ما هي الاستراتيجيات الناجحة عالميًا لإنقاذ مهنة الصحافة؟

بواسطة ريان لي
Feb 12, 2022 في استدامة وسائل الإعلام
كومة من الصحف

بعد مرور عامين على بداية تفشي جائحة كوفيد-19، لا تزال المؤسسات الإخبارية باختلاف أحجامها تواجه تحديات كبيرة، بما فيها مصادر الإيرادات غير المستقرة وتغيُّر سلوكيات القُراء والقمع الحكومي الصارخ. ومع استمرار تفشي الجائحة، بدأت آثار الإغاثة الطارئة وجهود الاستدامة طويلة المدى – سواء كانت ناجحة أم لا – في الظهور بصناعة الصحافة على مستوى العالم.

وفي تقرير جديد نشرته مؤسسة كونراد أديناور الألمانية بعنوان "إنقاذ الصحافة 2: استراتيجيات عالمية ونظرة على الصحافة الاستقصائية"، نُلقي نظرة متعمقة على التدخلات التي أحرزت تقدمًا والاحتياجات أو العقبات التي لا تزال قائمة. يعتمد التقرير في محتواه على دراسة أجريت عام 2021 لتحليل الدفعة الأولى من التدخلات التي دعمت الصحافة، بدءًا من الأعمال الخيرية ونماذج الأعمال الجديدة، وصولًا إلى الضرائب على منصات التكنولوجيا والدعم العام.

إليكم بعض النصائح والتعليقات التي قدّمها رواد الصناعة الذين أجريت المقابلات معهم من أجل هذا التقرير:

إلزام منصات التكنولوجيا بالدفع للمؤسسات الإخبارية: سابقة قانونية

في فبراير/شباط عام 2021، أقرت أستراليا "قانون المساومة لوسائل الإعلام الإخبارية"، والذي يلزم شركات التكنولوجيا – وخاصة ميتا، الشركة المالكة لموقع فيسبوك، وكذلك جوجل – بالدفع للمؤسسات الإعلامية مقابل المحتوى الإخباري المنشور عبر منصاتها. وقد ظلت الاتفاقيات الرسمية سرية، إلا أنّ رود سيمز، رئيس اللجنة الأسترالية للمنافسة والمستهلكين، صرح بأنّ المؤسسات الإعلامية في أستراليا تلقت ما لا يقل عن 200 مليون دولار أسترالي.

ومن جهته، أكّد ريتشارد دينيس، كبير الاقتصاديين لدى معهد أستراليا البحثي، أنّ القانون الجديد نجح على الرغم من ضغط عملاقيّ التكنولوجيا والتلويح بإنهاء أنشطتهما في البلاد. وقال دينيس إنّ "جوجل وفيسبوك لم يخرجا من أستراليا كما هددا. بل تم دفع الكثير من الأموال والإعلان عن الكثير من الوظائف الصحفية".

لكنّ القانون لم يعُد بالفائدة على جميع المؤسسات الإخبارية بالتساوي، وفقًا لدينيس، الذي أوضح أن "القانون ليس به شيء من المساواة، فقد اضطر كل من فيسبوك وجوجل إلى التفاوض، وحصلت كبرى المؤسسات على مبالغ أكبر مما تلقته المؤسسات الصغيرة".

ويعكس هذا التفاوت التوتر القائم بين المؤسسات الكُبرى والراسخة وبين المنظمات الأصغر والأكثر تخصصًا. فعلى الرغم من ازدياد تمويلات الصحافة في السنوات الأخيرة، إلا أنّ الشركات الكبيرة والتقليدية غالبًا ما تكون أكبر المستفيدين هذه البرامج أو السياسات الجديدة. وهكذا يتمثل التحدي الرئيسي لتصميم سياسات عامة وفعالة في معالجة الاحتياجات واسعة النطاق – والمتنافسة أحيانًا – لجميع المؤسسات الكُبرى والمحلية الصُغرى.

