البودكاست البيئي: أصوات شبابية للتوعية بقضايا المناخ

Apr 26, 2023 در الصحافة متعددة الوسائط
صورة تعبيرية

يتضح بشكل جلي النمو القياسي الذي بات يحققه سوق البودكاست، فحسب إحصائيات موقع Podcast Index، هناك أكثر من أربعة ملايين بودكاست عبر العالم، كما أنه خلال سنة 2020 تمّ إطلاق 100 ألف برنامج بودكاست جديد، وخلال سنوات 2020 و2021 و2022 بلغ معدل إنتاج حلقات البودكاست 28 مليون حلقة في كل سنة وذلك حسب الإحصائيات الصادرة عن موقع Listen Notes

ويرجع مهتمون وخبراء أسباب هذا الانتشار الكبير لعدة عوامل، من بينها سهولة إطلاق محتوى بالبودكاست مقارنة بأنواع أخرى من المحتوى مثل الفيديو الذي يتطلب أجهزة مرتفعة التكلفة.
هذا الانتشار والسهولة في الإنتاجية جعل العديد من المؤسسات الإعلامية وحتى الأفراد يتجهون نحو الإستثمار في هذا النوع من المحتوى لاستغلال فرص هذا النمو، ولا يمكن حصر إمكانيات الاستفادة من هذا الاستثمار في الشق المادي فقط، بل كان في أحيان كثيرة بغية خدمة القضايا الإنسانية والاجتماعية الملحة مثل التوعية بالتغيرات المناخية. 

وارتباطًا بكل ذلك عرف سوق البودكاست العربي إطلاق مجموعة من تجارب برامج البودكاست التي تخدم قضايا المناخ من قبل مجموعة من الشباب المهتمين بالموضوع. شبكة الصحفيين الدوليين تواصلت مع بعض مؤسسي هذه البرامج للتعرف على تجاربهم. 

"كورطابل"، تجربة بودكاست لتعزيز علاقة الإنسان بمحيطه البيئي 

"كورطابل، هو مختبر لصناعة البودكاست والبرامج الرقمية، ويسعى لإنتاج بودكاست قصصي يبسط المفاهيم البيئية ويقدم معلومات مفيدة حول علاقة الفرد بمناخه من خلال سلاسل البودكاست التي ينتجها فريق العمل، ويعمل المشروع حاليًا على إنتاج بودكاست بدعم من شبكة الصحفيين الدوليين  يعرف بالمشاريع الخضراء في تونس خاصة، وقريبًا سيشمل منطقة المغرب الكبير والشرق الأوسط، كما تسلط هذه التجربة الضوء على المبادرات الإعلامية التي تهتم بالمناخ وتغطي المؤتمرات البيئية، وتضع من ضمن أولوياتها أيضًا إنتاج تحقيقات بيئية، مع تقديم النصائح للمحافظة على الصحة النفسية للصحفيين/ات في ظل الكوارث  البيئية". 

بهذا التعريف قدمت لنا سيرين عبيدي المُشاركة في برنامج مركز التوجيه للمبادرات الإعلامية الناشئة هذه التجربة، التي تتجاوب مع القضايا البيئية والعلمية؛ وترفع من وعي الجمهور بطريقة مرحة ومناسبة وغير مملة. وفي معرض جوابها عن أسباب اختبار البودكاست كوسيلة للتحدث للجمهور، ردت سيرين بأن من أهم الأسباب التي دفعتها لذلك كانت سهولة الاستماع للمحتوى الصوتي في كل وقت ومكان.  

بالإضافة إلى أنّ المحتوى العربي الخاص بالقضايا البيئية والعلمية ليس منتشرًا بشكل كبير؛ لهذا قرر فريق كورطابل اقتحام عالم البودكاست. 

