"نساء ربحنَ الحرب".. منصة تخلق مساحة للسيدات في الشرق الأوسط لسرد قصصهن

May 21, 2024 في موضوعات متخصصة
لافتة نساء ربحن الحرب

أودت الحرب الأهلية السورية بحياة أكثر من 500 ألف شخص منذ أن تحولت الاحتجاجات ضد الحكومة أثناء الربيع العربي إلى نزاع في العام 2011، وفرّ نحو 7 ملايين سوري إلى الخارج في لجوء جماعي، كما نزح عدد مماثل داخل البلاد، ليكون الإجمالي أكثر من نصف سكان سوريا قبل الحرب.

ومنذ ذلك الحين، تلاشت الحرب من الاهتمام العالمي، ولكن يستمر الصحفيون السوريون في تغطية أحداثها اليوم، بينما يشهدون على الجرائم المُرتكبة في أحد أكثر النزاعات فتكًا في القرن الحادي والعشرين.

ميس قات هي صحفية استقصائية مستقلة من سوريا ومقيمة حاليًا في هولندا، وغطّت الحرب على مدار أكثر من 10 سنوات، وباعتبارها زميلة في زمالة جيم هوج لإعداد التقارير، التابعة للمركز الدولي للصحفيين، كتبت عن حياة ثلاث صحفيات سوريات قدّمن تغطيات عن الحرب الأهلية.

وألهمتها القصة التي نشرتها لإطلاق منصة جديدة بعنوان "نساء ربحن الحرب"، وهي مُكرسة لخلق مساحة للسيدات لسرد قصصهن خارج الأطر النمطية كزوجات وأمهات وضحايا. كما تقدم المنصة الدعم والتدريب والتوجيه للصحفيات العاملات في مناطق النزاعات، مع التركيز بشكل خاص على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

تحدثتُ إلى قات عن "نساء ربحن الحرب"، وعن المستقبل الذي تراه للصحافة في الشرق الأوسط، وغيرها من القضايا:

أخبرينا عن "نساء ربحن الحرب"، من أين جاءت فكرة هذا المشروع؟

قات: بدأت الفكرة مع هذه الزمالة، التي منحها الصحفي الأميركي جيم هوج، الذي دائمًا ما كان يحاول فتح الأبواب لزملائه، وما تقدمت به هو قصة "ثلاث نساء ربحن الحرب"، التي ركزت على ثلاث سوريات كانت لهن حيوات مختلفة أثناء الحرب السورية، وشاركن في الثورة بطرق مختلفة.

أردتُ أن أروي قصصهن الشخصية لأسرد قصة الثورة والحرب السورية من منظور النساء المُلهمات وصانعات التغيير واللواتي باستطاعتهن جعل العالم مكانًا أفضل، وليس فقط بالطريقة التي نسمعها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث تُصوَّر النساء باعتبارهن ضحايا، أو ناجيات، أو زوجات أو أرامل الأبطال.

مَن هن النساء اللواتي سلطتِ الضوء عليهن في القصة؟

المرأة الأولى هي لبنى قنواتي، وهي نسوية سورية، وناجية من هجوم كيميائي، رحلت عن دمشق إلى المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة، ثم اضطرت للهروب إلى شمال سوريا، ومن ثم إلى تركيا، ومن تركيا إلى فرنسا.

وفي فرنسا، شاركت في تأسيس "النساء الآن لأجل التنمية"، وهي منظمة مجتمع مدني تركز على النساء. إنّها هذا المزيج الجميل للغاية بين النعومة والأنوثة، وفي الوقت نفسه تمتلك قوة فائقة، وهو أمر جميل حقًا لأنّنا في أغلب الأوقات، نتبنى كصحفيات سلوك الرجال. 

والثانية هي حنين السيد، وهي صحفية أصغر سنًا وتعيش في شمال سوريا، في منطقة يُسيطر عليها المتشددون، ونزحت عدة مرات وانتهى بها الحال في عفرين، وهي منطقة اضطر كل الشعب الكردي للفرار منها، وهي صحفية مستقلة، اضطرت لإيقاف دراستها في الجامعة بسبب الحرب، ولكنّها واصلت تقديم التغطيات.

أما الثالثة فهي رزان زيتونة، وهي محامية وترعرعت أيضًا في دمشق، وفي الواقع، أنا درست في نفس الجامعة معها، وتعرضت للاختطاف على يد [جماعة متمردة إسلامية سورية] وهي جيش الإسلام في 2013، مع صديقاتها الثلاث، ولم تعد قط، ولا نعرف إذا كانت على قيد الحياة أم لا، ولكنّها ربحت حربها. كما شهدت أيضًا الهجمات الكيميائية ووثقتها للأمم المتحدة عندما وقعت.

