حالة حرية الصحافة في تركيا بعد محاكمات حديقة جيزي

Jul 21, 2022 في حرية الصحافة
العلم التركي

في واحدة من أهم المحاكمات العلنية التي تمت متابعتها ومشاهدتها على نطاق واسع في تركيا، حكمت المحكمة الجنائية العليا الثالثة عشر في إسطنبول على رجل الأعمال عثمان كافالا بالسجن المؤبد من دون إمكانية الإفراج المشروط، وعلى سبعة متهمين آخرين بالسجن لمدة ثمانية عشر سنة، وذلك يوم 25 أبريل/نيسان. وعلى الرغم من أنّ كافالا المحتجز منذ أكتوبر/تشرين الأول 2017 كان قد قضى حوالي خمس سنوات في السجن بالفعل، إلّا أنّ الحكم صدم مؤيديه. وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، وصل حبسه الاحتياطي إلى مرحلة حاسمة، عندما وجدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أنّ قضيته لها دوافع سياسية وطالبت بالإفراج عنه.

ويستعد حاليًا مقررو مجلس أوروبا لاتخاذ إجراءات قانونية ضد انتهاكات تركيا، فهي من ضمن الدول الأعضاء المؤسسة للمجلس منذ عام 1950، مما يشكل تحولًا محوريًا في العلاقات الأوروبية التركية. وحتى في الوقت الذي يعدّ فيه مجلس أوروبا عقوبات غير مسبوقة ولم تُستخدم سوى مرة واحدة فقط من قبل، وذلك في قضية أذربيجان، فإنّ المعلومات المضللة والتضليل من جهة مؤسسات الإعلام الموالية للحكومة التركية والرقابة على الصحفيين تسري بكامل طاقتها.

حجم التضليل والمعلومات المضللة

قالت الصحفية بانو تونا، التي تمثل منظمة "حفيظة مركيزي" التركية لتوثيق حقوق الإنسان، إنّ "مؤسسات الإعلام الموالية للحكومة كانت تلمّح لما سيحدث قبل اعتقال كافالا في أكتوبر/تشرين الأول 2017، حيث أثارت شكوك الجمهور بشأن نشاطاته". وأضافت أنّ "حتى بعد إدانته، استمرت هذه المؤسسات الإعلامية في استهدافه وشن حملات التشويه ضده، واصفة كافالا بأنه ’تابع لـ[جورج] سوروس‘ و’داعم لجيزي‘ و’دمية يحركها الغرب‘ و’ممول للإرهاب‘".

وفي غضون ذلك، وجدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أنّ سجلات الهاتف والأدلة المتعلقة بالانتماء التنظيمي في قضية كافالا ضئيلة وغير قانونية ولا تدعم ادعاء الحكومة بأنّه حاول الإطاحة بها أثناء احتجاجات حديقة جيزي عام 2013، أو أثناء محاولة الانقلاب عام 2016.

وتعقيبًا على القضية، انتقدت منظمة العفو الدولية ما وصفته بأنّه "انتهاك غير مقبول لالتزامات البلاد في مجال حقوق الإنسان". أمّا في بيانه الختامي أثناء المحاكمة في أبريل/نيسان، فقد وصف كافالا الحُكم بأنّه "اغتيال قضائي".

من جهتها، قالت الصحفية شيبنيم آرسو، التي تعمل في تركيا منذ تسعينيات القرن الماضي، إنّ "أهمية محاكمات جيزي تكمن في أنّها توضح الاستقطاب الاجتماعي المتعمّق في تركيا، بينما تشجع روايات الإعلام الموالي للحكومة العناصر الإجرامية".

وأضافت: "نحن نميل إلى التركيز على الأسماء البارزة، ولكن هناك العديد من الصحفيين الذين تتم إدانتهم بشكل قانوني أو يتعرضون للاضطهاد بشكل لا نراه، حتى إنّ هناك من يتعرضون للقتل في الأناضول. وعلى الرغم من شدة العقوبة القانونية التي يواجهها الصحفيون، إلّا أنّهم يواجهون العقاب في الشوارع أيضًا".

تغطية الحُكم

بينما يتوخى الصحفيون الأتراك التقدّميون الحذر في تغطيتهم لقضية كافالا، يقود أقرانهم الموالون للحكومة حملة من الافتراضات.

فمنذ اعتقال كافالا عام 2017، انتظم في حضور جلسات الاستماع عدد من المراسلين الدوليين العاملين لدى كُبرى المؤسسات الإعلامية، مثل بي بي سي ونيويورك تايمز، وعملوا جنبًا إلى جنب مع الصحفيين الأتراك، من بينهم العديد من ممثلي الأغلبية الموالية للحكومة. ولا تشكل قضية كافالا سوى جزءًا واحدًا من محاكمات جيزي، التي تشمل صحفيين آخرين مثل جديم ماتر وكان دُندار. وعلى الرغم من توزيعها المحدود، تواجه مؤسسات الإعلام المستقلة المحلية التهديد المستمر للغرامات التعسفية من قبل الحكومة.