أما خارج أستراليا، فقد أجبر تهديد الإجراءات القانونية الجديدة كُلًا من فيسبوك وجوجل على تخصيص المزيد من التمويلات للصحافة في الدول الساعية لتبني مثل هذه القوانين. ففي فرنسا على سبيل المثال، وافقت شركة جوجل على دفع أكثر من 76 مليون دولار أميركي لـ121 مؤسسة إخبارية فرنسية على مدى ثلاث سنوات، إضافةً إلى غرامة بقيمة 593 مليون دولار أميركي عن عدم التفاوض بحُسن نية مع ناشري الأخبار. أما في كندا، فقد أعلنت شركة ميتا عن استثمار مدته ثلاث سنوات بقيمة 8 مليون دولار كندي لدعم الصحافة في البلاد، إضافةً إلى عقد شراكة مع 18 مؤسسة إخبارية في مبادرة "للمساهمة في الاستدامة طويلة الأمد للصحافة في كندا".

وعلى الرغم من اعترافهم بأنّ هذه المدفوعات من شركتيّ ميتا وجوجل أفضل من لا شيء، أكّد الخبراء أنّ فرض الضرائب على شركات التكنولوجيا قد يكون حلًا أكثر فعالية من قانون أستراليا المعيب. وأضافوا أنّ الضرائب الإضافية على هذه الشركات والإعلانات عبر الإنترنت – مع تخصيص بعض الإيرادات لدعم الصحافة ذات الجودة العالية والتوجه المدني – يمكن أن تضمن قدرًا أكبر من الشفافية والإشراف المستقل على هذه الأموال. وأوضح دينيس أنّه "كان من الأفضل أن تُفرض الضرائب على جوجل وفيسبوك، ولكن حكومة المحافظين لن تفرض الضرائب عليهما"، مضيفًا أنّها "كانت فرصة فريدة للضغط على المستوى العالمي".

وبدلًا من الضرائب الحكومية، اقترح أندرو جاسبان من موقع ’ذا كونفيرسيشن‘ أن يتم عقد "اتفاق طوعي مع جوجل وفيسبوك لإيداع ’رسوم‘ في حساب مستقل" يمكنه معالجة إخفاقات السوق، مثل تغطية الأخبار الريفية أو الإقليمية وأخبار المحاكم والشرطة والحكومات المحلية والتقارير المتخصصة حول موضوعات مثل العلوم والصحة والبيئة.

الإعفاءات الضريبية والتدابير الحكومية: فرنسا وإندونيسيا نموذجًا

في فرنسا، أقرت الحكومة إعفاءً ضريبيًا بشكل استثنائي في يوليو/تموز 2020 للمشتركين الجُدد، وذلك لدعم صناعة الإعلام المتداعية بإيرادات إضافية. ولكن القرار لم يدخل حيز التنفيذ إلا في مايو/أيار من العام التالي، أي بعد مرور 10 أشهر على إصداره. وقد أُضيف هذا القرار إلى مجموعة واسعة من التدابير الطارئة والجهود الاقتصادية الشاملة وخطة التعافي، فيما بلغت قيمته 483 مليون يورو.

وفي حين ساهمت هذه التدابير في الحفاظ على صناعة الأخبار المتعثرة، دعا تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي إلى تغيير فلسفي في الصناعة للتكيف مع عادات القُراء المتغيرة وتقليل الاعتماد المستمر على التمويل العام باعتباره خطرًا على استقلالية وسائل الإعلام. فقبل تطبيق خطة التعافي، كانت المساعدات العامة تشكل أكثر من 20% من إيرادات القطاع، بزيادة ست نقاط على مدى العقد الماضي. وكما أكد التقرير، فهناك حاجة إلى تطوير القطاع بشكل كبير حتى لا تصبح المساعدات العامة لصناعة الأخبار مصدرًا حيويًا للدخل بما يخفي قضايا هيكلية أعمق وتتعلق بتراجع التوزيع والتركيز المفرط على الأخبار المطبوعة بدلًا من الأخبار الرقمية.