 

Mais Katt
ميس قات

 

عندما تقولين إنّ زيتونة "ربحت حربها"، بينما لم تنتصر الحرب الفعلية في ساحة المعركة في سوريا بعد.. هل يُمكن أن تشرحي أكثر قليلًا ما تعنيه بربح الحرب هنا؟

إذا بدأت الحرب بنفسك، ترى أنّ ربح الحرب هو الانتصار في الحرب فعليًا، بمعنى الاستيلاء على الأرض أو تقلد منصب سياسي.

ولكن إذا لم تختر الحرب، يُمكنك أيضًا ربح حربك بطريقتك، بأن تجعل زمن الحرب وقتًا أفضل للناس، عن طريق المساعدة والدعم والإلهام، وكذلك، تغيير مسارات الآخرين، لذلك أسميتها "ربح الحرب".

كيف انبثقت منصة "نساء ربحن الحرب" من هذه القصة؟ 

أثناء الفترة التي كنت أكتب فيها القصة، توفى جيم هوج، ما جعلني أفكر في رغبتي بأن يكون هذا مشروعًا مستمرًا، وشعرت أنّ هناك الكثير جدًا ليُقال، وأيضًا عندما كنت أبحث عن هؤلاء النساء الثلاث، وجدت العديد من القصص الرائعة الأخرى التي تستحق أن تُروى.

وشعرت أنّه من المهم للغاية أن يكون مشروعًا مستمرًا، وهو ما توافق تمامًا مع رؤية جيم هوج نفسه أيضًا، ووجدت هذا الارتباط بين هذه الفكرة وما أرغب حقًا في فعله وغرض هذه الزمالة. أنظر لهذه المنصة باعتبارها منصة لسرد قصص أكثر عمقًا وطولًا، والتركيز على النساء المتواجدات في مناطق النزاع واللواتي لا يقمن بتغطية الحرب فحسب، بل أيضًا الحرب الاجتماعية، والتحديات التي قد تواجهها أي امرأة في المجتمع.

ومن ناحية أخرى، لاحظت أنّ لدينا فجوة كبيرة مع الصحفيات اللواتي يقدمن الصحافة الاستقصائية أو الصحافة العميقة، ففي منطقتي، تقدم النساء قصص "الفيتشر"، والقصص القصيرة، ويركزن أكثر على الأمور الاجتماعية، ولكن ليس على الصحافة العميقة. وهذه هي المهمة الأخرى لهذه المنصة، والتي تكمن في تقديم التدريبات وبناء القدرات وتوفير الفرص للصحفيات الشابات لإنتاج قصص ذات تأثير عميق.

وعلى الصعيد الشخصي، فإنّه يعني لي الكثير أن أكون جزءًا من تغيير وجهات النظر وتغيير السرد الدائر حول النساء في الشرق الأوسط، وأن أروي القصص الحقيقية التي تحدث على الأرض؛ لأنّ المنتصرين الفعليين في الحرب هم دائمًا من يسردون قصص وروايات الحرب والثورة والنزاعات، وقد يكون الأمر شخصيًا للغاية أن نروي سردنا كنساء وأن نتحدث عن الحرب من منظورنا.

ما الذي ترينه كمستقبل للصحافة في الشرق الأوسط؟

عندما ألقي نظرة على الصحافة في الشرق الأوسط، يصعب جدًا أن أكون متفائلة. فالصحافة جزء من الديمقراطية، ومن ثم، لا تتعلق بالنزاعات فحسب، بل بالديكتاتوريات أيضًا، وهناك أيضًا الذكورية في هذا المجتمع، فالأمر ليس سهلًا على الإطلاق، والطريق مليء بالعراقيل.

إنّ التفاؤل صعب للغاية، ولكنّني أيضًا أريد حقًا توصيل رسالة للناس: لا تستسلموا. ولهذا السبب، من الأهمية بمكان مواصلة العمل الذي يقوم به المركز الدولي للصحفيين، من خلال تقديم الصحافة النموذجية، وبناء القدرات، ودعم الأفراد والمؤسسات المستقلة الصغيرة؛ لبناء مساراتها الخاصة مع الأخذ بعين الاعتبار المبادئ التي تؤمن بها.

ترشحتِ مؤخرًا للقائمة القصيرة لجائزة الصحافة الأوروبية 2024، ماذا يعني هذا الأمر لكِ؟

باعتباري صحفية مهاجرة تعيش في أوروبا، فهذا الترشيح يعني الكثير بالنسبة لي، فأنا أرى أنّ هذا الترشيح عن قصة تتناول الفجوات في التمييز بين الجنسين داخل نظام الهجرة الأوروبي بمثابة دفعة كبيرة لعملي على قضايا النساء والهجرة ومناطق النزاع، مما يجعلني أكثر التزامًا بمشروع "نساء ربحن الحرب"، وأكثر إصرارًا على مواصلة العمل عليه أكثر.


الصورة مُهداة من ميس قات.

تم تحرير هذه المقابلة من أجل الطول والوضوح.