عندما يصبح البودكاست مسرحًا للعقول.. إنتاج الوثائقي الصوتي من الألف إلى الياء

Mar 22, 2022 في الصحافة متعددة الوسائط
صورة

أصبح البودكاست واحدًا من أشكال الصحافة الرقمية الجاذبة للجمهور والصاعدة بقوة في الآونة الآخيرة. ويتوقع الخبراء أن يشهد عالم الصحافة صعودًا تاريخيًا للبودكاست حول العالم، وتحديدًا "الوثائقي" منه.

في هذا المقال، تستعرض شبكة الصحفيين الدوليين طرق تنفيذ وثائقي صوتي ناجح، اعتمادًا على دليل "المبادئ الأولى للوثائقي الصوتي" لمؤلفه جوناثان زنتي، وهو مقدّم بودكاست ومنتج إذاعي إيطالي.

أولًا: التخطيط

في مرحلة التخطيط نحدد الهدف، ونبدأ بالبحث وجمع المعلومات، ثم نصيغ المعالجة.

  1. الهدف

الهدف هو أن نحدد ماذا نريد أن يعرف الجمهور؟ ويتحدد باختيار نوع القالب المناسب للقضية، ولدينا 3 قوالب:

  • تقرير استقصائي: يعالج قضية من الواقع لا تزال بعض جوانبها غامضة، ويحقق فيها من أجل تقديم ​​تفاصيل جديدة ومقنعة، عبر أدلة أو تجارب أو قياسات، بهدف إزاحة الغموض عنها.
  • ريبورتاج: يختبر فرضية واحدة أو أكثر حول قضية من الواقع (والتي يمكن مناقشتها ولكنها غير قابلة للقياس أو الإثبات)، ويسعى في نهاية الأمر لإثباتها، بعد تحليل وتفنيد أي نظريات مضادة.
  • وثائقي مفاهيمي: يقدم للجمهور رؤية جديدة تولدت أثناء متابعة أو مراقبة قضية من الواقع، بشرط أن تكون الرؤية مختلفة عن السائد ووصل لها صاحبها أثناء العمل على القضية.
  1. البحث وجمع المعلومات
  •  نبحث عن المعلومات عن طريق المعايشة والانتقال إلى مواقع الأحداث أو الأماكن المرتبطة بالقصة، أو عن طريق البحث وقراءة كل ما نشر عن القضية في القنوات المتاحة، مثل الإنترنت، الصحافة، المطبوعات، التسجيلات ذات الصلة، إلخ.
  • نجمع كل البيانات والوثائق واللقاءات المتاحة حولها.
  • نفرز المعلومات ونختار ما هو مفيد ومهم للقصة، ونتحقق منه بالطرق المناسبة.
  •  نرتب ما تبقى من معلومات بشكل منطقي يوضح الحقائق والأفكار المختلفة، ونحدد على أساسها زاوية السرد، ومواقع التسجيل، والمصادر التي سوف نجري معها المقابلات.
  1. معالجة المعلومات

لبلورة ما لدينا من معلومات في شكل معالجة ناجحة علينا تحديد 3 جوانب:

  • ما الأسلوب المناسب لبث القصة الوثائقية صوتيًا؟ أسلوب واقعي حقيقي أم أسلوب درامي؟
  • من هم الشهود والمصادر؟ هل نحتاج لاستطلاع آراء الجمهور؟
  • ما هي المواد والوثائق الصوتية الأرشيفية المطلوبة؟ مثل خطاب تاريخي، جزء من مقابلة صوتية قديمة، مكالمة هاتفية، تسجيل نشرة أخبار إذاعية، تصريح. 

ثانيًا: مرحلة التسجيل

التسجيل هو العمود الفقري لجميع المنتجات الصوتية، ولا بد أن نكون على دراية بالمعدات والإجراءات الفنية قبل البدء في التسجيل.

تحدثنا في مقال سابق للشبكة عن معظم المعدات والإجراءات المناسبة.

    1. تسجيل المقابلات

في البودكاست الوثائقي، نجري المقابلات في الغالب مع ثلاثة أنواع من المصادر:

  • الجمهور العادي لاستطلاع رأيه.
  • شهود مرتبطون بالقصة.
  • مصادر خبيرة للتعليق على جوانب القصة.

