار التي يعملون فيها، إلى جانب التحديات التي يواجهونها ومسؤوليتهم الكامنة في تغطية شؤون مجتمعاتهم.
في هذا السياق، نظّمت شبكة الصحفيين الدوليين بالتعاون مع معهد التنوع الإعلامي ندوة عبر الإنترنت حول "طرق تعزيز التنوع والشمول في المؤسسات الإخبارية خلال العام 2021"، وقدّم خلالها المتحدثون آراءهم وناقشوا سُبل تمثيل المجتمعات المتنوّعة وأبرز الحلول المتاحة، في مقدّمة العمل الإعلامي اليوم.
وشاركت في هذه الندوة مديرة تحرير قضايا التنوع والشمول في واشنطن بوست كريسا طومسون، علمًا أنّ هذا المنصب استُحدث في الصحيفة الأميركية في أعقاب مقتل جورج فلويد. كما برزت مداخلة لمراسلة الشؤون الداخلية في القناة الرابعة في المملكة المتحدة دارشنا سوني، وبمشاركة سيليمار كولون، وهي رئيسة تحرير مؤسسة "استراتيجيات الإطار الواحد" والمؤسسة المشاركة لمنظمة "التنويع الصحفي". وأدار الجلسة النقاشيّة جاري يونج، المراسل السابق لصحيفة الجارديان في الولايات المتحدة وهو مؤلف حائز على جوائز ومذيع وأستاذ العلوم الاجتماعيّة في جامعة مانشستر في إنجلترا.
إقرأوا أيضًا: سعيًا إلى التنوّع في غرفة الأخبار.. خطوة جديدة لـ"واشنطن بوست"
التنوع المستدام وجهود الإدماج
خلال الجلسة التي اقترحت فيها الصحفيات المشاركات بالحوار ضرورة إنشاء مناصب دائمة في غرف الأخبار، كحلّ هادف لضمان استدامة جهود التنوع والشمول، شدّد يونج على أهميّة التمييز بين لحظة الفرصة ولحظة الانتهازية.
وفي هذا الإطار، لفتت كريسا طومسون إلى أنّ "التنوع المعرفي" في غرفة التحرير في المؤسسات الإخبارية هو أمر ضروري، إذ لا يكفي أن يتمّ توظيف صحفيين من خلفيات متنوعة فحسب، بل لا بدّ أن تسعى غرف الأخبار إلى دعم الأفكار الجديدة، أي الإستعانة بصحفيين ومحررين يرون الأمور بشكل مختلف ويفكّرون بطريقة جديدة.
من جهتها، أشارت كولون إلى أنّ المهم ليس فقط وجود تنوع في غرفة الأخبار، وأصوات مختلفة، موضحةً أنّه لا بدّ من إيلاء أهمية لأصوات هؤلاء الصحفيين وآرائهم ومنحهم صلاحيات لاتخاذ قرارات أيضًا.
الإعتراف بدور كل الصحفيين
ناقش المشاركون في الجلسة أهميّة حصول الصحفيين من ذوي البشرة الملوّنة على الدعم، لأنّه سيواجهون أمورًا متعبة ومرهقة بدونه، وسيؤثّر ذلك على إثارتهم لقضايا العرق والتحقق منها.
وعن هذا الأمر، قالت سوني إنّها لاحظت خلال فترة عملها في مجال الصحافة أنّ قضية العرق تثار كلّ مدّة، إذ يبحث المحررون عن أشخاص من ذوي البشرة السمراء للتعليق على أحداث مثل أعمال الشغب أو حوادث القتل، ولكنّ ذلك يتلاشى ويُنسى بعد أشهر، وعند وقوع حدث جديد، يُطلق العمل نفسه والبحث مجددًا.
