تعدّ الإنتخابات حدثًا مهمًا بالنسبة للصحفيين حول العالم، الذين يغّطون الإستعدادات والتوقعات ومسار الإنتخاب وصولاً إلى النتائج وما بعدها أيضًا، وقد تختلف تغطية الانتخابات بشكل كبير من دورة إلى أخرى، لكنّ التغيّرات الطارئة بالتزامن مع الإنتخابات الرئاسية الأميركية جعلتها حدثًا تصعب تغطيته بالنسبة للصحفيين، لا سيما مع تفشي جائحة "كوفيد 19" وانتشار المعلومات المضللة حولها، وعدم تمكّن الصحفيين من التنقل والسفر.
وبهدف الإطلاع على أبرز التحديات التي يواجهها الصحفيون في هذه الدورة الانتخابية، جمعت شبكة الصحفيين الدوليين في ويبينار المحررة في بوليتيكو كاري بودوف براون ومراسل MVS Noticias المكسيكية في البيت الأبيض بريشيو سيجوفيا، اللذين تحدثا عن صعوبات تقديم التقارير لجمهور أجنبي، أهمية إنشاء زوايا فريدة ضمن القضايا التي تجري تغطيتها بشكل مكثف، وأفضل الممارسات لمواجهة المعلومات المضللة.
وفيما يلي أبرز النقاط التي جرى الحديث عنها خلال الويبينار:
التعلم من الإنتخابات الماضية
يرى الصحفيان المشاركان في الويبينار أنّ أحد الدروس الرئيسية المستفادة من الإنتخابات الرئاسية التي جرت عام 2016، هو ضرورة توسيع الصحفي لشبكة المصادر الخاصة به.
فمن جهته، شدد سيجوفيا على أهمية التحدث إلى أشخاص من خلفيات متنوعة، والحصول على وجهات نظر وخبرات متعارضة، ليستطيع الصحفي تقديم صورة عادلة عن الإنقسامات والإصطفافات الخاصة بالإنتخابات، وقال: "لا يمكن الإعتماد إلى مؤشرات واشنطن العاصمة لتغطية الإنتخابات الاميركية، فهي لا تمثّل الولايات المتحدة بأكملها"، ناصحًا الصحفيين بالتنقل بين الولايات قدر المستطاع والتحدث إلى الناس ونقل صورة واضحة وحقيقية للجمهور.
أمّا براون التي غطّت حملة باراك أوباما الرئاسية عام 2008 وعملت سابقًا كمراسلة لـبوليتيكو في البيت الأبيض، فنصحت الصحفيين بالبقاء بحالة تشكيك والامتناع عن إعداد تقارير عن نتيجة نهائية قد يفترضون أنها ستتحقق، مضيفةً أنّه "من المهم بالنسبة للصحفيين تكوين مجموعة من جهات الاتصال وشبكة مصادر متنوعة جغرافيًا ومهنيًا وعرقيًا وإثنيًا للاستفادة منها في تقاريرهم".
تغطية الانتخابات الأميركية لجمهور غير أميركي
بحسب سيجوفيا، الصحفي الحائز على جوائز والذي غطّى أحداثًا وأعدّ تقارير في أكثر من 30 دولة خلال حياته المهنية "يتعيّن على المراسلين الأجانب أن يكونوا قادرين على ترجمة اللغة النقدية والمفاهيم الثقافية، فمن أساسيات الصحافة محاولة شرح الأمور التي يصعب فهمها عادةً بطريقة سهلة ومبسّطة". وأضاف: "تصعب هذه المهمة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي يستخدم الكثير من الكلمات العامية في تغريداته، وبعض التعابير التي تصعب ترجمتها، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى ضياع المقصود من رسالته". ولفت إلى أنّ عمله بشكل منفرد على تقريره، يسمح له بأن يتحكّم بشكل أكبر في التقرير الذي يكتبه.
البحث عن زوايا جديدة لتغطيتها
أمضت براون سنوات كثيرة في تعزيز قدرة بوليتيكو في إعداد تقارير من مناطق مختلفة، وأصبح للمؤسسة الإعلامية مكاتب رسمية في سبع ولايات ومراسلين في أكثر من اثنتي عشرة ولاية، وهذا التوزيع ساعد "بوليتيكو" في تغطية الإنتخابات بشكل جيّد خلال هذه الدورة، من خلال كبار المراسلين في فلوريدا وميشيغين وإلينوي ونورث كارولينا وبنسلفانيا وغيرها.
وأضافت براون: "هؤلاء المراسلون لديهم مصادر قوية في هذه الولايات، وكانوا قد أعدّوا تقارير طوال حياتهم المهنية في هذه الأماكن". وحثت براون جميع المراسلين الصحفيين على متابعة قصص لم يكتب عنها أي صحفي بعد، وقالت: "دعونا نعثر على شيء جديد لنتحدث عنه أو ننتظر حتى نجد أمرًا جديدة أو زاوية مهمة للتغطية، وأعتقد أن هذا ضروري ليميّز الصحفي نفسه في بيئة إعلامية مزدحمة للغاية".
