كيف يغطي الصحفيون في تركيا أزمة المناخ؟

Jan 12, 2024 في تغطية قضايا البيئة
مدينة في تركيا على طول المياه

على الرغم من أنّ الأزمة المناخية عالمية، إلا أنّ عددًا قليلًا من الصحفيين في تركيا يقدمون التقارير عنها، وعندما يفعلون ذلك، غالبًا ما لا يتمكنون من إيصال مدى أهمية القضية.

وقال منسق سياسات تركيا في شبكة العمل المناخي، أوزليم كاتيسوز: "هناك غياب ملحوظ للخبراء في مجال التغير المناخي والسياسات بين المراسلين والصحفيين في تركيا، وعلى وجه التحديد، هناك ندرة في الصحفيين المتخصصين في قضايا المناخ".

ومع ذلك، هناك بعض الصحفيين الأتراك الذين يكرّسون وقتهم لتغطية تغيّر المناخ، ويقدمون تغطيات عن موضوعات مثل إزالة الغابات جرّاء تعدين الفحم وحرائق الغابات الناجمة عن التغير المناخي، وآثار أسواق الوقود الأحفوري على المؤسسات العامة.

وإلى جانب العمل الذي يُنتجه القطاع الثقافي التركي، يسعى هؤلاء الصحفيون لتغطية الأزمة وتداعياتها الكثيرة في مواجهة التحديات المتعددة.

التحديات التي تواجه التغطية البيئية

يُعد ارتفاع درجة حرارة البحار التركية جرّاء التغير المناخي أحد الأمثلة على قضية لم تحظ بالتغطية الكافية في وسائل الإعلام التركية. ويقول علماء البحار إن آثاره - مثل ظهور سمكة المنفاخ الغازية وسمكة الأسد - تُشكل تهديدًا بالغًا للنظام البحري.

وأشار المدير المؤسس لجمعية الحفاظ على البحر الأبيض المتوسط وأول مواطن تركي يفوز بجائزة جولدمان للبيئة والمعروفة بجائزة نوبل الخضراء، ظافر كيزيلكايا، إنّ "المجتمعات صغيرة النطاق لم تتلقَّ تعليمًا جيدًا، وليس من السهل إقناع أفرادها بأهمية العمل البيئي".

كما يتردد العديد من الصحفيين - في ظل مشهد تهيمن عليه وسائل الإعلام الموالية للحكومة - في إنتاج أعمال صحفية تنتقد السياسات البيئية للحكومة. وتقلل مساهمة الدولة القليلة نسبيًا في الانبعاثات الكربونية مقارنةً بالدول الرائدة في الانبعاثات في العالم مثل الولايات المتحدة والصين، من مدى جدية استجابة الحكومة والجهات الصناعية لتغطية القضايا المناخية.

وغالبًا ما يتم اختزال استقلالية الطاقة في تركيا إلى قضية أمن وطني في السياسات السائدة. ويعتبر اعتماد الدولة على الفحم لتوليد الكهرباء قضية تُناقش في وسائل الإعلام الوطنية باعتبارها مسألة سياسات محلية، على الرغم من وجود التظاهرات ضد إزالة الغابات واسعة النطاق في منطقة بحر إيجة في أكبيلين، من بين سلسلة من الكوارث البيئية.

وفي 2021، أضافت الحكومة التركية "التغير المناخي" لاسم وزارة الصحة والتخطيط العمراني، ولكن ذلك لم يؤثر بقوة على تحسين ما يُعد وعودًا بتحقيق الأهداف البيئية بدلًا من اتخاذ إجراءات فعلية. 

التغطية البيئية في تركيا اليوم

ونتيجة لهذه التحديات، تُعد التغطيات الصحفية عن التداعيات طويلة المدى للانبعاثات المناخية معدومة من الناحية العملية.

وأوضح كاتيسوز: "مع الأسف، تُشكل ندرة الخبرة في مجال المناخ بين الممثلين الإعلاميين تحديًا عندما يتعلق الأمر بتغطية الأخبار من وجهة نظر مناخية في تركيا"، مضيفًا "ومع ذلك، استطعنا سد الفجوة من خلال التعاون مع زملاء التواصل من أصحاب الخبرة واستخدام قنوات التواصل المختلفة التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي".

وعلى سبيل المثال، يتمتع المركز البحثي المعني بشؤون المناخ، إمبر، بمكانة نادرة كونه يحظى باحترام كل من الجهات الفاعلة في الصناعة وعلماء البيئة نتيجة تقاريره الموثوقة التي تعتمد على البيانات الكمية المُجمعة والمُحللة من قبل فرق حسنة السمعة من الباحثين. وقال أوفوك ألب أرسلان، المدير الإقليمي لإمبر في تركيا: "كان نهجنا إيجاد حل وسط بين التشاؤم والتفاؤل في رسائلنا".

وفي دراسة حديثة، أشاد "إمبر" بنسبة تركيا في توليد الكهرباء من طاقة الرياح مقارنة بدول أخرى، بينما انتقد تراجع استخدام الطاقة الشمسية. واستكمل ألب أرسلان: "يكون لهذا النوع من الرسائل والتأطير في تركيا تأثير جيد – مثل استقلالية الطاقة والاستيراد- مما يجعل تركيا أكثر استقلالية عن دول أخرى"، مضيفًا "ولكن إذا ركزت على الجوانب البيئية فقط من الأمر مثل هدف تقييد ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية أو خفض الانبعاثات، ستجد أنّ الناس ليسوا مهتمين حقًا بهذا الأمر".