وبحسب المحاورين في الندوة، فقد تُرك العبء في كثير من الأحيان للصحفيين من ذوي البشرة الملوّنة لإثارة مثل هذه القضايا، وهم من يستمرّون بتلسيط الضوء عليها، بعد تراجع الإهتمام الدولي بها. لكنّ الأمر اختلف اليوم، وخصوصًا خلال العام الماضي وفقًا لما قالته سوني، وذلك بعد مقتل جورد فلويد وخروج تظاهرات مناهضة للعنصرية، ولم يعد ذوو البشرة السمراء وحدهم من يثيرون هذه القضايا، بل شعر ذوو البشرة البيضاء بالمسؤولية أيضًا.
تحديد الأولويات
تحدّث المشاركون في الندوة عن أنّ غرف الأخبار لطالما حصرت عمل الصحفيين ذوي البشرة الملوّنة بالكتابات المتخصصة بالعرق، وانطلاقًا من هنا، قدّم المشاركون بعض النصائح للحؤول دون هذه الممارسات.
إقرأوا أيضًا: إرشادات وموارد للصحفيين لإعداد تقارير حول العنصرية والكراهية
فقد حثّ يونج الصحفيين الشباب، مهما كان لون بشرتهم، على إعداد تقارير عن موضوعات يحبونها وهم مطلعون عليها ولديهم اهتمامات بها، وأن تتيح غرف الأخبار مساحة وفرصة لنشر هذه التقارير.
من جهتها، سلّطت طومسون الضوء على الموهبة والمعرفة التي يمكن أن يتمتّع بها للصحفيون ذوو البشرة الملوّنة ويقدّمون من خلالها العمل المميّز. وقالت: "أجد تقدّمًا في تقدير خبرة الصحفيين الذين باستطاعتهم الكتابة عن العرق والهوية والقضايا الثقافية المعقّدة".
توازيًا، لفتت كولون إلى أنّه عندما لا يجد الصحفي دعمًا كافيًا داخل المؤسسة التي يعمل فيها، فمن المهم أن يبقى مستعدًا وأن يعرف من يؤيّده في عند إثارة بعض القضايا. وقالت: "بحال أراد الصحفي إحداث تغيير ولم يكن يتبوأ منصبًا قياديًا فعليه البقاء بجهوزية وأن يتمتع بمعرفة كلّ ما يتعلّق بالقضايا التي تهمّه، وكل الحقائق المرتبطة بها وأن يتمكّن من تقديم الحلول"، وأضافت: "ليس من الضرورة تقديم حلّ كبير دائمًا، بل يمكن التخطيط في البدء، وتطوير الحلول عبر مراحل".
اتخاذ إجراءات
شدّد المشاركون في الندوة على أهمية العمل الآن، ورعاية المواهب الصحفية الشابّة، واستقطابها للعمل ودفع هؤلاء الشباب لتطوير حياتهم المهنية، خصوصًا في أوساط ذوي البشرة الملوّنة. وعلّقت سوني بالقول: "يحصل الكثير من هؤلاء الصحفيين على وظائف بمستوى متدنٍ، ولا يتوفّر مسار واضح لهم، في المقابل، أجد أنّ الكثير من الأشخاص من ذوي البشرة البيضاء الذين بدأوا كعدائين مثلًا قبل الإنتقال إلى العمل الإذاعي والصحفي، لكنني لم أشهد الأمر نفسه مع الأشخاص من ذوي البشرة الملوّنة".
وفي الختام، شدّدت طومسون على ضرورة إحداث تغيير ذي مغزى، وقالت: "أعتقد أننا في المرحلة الحالية المرتبطة بالتنويع في غرف الأخبار"، وأكدت أنّ المواهب الصحفية والخبرات موجودة، والمطلوب فقط هو إعادة النظر بطرق العمل والممارسات الصحفية".
شانتيه روسيل هي مساعدة في برنامج في المركز الدولي للصحفيين
صورة الرئيسية حاصلة على رخصة الإستخدام على أنسبلاش بواسطة كريستينا