تغطية وسائل الإعلام الرسمية لوفاة الرئيس إبراهيم رئيسي تُغذي انعدام الثقة في إيران

بواسطة Mehrnaz Samimi
Jun 21, 2024 في موضوعات متخصصة
 امرأة تحمل لافتة تقول "امراة.. حياة.. حرية"

مثل كل حادثة تقريبًا تحصل في المجتمع المنغلق، إيران، شكلّ تحطم المروحية في 19 مايو/أيار، الذي أودى بحياة الرئيس إبراهيم رئيسي، لغزًا، وجعلت التغطية المتناقضة لوسائل الإعلام الرسمية لحادث التحطم الأمر أكثر إرباكًا.

وفي الساعات الست عشرة التي أعقبت اختفاء المروحية التي كانت تقل رئيسي ومسؤولين إيرانيين، من بينهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، وحتى عثور فرق الهلال الأحمر الإيراني على حطامها، نُشرت نظريات عديدة في إيران باعتبارها "أخبارًا"، وناقضت كل نظرية سبقتها. 

وكان مزيج التقارير دائمة التغير الذي غذته وسائل الإعلام الرسمية للجمهور مربكًا وفوضويًا إلى حد كبير، لدرجة انتقاد بعض الوسائل الإعلامية الحكومية له.

تاريخ وسائل الإعلام الرسمية مع التضليل

اعتاد العديد من الإيرانيين على تلقي أخبارهم من مصادر خارجية، خصوصًا من القنوات التلفزيونية الفضائية الناطقة باللغة الفارسية والموجودة في المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة.

وكانت وسائل الإعلام المملوكة للدولة في إيران، فضلًا عن الوسائل الإعلامية غير الحكومية المحافظة التي تتماشى بشكل وثيق مع قيادة البلاد، أبعد ما يكون عن الصدق في تغطية أحداث مثل الاحتجاجات المناهضة للدولة، وفيما يتعلق بتغطيتها للشؤون الخارجية.

وتاريخيًا، أخرت وسائل الإعلام الرسمية نشر الأخبار عن الأحداث الهامة، وحسبما هو متوقع، في حالة تحطم مروحية الرئيس، كشفت أخبار اختفائها بعد مرور ساعتين من الواقعة، ونظرًا للسجل الحافل لهذه المصادر، رفض العديد من الإيرانيين تصديقها بعد تحطم المروحية.

وفي ضوء التقارير المتضاربة حول تحطم المروحية، لا يُشكل انعدام ثقة الإيرانيين مفاجأة، فالفارق الصارخ بين تغطية وسائل الإعلام الأجنبية والمحلية للحادث الفعلي لم يؤد إلا إلى زيادة شكوك الجمهور. وعلى سبيل المثال، في حين قالت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية إنّ المروحية اضطرت لتنفيذ "هبوط صعب"، وصفت وكالات أنباء غير إيرانية موثوقة، الحادث بأنّه "تحطم".

على اتصال أم خارج نطاق الاتصال؟

ونقلت وسائل إعلامية رسمية عن مسؤولين حكوميين قولهم إنّهم كانوا على اتصال مع ركاب المروحية بعد واقعة التحطم، وبعد فترة وجيزة، أفادوا بأنّهم فقدوا الاتصال بهم، بينما قالت القليل من الوسائل الإعلامية إنّهم لم يتمكنوا من التواصل مع أي شخص من البداية.

بينما نقلت مواقع إخبارية إيرانية قليلة عن مدير مكتب الرئيس قوله إنّه اتصل بالطيار، الذي لم يرد عليه بنفسه، وإنمّا رد عليه إمام صلاة الجمعة في تبريز وأحد الركاب، محمد علي آل هاشم.

وأضاف التقرير أنّ آل هاشم، الذي وافته المنية بعد ساعات قليلة من واقعة التحطم، أجاب على هاتف الطيار أربع مرات، وبدا أنّه كان الراكب الوحيد الناجي. ومن جانبها، نشرت وسائل الإعلام تقريرًا آخر: بأنّ الرئيس والوفد المرافق له قد هبطوا من الطائرة بأمان، واختاروا وسيلة نقل برية للوصول إلى أقرب مدينة كبيرة، وهي تبريز.

ومع استمرار دورة الأخبار الفوضوية، تساءل القليل من وسائل الإعلام المحافظة، والمقربة بصورة عامة من المرشد الأعلى بإيران علي خامنئي، بصوت عالٍ، إذا ما كانت الحادثة نتيجة "مؤامرة أجنبية"، وهو السيناريو الذي تستمر هذه الوسائل في التفكر مليّا فيه. ويعود جزء من فرضيتها إلى أنّ مروحية الرئيس كانت الطائرة الوحيدة التي تعرضت لحادث من أصل ثلاث طائرات: فالمسؤولون الإيرانيون الذين كانوا عائدين من زيارة لسد في محافظة أذربيجان الشرقية في إيران كانوا قد استقلوا ثلاث مروحيات، وهبطت مروحيتان منها بأمان، أما المروحية التي كانت تحمل أبرز الشخصيات، كانت الوحيدة التي اختفت.