وفي هذا الصدد، قالت رينان أكيافاش، منسقة برنامج تركيا لدى المعهد الدولي للصحافة، إنّ "أكبر مصدر للأخبار في تركيا هو التلفزيون، في حين أنّ مجلس الإذاعة والتلفزيون الذي ينظم البث التلفزيوني يصر على تغريم مؤسسات الإعلام المستقلة باستمرار. ولا توجد وسيلة لمراقبة عمل هذه السلطات، فهي تترصد للمؤسسات المستقلة لمعاقبتها على أي نوع من التغطية النقدية، لذا يضطر الصحفيون إلى فرض الرقابة الذاتية باستمرار".

وقد بدأت أكيافاش العمل على محاكمات جيزي استجابةً لإدانة دُندار، الصحفية التركية البارزة التي تعيش الآن في المنفى بألمانيا. وكانت دُندار قد قضت 92 يومًا في الحبس، وتعرضت لمحاولة اغتيال، وتواجه الآن السجن المؤبد بسبب تغطيتها لصفقات السلاح التركية أثناء الحرب الأهلية السورية.

من جانبها، قالت كارولينا ستوكفورد، المستشارة المختصة بتركيا لدى منظمة "بين" في النرويج وقائدة "مشروع الإدانات التركية"، إنّ محاكمات جيزي تُعتبر "قضية مهمة لحرية التعبير في تركيا".

وأكدت ستوكفورد أنّ "هذه هي أسوأ محاكمة شهدتها من بين العديد من محاكمات الصحفيين الأكراد والأتراك التي حضرتها". إذًا فمحاكمات جيزي تنتمي إلى نمط أكبر من الرقابة على الصحافة. وأضافت أنّ "بإغلاقها 53 صحيفة في عام 2018، أنهت السلطات فعليًا حرية الصحافة في تركيا".

ومع ذلك، تواصل مؤسسات الإعلام المستقلة المحلية تغطيتها بشجاعة على الرغم من محاولات التخويف والتهديد.

الرقابة على تغطية محاكمات حديقة جيزي

أثناء محاكمات جيزي، ثبتت براءة 17 متهمًا من قبل مراقبين مستقلين مثل مجلس أوروبا، الذي يعمل على إثبات ازدراء تركيا للمادة 18 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي تحظر استخدام النفوذ السياسي للتلاعب بالمؤسسات المدنية. وفي غضون ذلك، فرضت الحكومة التركية الغرامات على بعض القنوات التلفزيونية التركية، مثل HalkTV وFlashaber وغيرها.

من جهته، قال أوزجور أوجريت، ممثل تركيا لدى لجنة حماية الصحفيين، إنّ "جهة تنظيم الإعلام (RTÜK) غرّمت أربع قنوات تلفزيونية تركية بسبب إذاعة تصريحات نائبين برلمانيين من أحزاب المعارضة، انتقدا فيها الحُكم القضائي". وأضاف أنّ هذا "يمثل تدهورًا جديدًا حتى بالنسبة لتركيا، فلم ينتقد الحُكم صحفي أو مقال، بل كان مجرد نقل لما قاله نائب برلماني".

وفي إحدى الحالات، حققت السلطات التركية مع الصحفي التركي إسماعيل صايماز بتهم إرهابية بعد تغطيته لمحاكمات جيزي، فقد أثبتت قصصه أنّ أحد القضاة في هذه المحاكمات كان مرشحًا برلمانيًا محتملًا للحزب الحاكم في تركيا، وأنّ زوجته شهدت بأنّها كانت مرتبطة بمنظمة غولن (FETÖ)، التي تلومها حكومة حزب العدالة والتنمية على تنظيم محاولة الانقلاب في عام 2016.

وفي هذا الإطار، قال ممتاز مُرات كوك، منسق المشروعات والاتصالات لدى جمعية دراسات الإعلام والقانون، إنّ "هذه هي مهمة الصحفي. فلا يحتاج الأمر سوى صحفيًا واحدًا يجري بحثًا عبر جوجل ليكتشف أنّ هذا الشخص كان مرشحًا برلمانيًا محتملًا للحزب الحاكم".

وبشكل عام، تمثل قضية كافالا ومحاكمات جيزي درجة من سياسات الرجل القوي التي تهز تركيا. فهذا الازدراء لحرية التعبير يُعد دليلًا على القبضة الخانقة التي تقيّد الصحفيين الأتراك، حيث يتم اللجوء للسجن أو التهديد لإسكات التغطية النقدية.

وأضاف كوك أنّ "وفقًا للقوائم التي أعددناها، هناك ما لا يقل عن 40 صحفي في السجن بتركيا الآن، مما يخلق تأثيرًا مروعًا على طريقة تأدية الصحفيين لعملهم، لأن هناك صحفيين رائعين للغاية في تركيا".


الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على انسبلاش بواسطة بدر الإسلام ماجد.