اتباع نهج "التضامن" لتعزيز مصداقية الصحافة

بواسطة Anita Varma
Feb 24, 2025 في إشراك الجمهور
صورة تعبر عن التضامن

خلصت مؤسسة جالوب لاستطلاعات الرأي في التحليل الذي أجرته عام 2024 إلى أنّ "وسائل الإعلام الإخبارية هي المجموعة الأقل ثقة بين 10 مؤسسات مدنية وسياسية أميركية في العملية الديمقراطية". 

على الرغم من تعهدات المؤسسات الإخبارية بتقديم تقارير تستند إلى الحقائق، واستثماراتها المستمرة لتعزيزالثقة، يظل الناس في الولايات المتحدة على اختلاف انتماءاتهم السياسية غير مُقتنعين بمصداقية وسائل الإعلام التقليدية كما تصف نفسها.

وقد شهدت مصداقية وسائل الإعلام التقليدية تراجعًا منذ سنوات، ولكنّ هذا التوجه جذب انتباه قادة الإعلام والمُحللين مُجددًا منذ الانتخابات الرئاسية لعام 2024، وخصوصًا عندما أخطأت العديد من المؤسسات الإعلامية مرة أخرى في تقدير الفرص الانتخابية للرئيس المنتخب دونالد ترامب.
أنا أستاذة الصحافة والإعلام، وأعتقد أن أبحاثي تُقدّم طريقًا للمُضي قدمًا نحو بناء مصداقية الصحافة: الصحافة التضامنية.

ما هي الصحافة التضامنية؟

مفهوم التضامن، كما عرّفته، يتمثل في الالتزام بكرامة الإنسان الأساسية، وهو ما يُترجم إلى أفعال.

ومنذ عام 2014، ركزت أبحاثي الأكاديمية على دراسة دور التضامن في الصحافة التي تعكس أصوات المجتمعات المهمشة - مثل الأشخاص الذين لا مأوى لهم، أو الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي أو يتعرضون للعنف. وهذه المجموعات لا يمكنها ببساطة الهروب من الظروف التي تُعرض بقاءها وسلامتها للخطر.

ولقد وجدتُ أنّ الصحفيين الذين يغطون قضايا هذه الفئات وموضوعاتها يتميزون في طريقة تناول تقاريرهم مقارنةً بغالبية التغطيات الإخبارية الأخرى. وعلى وجه التحديد، عندما يُقدّم الصحفيون تقارير تستند إلى نهج التضامن، فيستخدمون معايير مختلفة لتحديد القيمة الإخبارية، ويتبعون إستراتيجيات معينة في اختيار المصادر، إضافة إلى استخدامهم لأساليب تأطير مختلفة عن تلك التي تستخدمها عادةً وسائل الإعلام التقليدية.

وفي هذا السياق، يستخدم عدد قليل من الصحفيين مصطلح "التضامن" لوصف ممارساتهم المهنية. ولكن أبحاثي أظهرت أنّ التضامن يتجلى في الكيفية التي يقوم بها بعض الصحفيين بإعداد تقاريرهم الصحفية.

ما الأخبار الجديرة بالتغطية الصحفية؟

السؤال الأول الذي يُدرب الصحفيون لطرحه على أنفسهم قبل الشروع في نشر أي خبر هو: "هل هذا خبر؟"، وبعبارة أخرى، ما الذي يجعل موضوعًا معينًا يستحق التغطية الإخبارية في الوقت الحالي؟

يُدرك الصحفيون عادةً أنّ المحررين يبحثون عن بعض المعايير البسيطة. ويتسم غالبًا مقترح القصة القوية بعنصر الجِدة، ووجود شخصيات تتمتع بنفوذ مؤسسي. ويبدو هذا الأمر مهمًا عند مقارنته بأحداث أخرى تحدث في الوقت نفسه.
وفي كثير من الأحيان، تكون تصريحات زعيم سياسي هي ما يجعل قضية ما تستحق التغطية الصحفية، وعلى سبيل المثال عندما اعتذر الرئيس جو بايدن في أكتوبر/تشرين الأول 2024 عن الظروف اللاإنسانية في مدارس داخلية للأميركيين الأصليين، والتي كانت تُديرها الحكومة الفيدرالية الأميركية حتى ستينيات القرن الماضي.

وعندما يتبع الصحفيون نهج التضامن في تقاريرهم الصحفية، تُصبح القصص جديرة بالتغطية لأنها تمس بقاء الناس وسلامتهم الأساسية.

وتوضح القصة التي نشرتها منصة Outlier Media في 8 مارس/آذار 2023 هذا النهج، وتركز القصة المُعنونة "مستأجرو ديترويت يُنظمون أنفسهم ويُطالبون بمطالب أكبر" على كفاح المستأجرين من أجل الحصول على احتياجات بسيطة مثل أنظمة الصرف الصحي العاملة، والمياه الساخنة، والكهرباء.

ومن غير المحتمل أن يصدر الرئيس اعتذارًا عن إهمال مدينة ما لسكانها الأكثر فقرًا، كما أنّ الصحفيين الذين يغطون الأحداث من خلال اتباع نهج التضامن لا ينتظرون اعتراف النخب، فهم يعتقدون أنّ تعرض كرامة الناس للخطر يجعل هذا الموضوع جديرًا بالتغطية الصحفية.

التعامل مع المصادر

تشمل المصادر الصحفية التي يعتمد عليها الصحفيون لتقديم الأدلة في تقاريرهم الإخبارية الأشخاص، والمؤسسات، والبيانات.