في هذا السياق، أضاف سيجوفيا: "أقول دائمًا إن قيمة الصحفي تكمن بقيمة قائمة الاتصالات الخاصة به، لذلك فإن بناء شبكة مصادر هو أمر أساسي للعثور على قصص فريدة".
التقارير الصحفية والمعلومات الخاطئة
شددت براون على أهمية أن يكون الصحفي غير منحاز من أجل البحث عن الحقائق بموضوعية ويكافح المعلومات المضللة، وأضافت: "يمكن أن يتحدّث الصحفيون إلى الجماهير وأن يحصلوا على معلومات وإجابات من المصادر، ولذلك عليهم الحفاظ على المصداقية والإستناد إلى حقائق والتحقق من المعلومات ونشرها للعالم".
وأوضح سيجوفيا أنه على الرغم من وجود الكثير من الصعوبات في عمليات تقصي الحقائق، إلا أن الصحفيين كانوا دائمًا مدققين للحقائق، وبسبب الأحداث التي وقعت خلال السنوات الأربع الماضية فقد اضطروا إلى التثبت من الحقائق أكثر من أي وقت مضى. وقال سيجوفيا: "لا يمكننا أن ندع الرئيس يقرر الأجندة الإخبارية، وعلى الصحفيين التحقق من مصدر الأخبار وتحديد ما هي التقارير التي سينفذونها".
واتفقت براون وسيجوفيا على ضرورة التثقيف الإعلامي كخطوة أساسية نحو مواجهة المعلومات المضللة. وقال سيجوفيا: "نحن بحاجة إلى تثقيف الأجيال الجديدة من متابعي الأخبار، ما هو دور الصحفي؟ لماذا الصحافة مهمة؟ لماذا من المهم التحقق من مصادر متعددة؟". فيما أضافت براون: "لا أعتقد أن الأوان قد فات على محو الأمية الإعلامية، رغم اعتقادي بأنها معركة شاقة".
وأشار سيجوفيا الذي قال إنه تعرض للإعتداء أكثر من مرة مرات أثناء تغطيته في الولايات المتحدة، إلى أن انعدام ثقة الجمهور المتزايد بوسائل الإعلام أدى إلى مخاوف أمنية. مع ذلك فهو لا يزال متفائلا ويقول: "علينا أن نتذكر أن هناك أيضًا الكثير من الأشخاص الذين يثقون بالإعلام ويعتقدون أن للصحفيين دورًا أساسيًا في المجتمع".
تأثير"كوفيد 19" على تغطية الانتخابات
قالت براون: "تغيّر العالم الذي كنا نعيش فيه قبل آذار/مارس من حيث كيفية تغطيتنا للحملة الإنتخابية، وأصبح السفر محدودًا وكذلك الاتصال بالناخبين، وبات الإعتماد على وجود مراسلين في جميع أنحاء الولايات المتحدة، الذين يطلب منه المسؤولون في غرف الأخبار تقديم تقارير مكثفة عما يحدث من أجل إعطاء صورة أفضل عن الوجهة التي تتجه إليها الإنتخابات الأميركية".
من جهته، قال سيجوفيا إن كوفيد 19 غيّر بشكل جذري عمله كمراسل أجنبي، بدءًا من البيت الأبيض، موضحًا أنّ "التفاعل مع المسؤولين الحكوميين والمراسلين الآخرين محدود، وغالبًا ما يقتصر الوصول إلى الرئيس الآن على الصحفيين المعتمدين، ولم يعد العمل من مقر البيت الأبيض ممكنًا".
وبما أنّ سيجوفيا يعمل بشكل منفرد، فقد اعتاد أن يسافر لتغطية التطورات المتعلقة بالانتخابات في الولايات الأخرى، أمّا الآن وفي ظلّ تفشي "كوفيد 19" فهو يعتمد الآن بشكل أكبر على وسائل التواصل الاجتماعي للاتصال بالناخبين والمصادر الأخرى. وأوضح أنّ "وسائل التواصل الاجتماعي هي النافذة لأي صحفي للوصول إلى ملايين الأشخاص، حيث يمكن العثور على قصص جيدة وإعداد تقارير مميزة من خلال التواصل مع الناس، بغض النظر عن مكان وجود الصحفي".
وعلى الرغم مما سبق، نبّهت براون من أنّ استخدام وسائل التواصل الاجتماعي قد يؤدي إلى التحيز لأن الأشخاص الوحيدين الذين سيتواصل معهم الصحفي هم من مستخدمي هذه المواقع، أي عينة من الناس وليس جميعهم، وقالت: "إذا كنت في بلدة صغيرة أو منطقة ريفية سأحاول الذهاب إلى أي مكان يتجمع فيه الناس بدلاً من اللجوء إلى هذه المواقع".
هيلواز هكيمي لو غران متدربة في مجال التواصل في المركز الدولي للصحفيين.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الإستخدام على أنسبلاش بواسطة تيفاني تيرتيبز.