كما أضافت أنه بناء على اهتمام الناس بالقصص والحكايات، اختارت البودكاست لطبيعته الحكواتية التي تقوم على السرد القصصي؛ بتقديم المحتوى على شكل حلقات تخاطب الجمهور غير المتخصص، لمده بالمعلومات وتعريفه بما توصلت إليه الأبحاث العلمية، بالإضافة إلى إجراء مقابلات مع علماء وخبراء متخصصين، كما تعمل تجربة كورطابل على تغطية الأخبار وأهم الأحداث التي تعنى بالتغير المناخي في تونس كمسابقات إنتاج أفلام حول البيئة والتصوير الفوتوغرافي والورشات التدريبية والمؤتمرات البيئية وغيرها.  

وفي حديثها عن مهام فريق العمل، أشارت سيرين إلى كون التعاطي مع موضوع المناخ بأسلوب علمي يتطلب البحث والتحقق من المعلومات، لهذا استعان فريق كورطابل بالباحثة العلمية آلاء عمارة لتنضم للفريق والاهتمام بمهام البحث والتثبت لصناعة قصص صحفية تتمتع بمصداقية، وموثقة بالدراسات العلمية وآراء العلماء والخبراء في صورة مبسطة. 

ورسالة كورطابل لا تتوقف عند إنتاج بودكاست لتثقيف الكبار؛ إذ تهتم المنصة أيضًا بإعداد بودكاست لتوعية الأطفال بالقضايا البيئية، وهذا يمثل تحديًا أكبر لتوصيل معلومات وأفكار ومفاهيم مثل هذه للأطفال؛ ولكن ذلك المجهود يكون ممتعًا كما وصفته سيرين.  

وقدمت لنا سيرين بعضًا من كواليس العمل لمواجهة التحديات معبرة عن ذلك بأن الدقائق التي يستمع فيها الجمهور للبودكاست، تستنزف مجهودًا كبيرًا، وأكملت: "تبدأ رحلتنا من إيجاد فكرة عامة للبودكاست، وهنا يأتي دور البحث والتقصي في أعماق الموضوع للخروج بزاوية معالجة شيقة ومفيدة، وعملية البحث وحدها تستهلك مجهودًا جبارًا، وبعد الوصول إلى النقطة المحددة، نبدأ في وضع هيكل للقصة وكيفية سردها لجمهورنا، ونحدد مصادرنا، ونُجري معهم حوارات، وهذا أيضًا يمثل تحديًا؛ إذ قد نحتاج للسفر لإجراء حوارات أو قد يكون المصدر المطلوب مشغولًا. ثم يأتي دور الكتابة، والذي يحتاج إلى مجهود؛ فالكاتب هو الجندي الخفي الذي يحرك أحداث البودكاست وعليه أن يفاجئ المستمع ويحافظ على إيقاع مناسب للكتابة؛ خاصة إذا كانت هناك انتقالات زمنية أثناء طرح القصة. وبعد إنتاج المسودة الأولى، يجب إجراء تحقق من المعلومات، والتأكد من دقتها وصحتها العلمية، وبعد التأكد من جودة النص على جميع الأصعدة، يأتي دور التعليق الصوتي، وهنا نحتاج إلى معلقين صوتيين لتأدية النص بطريقة ملائمة. ثم يأتي دور المونتاج الذي يُخرج هذا العمل للنور، ويختار الخلفية الصوتية للحلقات ويعمل على تنظيف الصوت؛ فلا يزعج المستمع".

"ليمون أخضر" بودكاست بيئي للتعريف بالمخاطر المناخية وكيفية مواجهتها 

كان لانتشار جائحة كوفيد19 بعض الجوانب الإيجابية، من بينها تغيير بعض العادات أو اكتشاف مهارات جديدة، مثل تجربة ريم بن خليفة التي خاضت آنذاك تجربة ترجمة بودكاست حول الجائحة ونشره للجمهور، وبعد توقف قصير سرعان ما انقلبت هذه التجربة إلى اهتمام أعمق بالبودكاست انبثقت عنه فكرة إطلاق برنامج بودكاست أطلقت عليه إسم "ليمون أخضر" يهتم بالبيئة والتغيرات المناخية، قدمت من خلاله بشكل فردي تحقيقًا حول تلوث المياه في تونس، ثم توقفت التجربة بسبب إشكالات تقنية. 