وفي أسوأ الحالات، تصف المصادر المُهمشة الصحفيين بأنهم عدائيون، وانتهازيون، واستغلاليون، وأنّ هؤلاء الصحفيين يظهرون فجأة لتغطية قصة كبيرة، ويجمعون الاقتباسات، والصور المُؤلمة للمآسي، ثم يختفون فجأة كما ظهروا.

ولكن الصحفيين الذين يقدمون التقارير بنهج التضامن يؤدون عملهم بطريقة مختلفة.

ولا يقتصر دور الصحفيين الذين يصلون إلى موقع الحدث على تغطية القصة فقط، بل يمتد دورهم لدعم الأشخاص المُتأثرين بها، ويقضون وقتهم في الاستماع إلى الأشخاص الذين يعانون من المشكلة، ثم يعودون بعد انتهاء القصة لمواصلة الحوار، خاصة عندما تستمر المعاناة.

إعادة صياغة السرد

يشير التأطير في الصحافة إلى طريقة سرد القصة، ومن المستحيل أن يضم الصحفيون جميع مصادر المعلومات، أو كل جوانب القضية. فالأطر تُحدد من يناسب القصة وما يتماشى معها. ويركز تأطير الأخبار عادةً على كيفية تعريف المسؤولين لقضية ما.

وعلى سبيل المثال، القصة التي نشرتها شبكة ABC7News حول التشرد بتاريخ 25 يوليو/تموز 2024 بعنوان "رؤساء بلديات منطقة الخليج يستجيبون للحاكم". وتم تأطير قصة أمر نيوسوم بإزالة مخيمات المُشردين، لكي تركز على كيفية تفاعل المسؤولين مع أمر إزالة مخيمات المشردين من شوارع المدينة، وليس على سكان تلك المخيمات.

ويركز نهج التضامن على إعطاء الأولوية للأشخاص الذين يعيشون في ظروف تُهدد كرامتهم بسبب عوامل خارجة عن إرادتهم أو لسوء حظهم. ويُحدد إطار التضامن القضايا بناءً على ما يعرفه الأشخاص الذين يعانون من هذه الصراعات، وما يدركون أنهم بحاجة إليه من خلال تجاربهم المباشرة.

ويبدو إطار التضامن لأمر حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم بإزالة مخيمات المشردين كالتالي: "’يجب أن نكون في مكان ما: المشردون في كاليفورنيا يتفاعلون مع حملة نيوسوم الصارمة".

وتتناول القصة التي نُشرت في CalMatters في 12 أغسطس/آب 2024، ما يعانيه الأشخاص المُتضررون من حظر الخيام بشكل مباشر، وتُظهر الوضع المستحيل الذي يواجهه الأشخاص الذين ليس لديهم مكان آخر يلجأون إليه.

وفي إطار التضامن، لا تلعب المصادر الرسمية دور الحكم أو القاضي، بل تُبنى التغطية الصحفية على الروايات المباشرة لما يعيشه الأشخاص المهمشون. 

الخدمة العامة الحقيقية

لقد توصلتُ من خلال مقابلاتي وتفاعلاتي مع الصحفيين منذ عام 2014 إلى أن بعض  الصحفيين في وسائل الإعلام الرئيسية يمارسون تقارير التضامن بهدوء، ويروون قصصًا واقعية عن معاناة الأشخاص المهمشين، ويعطون الأولوية للروايات المباشرة على الرسائل التي يروج لها أصحاب السلطة.

وأعتقد أن هذا النموذج يجب أن يُشكل جوهر رؤية الصحافة لدورها ورسالتها في خدمة المجتمع. ولست وحدي الذي يؤمن بذلك.

وقد طالب الأشخاص ذوو البشرة الداكنة لقرون من الزمان بالمزيد من التقارير الواقعية التي تعكس حياتهم الفعلية، لأن الأخبار السائدة جرمت مجتمعاتهم ومحت إنسانيتهم ​​منذ فترة طويلة. 

وأشارت العديد من المجموعات الأخرى، من النشطاء التقدميين إلى المحافظين، إلى أنهم يعتبرون أن نهج التقارير التضامنية أكثر مصداقية من الممارسات الصحفية الحالية.

وقد أخبرني أحد نشطاء العدالة الاجتماعية في عام 2023، أنّ "وسائل الإعلام الرئيسية يُمكنها أن تؤدي عملاً أفضل بكثير وذلك من خلال إشراك الأشخاص الذين يعيشون هذه التجربة فعليًا على أرض الواقع، وفي الوقت الحقيقي، والذين كانوا يكافحون لوقفها منذ البداية".

وفي الوقت نفسه، يعترض المحافظون على ما يعتبرونه تغطية مشوهة لمجتمعاتهم.

ومن جانبه، قال أحد قراء الأخبار في دراسة أجراها مركز التفاعل الإعلامي إنّه "توجد  فئات عديدة ومختلفة من المحافظين، لكن يتم تصنيفهم جميعًا تحت مسمى المتطرفين اليمينيين".

ومن خلال ممارسة نهج التضامن، تُتاح لوسائل الإعلام الرئيسية الفرصة لتحقيق ما تدّعي دائمًا أنها تساهم به في المجتمع: التقارير الصادقة القائمة على ما يحدث فعليًا على أرض الواقع، مع أشخاص حقيقيين، وفي الوقت الحقيقي، وبتأثير ملموس وحقيقي.


أنيتا فارما، أستاذة مساعدة في كلية الصحافة بجامعة تكساس في أوستن.

تمت إعادة نشر هذه المقالة من موقع The Conversation بموجب ترخيص المشاع الإبداعي، ولقراءة المقالة الأصلية، اضغط هنا.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام عبر موقع Pexels بواسطة Kindel Media.