كيف تستخدم حكومة الهند بيغاسوس للتجسس على الصحفيين؟

بواسطة Hanan Zaffar and Jyoti Thakur
Mar 7, 2024 في حرية الصحافة
صورة لكاميرا مراقبة

عندما كشف تحقيق استقصائي مشترك نشرته منظمة العفو الدولية وصحيفة واشنطن بوست في ديسمبر/كانون الأول 2023، عن استهداف الصحفيين في الهند بواسطة برنامج التجسس والقرصنة، بيغاسوس، لم يتفاجأ المحرر المؤسس لـ The Wire، سيدارت فاراداراجان، من أنّ هاتفه كان من بين الهواتف الخاضعة للمراقبة، وقال: "نظرًا إلى الوضع الحالي، لم أُصدم عندما ظهر اسمي في قائمة التجسس".

ويُعد بيغاسوس، المُطور من قبل الشركة الإسرائيلية، NSO Group، والذي يُباع للحكومات ووكالات إنفاذ القانون فقط، سلاحًا سيبرانيًا قادرًا على اختراق الهواتف المحمولة وجمع بيانات كثيرة من الرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني وغيرها، كما بإمكانه تنشيط كاميرات وميكروفونات الهاتف، وكل ذلك بدون علم مالك الهاتف.

وأشار فاراداراجان – والذي كان أيضًا من بين 40 صحفيًا هنديًا استهدفهم برنامج التجسس في 2021: "ما أثار غضبي حقًا أنّ السلطات لا تزال تلاحق الصحفيين لقيامهم بعملهم". ووفقًا لتحقيق منظمة Forbidden Stories، ومنظمة العفو الدولية، حول مشروع بيغاسوس، ظهر أكثر من 300 رقم هاتفي في الهند في ذلك العام على قائمة الأفراد الذين يراقبهم عملاء الشركة. وبالإضافة إلى صحفيين بارزين، تضمنت القائمة القائد في حزب المؤتمر الوطني الهندي، راهول غاندي، ومفوض الانتخابات السابق، أشوك لافاسا، وكلاهما يُعتبران تهديدين لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، إلى جانب عشرات النشطاء، والسياسيين المعارضين وغيرهم.

وأضاف فاراداراجان: "على الرغم من شعوري البالغ بالانزعاج عندما أدركت في 2021 أنّني كنت مستهدفًا من قبل بيغاسوس، إلا أنّ The Wire، ربما تتصدر قائمة المنصات الإعلامية التي لا تحظى بإعجاب الحكومة الحالية، ومن ثم لم يُشكل الأمر مفاجأة لي على الإطلاق".

حرية الصحافة

لسنوات، تعرضت الحكومة الهندية لاتهامات باستخدامها برنامج القرصنة ضد المعارضين والخصوم، وفي 2018، ورد أنّ بيغاسوس نُشر للتلصص على نشطاء ومناصري الداليت الذين يُزعم تورطهم في أعمال عنف في بهيما كوريجاون في ولاية ماهاراشترا الغربية، ولا يزال العديد من النشطاء في السجن، وخضع بعضهم للمراقبة مجددًا بواسطة بيغاسوس بعد ثلاث سنوات من الواقعة.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصدرت شركة آبل إشعارات تهديد لمستخدمي هاتف آيفون الذين ربما يكون قد استهدفهم "مهاجمون ترعاهم الدولة"، وفي الهند، ورد أنّ ما لا يقل عن 20 سياسيًا معارضًا وصحفيًا، من بينهم فاراداراجان، قد تلقوا الإشعارات.

وأثارت المسألة الجدلية مجددًا نقاشات حول الخصوصية وتراجع حرية الصحافة في البلاد، والتي تراجع تصنيفها من "إشكالي" إلى "سيئ للغاية" في مؤشر حرية الصحافة العالمي لمنظمة "مراسلون بلا حدود".

وشرح فاراداراجان: "استخدام برنامج التجسس ضد الصحفيين يعني ببساطة وفاة حرية الصحافة لأنّ الفكرة تكمن في منعنا من العمل على قصص ترغب الحكومة في إخفائها".