ولكن لكونها كانت مبادرة ملفتة استحقت فرصة أخرى بإمكانيات تقنية أكبر، قدمت ريم مشروعها لقناة الميادين التي تتخذ من العاصمة اللبنانية بيروت مقرًا لها، القناة رحبت بالفكرة وانطلق بودكاست ليمون أخضر بحرفية وبشكل أعمق وفي رقعة جغرافية أكبر هي شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ليصير طرح المواضيع يتجاوز مجرد الطرح نحو التكييف. 

وفي حوارها مع شبكة الصحفيين الدوليين عن تجربتها مع البودكاست، أكدت على الفكرة التي تحدثت عنها سيرين عن أن البودكاست اليوم هو الأقرب للشباب، خاصة أنّ بإمكانهم الاستماع إليه على العديد من المنصات ويقدم محتوى تعليميًا وتثقيفيًا. وهو ما تترجمه بالفعل الإحصائيات التي قدمنا في بداية المقالة. 

وعن أسباب التوجه للمواضيع المناخية، أوضحت ريم أنّ طرح موضوع التغير المناخي وما يرتبط به من كوارث شهدنا بعضًا منها مثل الزلازل والعواصف الثلجية والجفاف وأي اختلال للمنظومة البيئية، يمكن أن يساهم في دق نواقيس الخطر لدى المستمع ويجعله أشد حرصًا  في ممارسات اليومية مثل التعامل مع التلوث والنفايات والحد من الغازات الدفيئة والانبعاثات ويحفز نحو الضغط على أصحاب القرار ويعزز مكانة المجتمع المدني المناضل في مجال البيئة والتغيرات المناخية. 

وأضافت بأن البودكاست البيئي "ليمون أخضر" يضع من أولوياته بالأساس لفت الانتباه لطرق التكيف مع الكوارث الطبيعية وكيفية حماية فئات أشد عرضة للخطر مثل النساء وكيفية التعامل مع نتائج التغير المناخي مثل الهجرة المناخية. 

وختمت ريم حديثها لنا بأن نوعية البودكاست البيئي لا زالت تواجه بعض التحديات، وذكرت منها أن الصحفي البيئي والعلمي أيضا لا بد أن يكون متجددًا مواكبًا لكل الدراسات التي تصدر يوميًا، وأن البودكاست لا زال أقل حظًا من الفيديو لأنّ الثقافة السمعية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط تخطو خطاها الأولى، وسط تفاؤل بأن أعداد المستمعين لحلقات البودكاست البيئي في تزايد يومًا بعد يوم. 

البودكاست البيئي في المؤسسات إعلامية  

لم تقتصر تجارب البودكاست البيئي على المبادرات الشبابية فقط، بل هناك العديد من المؤسسات الإعلامية التي أطلقت محتوى البودكاست الخاص بها للانخراط في الجهود العالمية للتوعية بقضايا المناخ، ومن بين هذه المبادرات نجد  "بودكاست أخضر" من إندبندنت عربية وهو برنامج يختص بالبيئة والمناخ والطاقة، بأسلوب معلوماتي فريد ومختلف، وذلك في إطار سعي الصحيفة لتنويع برامجها لتتناسب مع آمال وتطلعات الشغوفين بالعلم والمعرفة في كافة المجالات. 

"بيئة وشياكة" هو بودكاست من مونتي كارلو الدولية، تصفه الإذاعة بأنه موجه للذين يريدون أن ينقذوا العالم. في دقيقتين تقدم الإذاعة حلولاً بسيطة لإنقاذ الكوكب من الملوثات. 

"تغيير بسيط" هو بودكاست من BBC يقدم حلقات متنوعة تركز غالبيتها على تقديم العادات الإيجابية للمحافظة على البيئة واستخدام البدائل الطبيعية لحماية كوكب الأرض. 

الصورة المستخدمة تحمل رخصة الإستخدام المجاني من موقع أنسبلاش.