الشرطة السيبرانية تحذر المواطنين

ومع استمرار انتشار الأخبار المتضاربة في البلاد، لجأ العديد من الإيرانيين إلى منصات التواصل الاجتماعي لنشر ما استنتجوه حول الحادث. وسرعان ما حذرت الشرطة السيبرانية الإيرانية المواطنين من أنّ أنشطتهم على منصات التواصل الاجتماعي خاضعة للمراقبة، وأنّه "سيتم التعامل مع أولئك الذين يروجون للشائعات في هذا الوقت الحساس".

وأخبرتني صحفية إيرانية - طلبت عدم ذكر اسمها لأسباب أمنية - أنّها شعرت بالقلق - هي وزملاؤها - بعد إصدار التحذير، ولذلك قللوا من نشاطهم على منصات التواصل الاجتماعي.

وقالت: "هذه ليست السابقة الأولى لنا، لقد تعرضت للاعتقال العام الماضي وقضيت نحو شهرين في السجن بذريعة تقرير كتبته ونشرت عنه على منصات التواصل الاجتماعي. لم تكن الشرطة السيرانية تصدر تهديدًا غير جاد، فنحن نعرف أنّهم سيضطهدون المواطنين، وهم أكثر حساسية تجاه الصحفيين بالطبع".

وأشارت هذه الصحفية إلى أنّه منذ اعتقالها واحتجازها، تشعر مع زملائها بالقلق أكثر بشأن سلامتهم، خصوصًا أنّ أحدهم تلقى مؤخرًا "تحذيرًا" من الهيئة القضائية بشأن منشوراته على منصات التواصل الاجتماعي.

نظريات المؤامرة

وكان المسؤولون رفيعو المستوى عائدين من افتتاح مشروع مشترك للطاقة مع جارة إيران، أذربيجان، على نهر آراس، كما شارك رئيس أذربيجان إلهام علييف، في حفل التدشين.

ووفقًا لوسائل الإعلام المتشددة، فمؤامرة مُخططة لقتل الرئيس كانت ممكنة.

وعلى الرغم من نظرية المؤامرة عند المتشددين، أصدرت القوات المسلحة الإيرانية إعلانًا مبكرًا، قائلة إنّه لم يتم اكتشاف أي علامات على حدوث جريمة، ولم يكن هناك دليل على أنّه تم استهداف المروحية، وجاء الإعلان بعد العثور على حطام المروحية بدون وجود ناجين

ومع ذلك، تُواصل بعض وسائل الإعلام المتشددة في إيران التشكيك في احتمالية وجود "جريمة أجنبية"، مشيرةً إلى أنّ السبب الحقيقي وراء حادثة التحطم قد يتضمن مشكلات أخرى بخلاف المطر والضباب الكثيف في المنطقة الجبلية حيث سقطت المروحية. ومن جانبها، تُحقق الحكومة في الحادث، وبغض النظر عما قد تتوصل إليه، هل سيثق الإيرانيون ويصدقون ما ستذكره وسائل الإعلام الرسمية حول النتائج؟

بيانات مجهولة 

وفي ظل غياب الأرقام الدقيقة في المجتمع الإيراني المقيد، من الصعب الحصول على تقدير دقيق لعدد الإيرانيين الذين يعتمدون على وسائل الإعلام المحلية لتلقي الأخبار. ومع ذلك، من الواضح أنّ عددًا كبيرًا، وربما الأغلبية، من الجمهور الإيراني لا يثق في وسائل الإعلام الرسمية للبلاد.

وأقر عدد قليل من وسائل الأخبار الرسمية بانعدام ثقة الجمهور والارتباك المحيط بتغطية حادثة التحطم، ونقلت إحدى هذه الوسائل، تصريحات من مصدرها بیژن نفیسي - "صحفي وخبير إعلامي" - وهو ينتقد الفوضى الإخبارية الحالية في البلاد، وقال نفيسي لوكالة أنباء العمال الإيرانية إنّ وجود مبادرة "لإدارة أزمة الإعلام" يعدّ أمرًا ضروريًا للحد من التناقضات وعدم الدقة في التغطية الإخبارية.

ومع كل المسائل الجدلية والتناقضات، يبدو أنّ قرار الجمهور بجمع المعلومات من وسائل الإعلام الموجودة في الخارج هو أمر منطقي، وسيظل منطقيًا ما لم وإلى أن تتبنى وسائل الإعلام الإيرانية مستوى معينًا من سرد الحقيقة والشفافية في تغطية الأحداث الحالية للبلاد.


الصورة حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة تيانلي وو.