نضال وسائل الإعلام الجزائرية لتحقيق الاستدامة وسط الأزمة الاقتصادية

Jan 20, 2023 في استدامة وسائل الإعلام
منظر من الجزائر العاصمة

تُهدد أزمة متعددة الأوجه وجود الصحافة المستقلة في الجزائر، إذ أغلقت العديد من الوسائل الإعلامية أبوابها بسبب الركود الاقتصادي الحالي في البلاد، بينما تواجه الوسائل الإعلامية الأخرى صعوبات مالية خطيرة لدرجة عجزها عن دفع رواتب موظفيها.

وعلى سبيل المثال، بدأ العاملون في صحيفة الوطن اليومية الناطقة باللغة الفرنسية، في يوليو/تموز الماضي، إضرابًا للمطالبة بالأجور المستحقة منذ مارس/آذار، وعلى الرغم من انتهاء الإضراب في أغسطس/آب، إلا أن استمرار الصحيفة لا يزال غير مؤكد.

ومن جانبها، تبحث وسائل الإعلام المستقلة في جميع أنحاء الجزائر عن نموذج الأعمال المناسب لتحافظ على الاستقلالية والاستدامة، وهو الهدف الذي يظل بعيد المنال.

مصيدة إعلانات القطاع العام

تعتمد الكثير من وسائل الإعلام الجزائرية منذ عقود على الإعلانات المؤسسية التي تقدمها الوكالة الوطنية للنشر والإعلان، وهي هيئة حكومية تستخدمها الدولة للإشراف على المحتوى التحريري، ويمنح هذا الأمر وسائل الإعلام فرصة للاستفادة من عدد لا يحُصى من معلني القطاع العام، طالما حافظوا على سياسة تحريرية لا تُعارض الحكومة.

ومع ابتعاد المزيد من وسائل الإعلام الإخبارية عن السياسة التحريرية الداعمة للحكومة، شهدت هذه الوسائل الإعلامية نضوب مواردها الإعلانية فجأة. وعلاوة على ذلك، أدت الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد في السنوات الأخيرة، إلى شبه اختفاء معلني القطاع الخاص – مثل وكلاء بيع السيارات الذين شكلوا مصدرًا ضخمًا لإيرادات الإعلانات.

وتُجبر هذه التحديات مديري وسائل الإعلام القديمة على البحث عن حلول بديلة، بينما يتبنى الناشرون الجدد نماذج الأعمال الجديدة، ولكن بصعوبة بالغة.

نقدم لكم بعض الخيارات التي تلجأ إليها وسائل الإعلام الجزائرية:

المحتوى المدفوع عن طريق الاشتراكات

منع تأخر وصول خدمة الدفع الإلكتروني في الجزائر، الصحافة، من تحقيق الدخل من محتواها الإلكتروني، وهي ممارسة موجودة في دول متعددة، وحتى يومنا هذا، لا يزال الدفع الإلكتروني غير ملائم بدرجة كبيرة في الجزائر. بالإضافة إلى ذلك، تشكو بعض الوسائل الإعلامية من التحديات التشغيلية لاستخدام أنظمة الدفع الإلكتروني بين البنوك ومكتب البريد، إلى جانب غياب الخدمات التي تقدم المدفوعات القادمة من الخارج.

وتُعد صحيفة Twala.info الإلكترونية، إحدى الصحف الرائدة في تحقيق الدخل من المحتوى المنشور على الإنترنت، وهي واحدة من الصحف القليلة التي توفر المحتوى الصحفي المدفوع بالكامل عبر خدمة الاشتراكات.

جوجل ادسنس Google AdSense

يتيح تحقيق الدخل من الجمهور عبر "جوجل ادسنس"، للناشرين، جني الأرباح من خلال زيارات الجمهور للمواقع الإلكترونية، وهو النموذج الذي تستخدمه الصحف الرقمية الجزائرية مثل ObservAlgérie، وAlgérie 360، وDzair Daily.

وعند سؤاله عما إذا كان هذا النموذج قابلًا للتطبيق في الجزائر، قال مصدر في ObservAlgérie، طلب عدم الكشف عن هويته، إن هذا يعتمد على عدد زيارات القراء للموقع الإلكتروني وأماكن المستخدمين. ومن المستحيل معرفة كم تجني وسائل الإعلام الجزائرية من "جوجل ادسنس"؛ لأنه أنشأ مقياسًا يختلف وفقًا للدولة، والفترة الزمنية، وتوقعات المعلنين. وتجني الصحف الإلكترونية الجزائرية التي يعيش أغلب قرائها في أوروبا أو الأميركيتين أو دول الخليج أرباحًا أكثر بكثير من تلك الصحف التي يعيش قراؤها الأساسيون في الجزائر.

وتستهدفObservAlgérie ، مستخدمي الإنترنت القاطنين في كندا أو فرنسا، وهما دولتان تعدان موطنًا لجالية جزائرية مهمة، وفقًا للمصدر الذي أضاف: "هناك موضوعات تحقق عائدًا لكل ألف ظهور أكثر من غيرها، فعلى سبيل المثال، عائد المقالات التي تتناول القضايا السياسية لكل ألف ظهور، أقل بكثير مقارنة بالموضوعات التي تتناول الرحلات الجوية الدولية".

التمويل الجماعي

بدأت تظهر في العديد من الدول أشكال جديدة للتمويل الجماعي كطريقة للابتكار في صناعة الإعلام، وضمان الاستدامة طويلة الأجل لغرف الأخبار، وغالبًا ما يتضمن البُعد التعاوني عنصرًا ماليًا.

ولكن، في ظلّ السياق السياسي شديد التوتر في الجزائر يمكن أن توصم الحكومة هذا بأنه "تمويل أجنبي"، مما يعرض الناشرين للمساءلة القانونية، ويقلل كثيرًا من آفاق الاحتمالات المتاحة للوسائل الإعلامية المحلية.

والجدير بالذكر أنه لا يتبنى جميع الناشرين في الجزائر نموذج أعمال واحد فقط، إذ يختار البعض اثنين أو ثلاثة من نماذج الأعمال في وقت واحد، بناءً على الوسائل والفرص المتاحة لهم، وهذا هو الحال بالنسبة لموقع TSA الإلكتروني، الذي يستمر في الاستفادة من إعلانات القطاع الخاص، بينما يستخدم "جوجل ادسنس" لتنويع مصادر الإيرادات.

ولا يمكن فصل وسائل الإعلام الجزائرية عن السياق السياسي والنظام ككل، وفي يومنا هذا، تستمر وسائل الإعلام في البحث عن نموذج اقتصادي يضمن الانتقال السلس وسط حالة الضبابية العالمية والاضطراب الاقتصادي الكبير.


الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة Photo Brux.

نُشر المقال للمرة الأولى على النسخة الفرنسية لشبكة الصحفيين الدوليين، وترجمته سيدرا رانافوارينوسي.