الجمهور: 

  • بعض القضايا تحتاج استطلاع آراء الجمهور العادي وتضمينها في الوثائقي الصوتي، في هذه الحالة يفضل إجراء مجموعة كبيرة من اللقاءات لاختيار أفضل الآراء بأريحية.
  • دراسة الجمهور المستهدف قبل التسجيل، أمر في غاية الأهمية، لتحديد العينة الأنسب للتعليق على القصة.
  •  أثناء الاختيار النهائي، يفضل اصطياد التعليقات البسيطة والذكية، التي تضيف جديداً أو تشير إلى تناقض، أو تقدم رواية جديدة من منظور مختلف للقضية. 

الشهود

  • نبحث عن  كل شخص تربطه علاقة أو لديه شهادة أو رواية بشأن القصة. ونحرص على التسجيل معه وتوثيق كل ما لديه.
  • نحاول قدر الإمكان إجراء المقابلة في الأماكن الخارجية المرتبطة بالقصة أو بالأشخاص والشهود. الأصوات الطبيعية في الخلفية تثري القصة ومفضلة جدًا في البودكاست الوثائقي.
  • اطرح أسئلة بسيطة. ماذا حدث؟ ما الذي فعلته؟ ماذا كانت النتيجة؟ ابعد عن الرسميات، واطرح الأسئلة مرة ثانية أو ثالثة حتى تشعر أنك حصلت على إجابة مفيدة.
  • عندما تتعلق القضية بحادث مأساوي، مثل انفجار أو هجوم إرهابي، قد تستدعي المقابلة أحاسيس الألم والذكريات السيئة لدى الشهود، لذا يجب التعامل معهم برفق شديد، مع التركيز لاصطياد المعلومات المهمة.
  • استمع لرواية الشهود الكاملة من وجهة نظرهم، ولا تؤثر أو تفرض عليهم رواية أو وجهة نظر أخرى أو توجه  شهادتهم، يجب أن نقبل ما يقولونه حتى لو لم نتفق معهم.

 المصادر الخبيرة: 

  • الخبير والمتخصص هو جزء أساسي من العمل الوثائقي، لأنّ لديه قيمة مزدوجة. من ناحية، هو شاهد رئيس في القضية لأنه كرس حياته للتخصص فيها ويعلم كل جوانبها جيدًا، ومن ناحية أخرى، يمتلك مفتاح النهج العلمي للقضية، وهو نهج يختلف عن أسلوبنا أو أسلوب الشهود الآخرين. 
  • من الضروري الاستعداد بشكل جيد للقاء الخبراء، وتحضير أسئلة مهمة وشاملة وواضحة.
  • نسجل مع ثلاثة خبراء على الأقل، لديهم وجهات نظر مختلفة لنحافظ على تفاعل المستمعين. 
  • نطلب من المتخصصين تقديم تفسيرات وأمثلة لتوضيح نقاط غامضة في القضية.
  • يفضل إجراء المقابلات مع المتخصصين في المرحلة الأخيرة، لنسمع تعليقاتهم على الروايات والوثائق والشهادات التي جمعناها خلال التسجيلات السابقة.
  • نلتقط الرأي المختلف، المعلومة الجديدة، التحليل المتميز، أي شيء يقدم تعليقًا إضافيًا جاذبًا للقصة.
    1. تسجيل الأصوات المحيطة:
  • الأصوات المحيطة، سواء كانت فردية أو بانورامية، جزء من التوثيق لا يمكن الاستغناء عنه، لأنه يعبر عما نريد نقله إلى المستمع.
  • نبدأ التسجيل قبل بدء المقابلة ونتركه لدقائق بعد انتهائها: في هذه اللحظات نجمع الأصوات الثمينة التي تشكل جزءًا من البيئة المحيطة وموطن الشخص الذي نقابله.
  • بعد إجراء مقابلة، من المهم دائمًا تسجيل بضع دقائق من الصوت المحيط في المكان أو الغرفة. نطلب من الضيف والموجودين بالمكان الصمت لحين انتهاء التسجيل. 
  • يمكن بعد ذلك استخدام هذه الأصوات لتوجيه المستمع. مثلا، في الوثائقي المرئي تستخدم لقطات لكنيسة أو مسجد كمؤشر عن طبيعة المكان أو الحالة أو الشخص. بنفس الطريقة يمكننا استخدام صوت الأجراس أو الآذان في الوثائقي الصوتي. كما يمكن استخدامها لإحداث وقفة أثناء مقابلة طويلة.
  • الصمت هو أيضًا صوت محيط. وعنصر سردي مهم جدًا، تمامًا مثل الظلام في سينما. يمكن أن نستخدم الصمت كاستراحة قصيرة أو بعد عبارة أو معلومة مهمة ذكرت للتو، لنترك بضع ثوان للمستمع كي يستوعبها أو يفكر فيها جيدًا.