أما في إندونيسيا، فقد ذكر الصحفي ماثيو ريسيو-كروز في تقريره أنّ الحكومة أعلنت عن إطلاق حوافز للصحافة في يوليو/تموز 2020، مع إعفاءات ضريبية ودعم مباشر. وقد أعفت هذه السياسات مؤسسات الأخبار المطبوعة من ضريبة القيمة المُضافة وعلقت رسوم الكهرباء للمؤسسات الإعلامية وخفضت ضرائب الشركات بنسبة 50%، إضافةً إلى إلغاء ضريبة الدخل للموظفين الذين يتقاضون رواتب سنوية تصل إلى 200 مليون روبية، أو ما يعادل 14000 دولار أميركي. وعلاوة على ذلك، دعمت الحكومة مؤسسات الأخبار بمدفوعات مباشرة، وذلك بشرط نشر عدد معين شهريًا من الموضوعات المتعلقة بجائحة كوفيد-19، مثل التباعد الاجتماعي وغسل اليدين وارتداء الكمامات.

وقد أثارت هذه السياسات الكثير من الجدل. ففي حين نسب البعض الفضل إليها في إنقاذ صناعة الصحافة في عصر الجائحة، اعترض آخرون على التأثير الحكومي المباشر على الموضوعات التي تتم تغطيتها. وفي هذا الصدد، اعتبر م. توفيق الرحمن، رئيس تحرير صحفية ’ذا جاكارتا بوست‘، وهي أكبر صحيفة يومية صادرة باللغة الإنجليزية في إندونيسيا، أنّ ضخ الأموال مقابل المحتوى كان مفيدًا لمؤسسات الأخبار. وأضاف أنّ هذا الأمر "ساعدنا في تجاوز الجائحة من الناحية التنظيمية".

ومن ناحية أخرى، اعتبر عبد المنان، الرئيس السابق لتحالف الصحفيين المستقلين، أنّ الدعم الحكومي "ضار" بصناعة الأخبار، قائلًا إنّ "الحكومة والإعلام هما كيانان مختلفان ولهما أدوار مختلفة. لذا من المهم للغاية أن يكون هناك فصل واضح بينهما".

نصائح أخرى

حرية الإعلام أولًا

قد تكون التمويلات الإضافية ضرورية، ولكنها ليست كافية للحفاظ على الصحافة المستقلة ذات الجودة العالية. فأهم أبعاد ازدهار المنظومة الإعلامية هو احترام حرية التعبير. وحسب تقرير أعده مؤخرًا منتدى المعلومات والديمقراطية، فإنّ "من دون احترام الحقوق الأساسية وحرية الإعلام، لا يمكن لأي تمويل مهما بلغت قيمته أو أي تركيز على المستقبل أن يضمن استقلالية الصحافة بشكل حقيقي".

الدعم العام في غاية الأهمية من أجل التوسّع

هناك حاجة إلى الاستثمارات الكبيرة لتوسيع نطاق أي عمل؛ والأمر ينطبق على الصحافة. فالبرامج الفعّالة والمدعومة من الجمهور ليست سهلة، لذا يجب أن يكون هناك اعتراف عام بالحاجة إلى الصحافة باعتبارها منفعة عامة. وعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة، جمعت ولاية نيوجيرسي بعض الجامعات والمؤسسات العامة لإنشاء "اتحاد المعلومات المدنية" – وهو الأول من نوعه في البلاد، وذلك من أجل تخصيص التمويل العام لمعالجة الفراغ الإخباري والمعلومات المضللة في الولاية. وبعد تقديم منح بقيمة 500,000 دولار أميركي في عام 2021، سيقدم الاتحاد المزيد من التمويلات في عام 2022.

تطوير شامل للصحافة

اعتبرت أنجليكا داس، المديرة المشاركة لدى صندوق الديمقراطية، أنّ بناء الثقة وتزويد القُراء بالمعلومات التي يحتاجونها حقًا أمرٌ بالغ الأهمية. وقالت إنّه "ليس هناك أداة أو عملية معينة لإنقاذ الصحافة أو تغييرها، ولكن هناك حاجة إلى تغيير النص والبدء من الصفر"، وتساءلت: "هل تكتسب الثقة؟ هل تقدم المحتوى الشامل؟ هل تقدم موضوعات ذات صلة وثيقة بالثقافة؟ هل تلبّي الاحتياج الأساسي للمعلومات؟". وأضافت داس أنك "إن لم تكن على استعداد لتلبية الاحتياجات الأساسية للحياة اليومية، فلن تتمكن من بناء قاعدة جمهور للأخبار أو تحقيق الإيرادات".


الصورة الرئيسية من انسبلاش بواسطة توماس تشارترز.