في حال رغبت أي مؤسسة صحيفة مستقلة بالإستمرار في ظل التنافس القوي الذي يشهده العالم الرقمي، يترتّب عليها التركيز على منتجي المحتوى الإخباري، وعلى توظيف أشخاص موهوبين والمحافظة عليهم للإستثمار والتمكّن من تشغيل كل أجزاء العمل، من توليد الإيرادات، إلى التحكم في النفقات، التسويق، الإنتاج والتوزيع الرقمي، وصولًا إلى إدارة منصات التواصل الإجتماعي وأكثر من ذلك. كذلك على المؤسسة الإعلاميّة أن تتأكد من أن مؤشرات ومقاييس أدائها تتناسب مع المهام المنوطة بها وأن كل العاملين فيها يسيرون في الإتجاه نفسه.
في هذا السياق، دخل المستشار الإعلامي جاكوب باروسنسكي خلال دراسة حالة أجراها في عمق بعض القضايا، حيث تطرق إلى تقدّم وتراجع ثمّ استقرار موقع هروماديسك الأوكراني المستقل. وقد توصل في دراسته إلى أن الموقع أضاع بوصلته عندما ركز أكثر من اللازم على غرفة الأخبار ولم يعِر الإهتمام الكافي لتصميم العمليات والتنظيم.
تأثير كبير للمانحين
وقدّم باروسنسكي دراسته على الشكل الآتي: "أسّست مجموعة من الصحفيين الموقع الأوكراني في العام 2013 كمنظمة غير حكومية لا تبغي الربح (وتضمّ قناة تلفزيونية، موقعًا إلكترونيًا وحسابات على وسائل التواصل الإجتماعي)، وكان الصحفيون يسعون لتحدي ومواجهة تراجع حرية الصحافة وسيطرة بعض وسائل الإعلام خلال حكم الرئيس فيكتور يانكوفيتش. كما هدف المؤسسون إلى تقديم محتوى مفيد وملهم وغني بالمعلومات للمواطنين".
إقرأوا أيضًا: للمؤسسات الإخبارية.. المصداقية ركيزة لتحقيق العائدات المالية
وبالفعل نجح الموقع، وتمكّنت الحملة الأولى لجمع التبرعات من الجمهور من جمع 120 ألف دولار أميركي، قدّمها عشرات المتبرعين، وبعض الجهات التي أرادت تمويل مشاريع تعنى بمواضيع معينة. وقد زاد عدد فريق العمل بسرعة ووصل إلى 160 شخصًا، ولكن إحدى المشكلات التي واجهت الموقع هي أنّ فرق التحرير التي تمّ اختيارها لتنفيذ هذه المشاريع المتخصصة كانت تميل للعمل بشكل مستقل.
ولكن على الرغم من زيادة الإيرادات، إلا أنّ المهمة الأساسية ضاعت وتصاعدت الصدامات الداخلية، ولم يكن هناك طريقة متوفّرة لتقييم الموظفين، ولم يتلق الموظفون أي ملاحظة على أدائهم، وبالتالي أدى سوء الإدارة هذا إلى تراجع العاملين بنسبة تخطت الـ 100% في العام 2019.
وبحسب باروسنسكي، فقد استُنفدت موارد كبيرة في تدريب الموظفين وتمكينهم من تجاوز الأشهر القليلة الأولى من الإنتاجية المنخفضة، وباللحظة التي كان يجب أن يبدأ فيها الصحفيون بالإنتاج، غادر العديد منهم بسبب البيئة غير المناسبة والتي تفتقر للقيادة وإدارة العمل.
التحوّل: إيرادات من غير المتبرعين
في العام 2020 قررت الإدارة الجديدة التي ضمّت بعض الموظفين المخضرمين أن تعيد التنظيم والتبسيط، مستخدمة نظامًا مستعارًا من صناعة التكنولجيا وهو الأهداف والنتائج الرئيسية.
وأجرت الإدارة مقابلات عدّة مع طاقم العمل للإستماع إلى آرائهم حول ما كان يجري في السابق، وما يجب أن يحصل في المستقبل، وهذا يعني توسيع الموارد البشرية والمسؤوليات. وقد جرى تحديد أهداف الفرق والأفراد لتتماشى مع الأهداف التنظيمية وكذلك مراجعة الأداء كل ثلاثة أشهر على الأقل.
وتمّ تقليص ميزانية المصاريف أيضًا، بنحو 30 بالمئة لتتماشى مع تأثير جائحة كوفيد 19 على عائدات الإعلانات.
ومن بين إنجازات الفريق الجديد زيادة الإعلانات من 1% من الميزانية إلى 10%، وجزء منها من خلال الإعلانات المحلية. كما أطلق الفريق الجديد برنامج عضوية أدى إلى زيادة سريعة في الإيرادات.
التركيز على الجمهور
وإضافةً إلى ما تقدّم، أوضح باروسنسكي أنّ الفريق الجديد جعل المقاييس الخاصّة بالجمهور، أي ما يفضّله ويتابعه الجمهور، جزءًا أساسيًا من محاور الإجتماعات التي يعقدها الفريق الإداري، وساعد ذلك بزيادة زيارات الموقع، الذي من المتوقع أن يسجّل أرقامًا قياسية من حيث الثقة بوسائل الإعلام في أوكرانيا، بنهاية العام الجاري.
وشدد باروسنسكي في استنتاجاته على أهمية التركيز على ضمان دعم الموقع الإخباري من كل النواحي، وأن يكون لكل فرد وفريق عمل، أهدافًا واضحة وقابلة للقياس وتتم مراجعتها باستمرار.
وقال باروسنسكي: "تتطابق دراسة حالة الموقع الأوكراني بشكل كبير مع تجربتي الخاصة كناشر، حيث انطلقت نتائجنا المالية عندما قمنا بمواءمة الأهداف الشخصية والمهنية للموظفين مع أهداف العمل".
لقد نُشر هذا المقال للمرة الأولى على مدونة جيمس برينر، وأعيد نشره على شبكة الصحفيين الدوليين بعد الحصول على إذن.
جيمس برينر هو زميل سابق في مركز الصحفيين الدوليين الذي أطلق وأصدر مركز الصحافة الرقمية في جامعة غوادالاجارا. لزيارة مواقعه، إضغط هنا وهنا.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الإستخدام على أنسبلاش بواسطة Visual Stories || Micheile