وحققت بعض وسائل الإعلام البديلة الصغيرة التي تُغطي أخبار المناخ والقضايا البيئية بعض النجاح في تغطياتها، ويتضمن ذلك الموقع الإلكتروني Yeşil Gazete، ومجلة Kaldıraç الاشتراكية الشهرية، حيث غطى الموقع والمجلة احتجاجات ضد تعدين الفحم وتدمير المساحات الخضراء بسبب المشاريع العملاقة في ظل عهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. كما قدمت وسائل إعلامية أكثر انتشارًا، بما في ذلك سلسلة "أخضر" الصادرة عن محطة راديو Açık Radyo، والإصدارات الإخبارية اليسارية مثل صحيفة BirGün اليومية، بعض التقارير عن محطة الطاقة النووية الروسية في تركيا والاحتباس الحراري، من بين قضايا أخرى.

وغالبًا ما تكون جهود الصحفيين المحليين محدودة في إشراك الجماهير العالمية نظرًا لتركيز التمويل الأجنبي على التغطية باللغة التركية، وهذا يؤدي إلى وجود خيارات تمويلية أقل للنشرات البريدية المستقلة الناطقة باللغة الإنجليزية مثل Turkey recap أو ANKA Review.

ولجأ بعض الصحفيين الأتراك - مثل سيلين أوغورتاس – إلى Substack لضمان الاستدامة. كما تلقى مشروعها "ثلاثة قرون على نار هادئة" تمويلًا من منصة الديمقراطية الاجتماعية الألمانية، مؤسسة فريدريش إيبرت.

وبالنسبة للإصدارات الأخرى، تتقاطع القضايا البيئية مع قضايا مُلحة أخرى مثل حقوق العمال. وتنشر Direnisteyiz - وهي منصة يسارية متطرفة تركز على القضايا الاجتماعية الاقتصادية - التقارير بشكل يومي عن المشروعات الصناعية وإزالة الغابات، وغالبًا ما تتعرض للحجب على يد الرقابة الحكومية. وقال الصحفي في مجلة Kaldıraç، توغن جوموساي: "ليس هناك رؤى عامة في تركيا"، موضحًا "لا يعرف الاشتراكيون في تركيا ما يتحتم عليهم فعله فيما يتعلق بالقضايا البيئية. وتُعد البيئة مشكلة أساسية، ولكن ليس هناك معرفة بشأن ما الذي سنفعله بشأنها وكيف سنفعله".

التغطية الفنية والبيئية

وتُعد تجارة النشر العالمية للفنون المحلية من المجالات القليلة المتبقية للصحافة المستقلة. وفي المجلات الإلكترونية والإصدارات الرقمية، تنجو أصوات المجتمع المدني الليبرالي في مواجهة النزعة التحريفية الثقافية الاستبدادية التي يروجها نظام حزب العدالة والتنمية التركي.

وقال المؤرخ الأكاديمي والفني، فرات أراب أوغلو: "بدأ الأشخاص المهتمون بالقضايا البيئية المقاومة ضد الحكومة أثناء احتجاجات جيزي في 2013"، موضحًا "لدينا تاريخ مقاومة جيد". وأضاف: "لذلك ينبغي علينا طرح أسئلة عن هذه القضايا، وخاصة بالنسبة للشركات الداعمة للمعارض الفنية بينما تُسبب ضررًا للطبيعة في الوقت نفسه"، مشيرًا إلى أنّ مظاهرات متنزه جيزي بدأت باعتبارها مبادرة لحماية متنزهات المدينة الداخلية.

ومع ذلك، فالعلاقة بين الفنون والتغير المناخي مُعقدة. وقال أراب أوغلو: "تُعد Koç، وSabancı، وليماك، مجرد أمثلة قليلة للشركات في تركيا التي تدعم الفنون ولكن في نفس الوقت تشارك في مشروعات تضر البيئة". وفي مقالة كتبها لمجلة ArtDog التركية، انتقد أوغلو رعاية الفنون التي يقوم بها رئيس شركة ليماك القابضة، إبرو أوزدمير، مسلطًا الضوء على كيفية رعاية شركات مثل ليماك فنون نشطاء البيئة بينما تتواطأ في استخراج الفحم وإزالة الغابات. وفي مقالة أخرى، أفقد أراب أوغلو مصداقية المعارض الفنية ذات الطابع البيئي التي يقدمها بنك شكر بينما يدعم الصناعات المُدمرة للبيئة.

وقال أراب أوغلو: "يحتاج جمهور الفن ومحبوه معرفة ما تهدف الشركات المدمرة للبيئة إلى تحقيقه برعايتها للمشاريع الفنية والثقافية، والمشكلات المحتملة التي تتسبب بها"، مضيفًا "لن يكون العالم صالحًا للعيش.. هذا ما نقوله جميعًا".


الصورة حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة Emre.