تسجيل الأداء والتعليق الصوتي:

  • المقصود بالتعليق الصوتي هنا الفواصل الصوتية أو الـv.o الذي يتخلل أجزاء الوثائقي الصوتي لسرد المقدمة والخاتمة والمعلومات الإضافية والربط بين أجزاء القصة.
  • يمكن استخدام التعليق الصوتي كفاصل زمني في منتصف مقابلة طويلة، أو بين مقابلة وأخرى.
  • يفضل تلخيص الأجزاء المهمة المحذوفة من المقابلات لتجنب الإطالة، وتضمينها في التعليق الصوتي.
  • يجب أن يرتبط صوت المعلق بطبيعة القصة، فالصوت هنا يعادل الوجه في الوثائقي المرئي. مثلًا، الصوت النحيف الحاد ليس مناسبًا للإبلاغ عن حادث مأساوي. 
  • في حال تضمن البودكاست سردًا للقوانين واللوائح المتعلقة بقضية معينة، يجب تسجيلها جميعًا بنفس الصوت.
  • يجب أن نستخدم لغة يفهمها الجميع، ونتجنب الجمل الطويلة والاستطراد.

ثالثا: الموسيقى

الموسيقى هي عنصر رئيس في البودكاست الوثائقي، على عكس باقي الأنواع، ويمكن أن تنقل أحاسيس قوية جدًا في وقت قصير جدًا. ورغم قوتها كأداة، لكن استخدامها لا بد أن يكون بحذر، ومع لحظات المشاعر الخاصة، حيث سنحتاج إلى الموسيقى لتوصيل حالة ذهنية معينة.

يحتاج الوثائقي الصوتي إلى 3 أنواع من الموسيقى:

  1. الموسيقى الموضوعية:
  • تعبر عن موضوع القصة، ونفتتح بها الوثائقي ونختتمه، ومنها نأخذ موسيقى الفواصل.
  • يجب أن نختارها بعناية، وأن تكون وثيقة الصلة بالقصة الوثائقية، لأنها تعبر عن العمل وجزء من هويته. لا يجب مثلا استخدام موسيقى حديثة لقصة وثائقية عن الحرب العالمية الثانية، أو موسيقى شرقية لقصة تدور في الغرب، إلخ.
  • يجب ألا نختار الموسيقى فقط لأننا "نحبها" أو لإرضاء المستمع، الأذواق ليست عالمية.
  1. الموسيقى الخلفية
  •  تستخدم للتعليق أو في خلفية الأصوات البشرية وغير البشرية. ويجب أن نستخدمها في الأماكن المناسبة فقط.
  • يجب أن تكون بنيتها متفقة مع السرد، فلا يجوز استخدام الموسيقى الحية كخلفية لسرد تأملي.
  • يفضل عدم استخدام العديد من أنماط الموسيقى المختلفة في نفس الوثائقي. 
  1. موسيقى المقدمة:
  • تُستخدم في بعض أجزاء الوثائقي، مع بداية مقابلة، أو بداية حدث.
  • تعبر بشكل رئيس عن الشخصية أو الحدث وليس عن موضوع القصة، ولا يصاحبها أي عبارات أو أصوات أخرى.
  • يمكن أن نستخلصها من المواد الصوتية الأرشيفية التي جمعناها خلال بحثنا، أو من الأصوات المحيطة لمقابلة مع شخص ما، وتعبر عن شخصيته.

رابعًا: التحرير

  • يفضل تقسيم المادة إلى وحدات. كل وحدة تحتوي على مقابلة واحدة مع مقطوعة موسيقية واحدة وتعليق صوتي واحد، وقطعة أرشيفية واحدة إذا لزم الأمر. 
  • نختصر المقابلات والمواد الأرشيفية، ثم نتخلص من التردد في المقابلات - الغمغمات والتلعثم- لأنه يعيق الاستماع. 
  • أثناء التحرير، يجب وضع محورين في الاعتبار: المحور الأفقي ويتعلق بطول وإيقاع الوثائقي، ويرتبط ذلك بترتيب المادة وتتابعها أفقيًا.
  • والمحور الرأسي، حيث نعمل على عمق الصوت، ومزج الصوت بالمؤثرات والموسيقى.
  • نبدأ في تجميع الوحدات المنفصلة والربط بينها ليصبح الملف الصوتي سلسًا وموحدًا.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة روبيكسن