وفاراداراجان ليس الوحيد بين الصحفيين الذين يعتقدون أنّ هجوم المراقبة الذي ترعاه الدولة لم يعد يُشكل مفاجأة، وخصوصًا في ظل حكومة حزب بهاراتيا جاناتا الأصولية الهندوسية، التي تولت السلطة منذ 2014، وتتنافس على فترة ولاية ثالثة في وقت لاحق من هذا العام.

وقالت الصحفية الاستقصائية والمؤلفة المقيمة في الهند، سواتي شاتورفيدي، والمستهدفة أيضًا من بيغاسوس: "أشعر أنّ هذه الحكومة جردت جوهر خصوصيتي". وأوضحت: "باعتباري امرأة، كنت أتعرض للتجسس على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع من قبل سلطة الدولة حتى في لحظاتي الخاصة"، مضيفةً "عندما تصبح صحفيًا، لا تُوقع على هذا النوع من الإساءة، لاسيما في ظل نظام ديمقراطي من حكومتك".

كما يواجه الصحفيون في الهند بانتظام المضايقات والترهيب من الهيئات الحكومية، من بين أشكال انتقامية أخرى بسبب عملهم.

لا وجود للمساءلة

ومنذ خروج نتائج مشروع بيغاسوس إلى النور في 2021، طالب خبراء الحقوق الرقمية وأحزاب المعارضة أنّ تتحمل الحكومة المسؤولية وتقترح تشريعًا يتناول حماية البيانات وحقوق الخصوصية.

ولم تُنكر حكومة حزب بهاراتيا جاناتا صراحة أبدًا استخدام بيغاسوس، ولكنها رفضت نتائج مشروع بيغاسوس، ووصفتها بأنّها "مؤامرة" من المعارضة والمنظمات العالمية لعرقلة تقدم الهند.

وقال المدير التنفيذي لمؤسسة حرية الإنترنت، براتيك واغري: "من خلال عدم صدقها، تُعطي هذه الحكومة انطباعًا بأنّه لم يحدث أي نشاط غير قانوني"، موضحًا "هذا يعني أنّه يتحتم عليك أن تأخذ كلمة الحكومة بدون تمحيص لأنّه من المستحيل معرفة ما حدث بالفعل".

ولتحديد ما إذا كان برنامج التجسس قد اُستخدم للتلصص على المواطنين أم لا، شكّلت المحكمة العليا الهندية، لجنة فنية للتحقيق في اكتشافات بيغاسوس لعام 2021، وأُخفيت نتائجها ولم تُنشر نهائيًا، وهو القرار الذي اعتقد الخبراء أنّه أثار تساؤلات حول انعدام الشفافية في المؤسسات الهندية. وقال واغري: "شجع غياب الرقابة والإشراف القضائي والتشريعي، الحكومة على استخدام بيغاسوس مجددًا وعدم مواجهة أي عواقب".

صعوبة ممارسة الصحافة

ونظرًا لانعدام الخصوصية وزيادة المضايقات، يجد المراسلون الهنود صعوبة أكبر من أي وقت مضى في تأدية عملهم.

وقالت شاتورفيدي، التي كانت هدفًا رئيسيًا للتصيد والتهديدات على وسائل التواصل الاجتماعي: "حصلت على جائزة حرية الصحافة للشجاعة من مراسلين بلا حدود في 2018، لكنّني لا أريد أن يتم اعتباري مثالًا للشجاعة"، وترى شاتورفيدي نفسها صحفية تحاول بكل بساطة تأدية عملها، وليست ناشطة.

وأضافت: "إذا كانت الحكومة تنتقم مني لقيامي بعملي وجعلتني أتعرض للتصيد، إذن يصبح من المستحيل ممارسة مهنتي، وخصوصًا عندما لا تمتلك دعمًا مؤسسيًا".

ومع عدم وجود ملاذ قانوني أو حماية للبيانات، يحترس الصحفيون في البلاد من استخدام الهواتف المحمولة أثناء العمل.

وفي النهاية، أوضح فاراداراجان: "اليوم نخاف بشكل خاص على سلامة مصادرنا ومعارفنا"، مختتمًا "إنّها ضربة مزدوجة حيث لا تحمي نفسك فقط وإنّما مصادرك أيضًا؛ لأنّه يبدو أنّ السلطات قادرة على الوصول إلى كل شيء نفعله تقريبًا على أجهزتنا الذكية".


الصورة حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة توبياس توليوس.