صحفيّة أسّست مركزًا للصحافة الاستقصائية توضح أهميّة التعاون عبر الحدود

بواسطة ديفيد ماس
Nov 12, 2021 في الصحافة الاستقصائية
باولا هولكوفا

لولا التحقيقات الصحفية التي أجرتها الاستقصائية التشيكية باولا هولكوفا، لما عرف العالم المدى الحقيقي للعلاقات بين المافيا الإيطالية والحكومة السلوفاكية، ولا وُجّهت أصابع الإتهام لمن قيل إنه وراء مقتل الصحفي السلوفاكي يان كوتشياك وخطيبته.

لا شك أننا لم نكن لنعرف ما يكفي من تفاصيل، ولا أن نفهم كيف قام رئيس الوزراء التشيكي أندريه بابيش بتحويل مبالغ طائلة عبر شركات خارج البلاد لشراء عقارات فاخرة في فرنسا، حسبما جاء في أحدث تحقيقات هولكوفا ضمن مشروع "أوراق باندورا". ولم يمرّ أسبوع حتى هُزم بابيش بفارق ضئيل في محاولة إعادة انتخابه.

وفي هذا السياق، تقول هولكوفا لشبكة الصحفيين الدوليين "إننا لا نعلم إن كان قد خسر الإنتخابات نتيجة لما أثاره تحقيقنا، أم أن الناس ببساطة كانوا قد اكتفوا منه". وتضيف الصحفية أنّ بابيش "سينضم للمعارضة الآن، فهو لن يصل إلى الحكومة، وهذا هو التأثير المستمر [للتحقيق]".

ولا تقتصر تحقيقات هولكوفا على "أوراق باندورا" فحسب، فالصحفية التي أسست المركز التشيكي للصحافة الاستقصائية وتعمل كمحررة لدى مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) سبق أن ساهمت أيضًا في مشروعي "أوراق بنما" (Panama Papers) و"أوراق الجنة" (Paradise Papers)، إضافة إلى تحقيقات غسيل الأموال الأذربيجانية والروسية. وقد تتبعت تحقيقاتها مبيعات الأسلحة غير القانونية بمبالغ طائلة إلى سوريا أثناء الحرب، كما كشفت عن الاستثمارات السرية التي قام بها ساسو ميالكوف، الرئيس السابق للشرطة السرية المقدونية.

وإضافةً إلى التقدير العالمي الذي تناله هولكوفا عن أعمالها، فقد كانت من بين الفائزين هذا العام بجائزة نايت للصحافة الدولية المقدمة من المركز الدولي للصحفيين. وكانت أول من أشار إلى الدور المحوري الذي يؤديه التعاون عبر الحدود في تغطيتها الصحفية، فالعمل مع الصحفيين الآخرين أتاح لها توسيع نطاق تحقيقاتها، كما شكّل حماية للقصص التي تعمل عليها وللزملاء المشاركين بها.

في هذا الصدد، تؤكد هولكوفا أنّ "[التعاون] أمر بالغ الأهمية لأنه [يوفر] لك البيانات التي لن تتمكن من الوصول إليها بطريقة أخرى، ولأنه يمكنك من الاعتماد على شخص آخر لمساعدتك". وتضيف أنّ التعاون مع الآخرين يعني "أننا نبعث برسالة قوية مفادها أنه إذا لم يتمكن أحدنا من نشر القصة، فإن الآخرين سيتولون ذلك، أي أن الشخص الذي يرغب في إيذائي سيضطر إلى إيذاء الشبكة بأكملها".

وهذا بالضبط ما حدث في أعقاب مقتل زميلها الصحفي كوتشياك عام 2018. فقد تمكنت هولكوفا وفريقها المكون من صحفيين ومؤسسات إخبارية في سلوفاكيا والتشيك من الحصول على معلومات من تحقيقات الشرطة في أنشطة رجل الأعمال ماريان كوتشنر، الذي كان كوتشياك يحقق في جرائمه المالية.

وتقول هولكوفا: "إننا تمكننا من استكمال كل القصص التي بدأ [كوتشياك] في العمل عليها، حيث جمعنا 70 تيرابايت من البيانات"، في إشارة إلى ما عُرف لاحقًا بتحقيق "مكتبة كوتشنر". وتضيف أنه باستخدام هذه البيانات، "استطعنا أن نقضي على جرائم هؤلاء الناس ونفضحها، ما أدى إلى انهيار النظام المبني على الفساد".

 

Pavla Holcová

 

تعتبر هولكوفا أنّ تحقيق "مكتبة كوتشنر" هو الأكثر نجاحًا في عملها، إذ أدى إلى تنحي كبار السياسيين السلوفاكيين، بما فيهم رئيس الدولة ورئيس الوزراء والمسؤولين الإقليميين. كما استقال كبار مسؤولي الشرطة ووجهت تهم الفساد وعرقلة سير العدالة إلى 21 قاضيًا. وتوضح الصحفية أنّ "الإطاحة الحكومة تمت لأن النظام الذي قاموا بإنشائه سمح بذلك"، فقد "استطعنا كشف الروابط بين أصحاب النفوذ والأثرياء وبين السياسيين والقضاة، ولم ينهار النظام إلا بعد قيامنا بذلك".

وتعتمد هولكوفا في عملها ضمن التحقيقات التعاونية على خبرتها في تغطية الجرائم المالية، التي تقول إنها أمضت ساعات طويلة في الحديث عنها إلى مختلف الخبراء، بما فيهم المراجعين الجنائيين ومحققي الشرطة والأشخاص المطلعين على أنظمة الحسابات البنكية خارج البلاد. وتشير إلى شبكة العدالة الضريبية كأحد الموارد المفيدة للصحفيين المهتمين بتغطية مثل هذه القضايا، مضيفة أنها تقرأ "الكثير من الكتب التي تركز على الشؤون والجرائم المالية، والتي ستتضح مع مرور الوقت".

ولا تدخر الصحفية الاستقصائية جهدًا لفضح الفساد والجرائم، فقد تخفت ذات مرة كبائعة هوى لتتحدث إلى عصابة مخدرات أمريكية-صربية داخل سجن شديد الحراسة في بيرو. وتقول إنها في تحقيق آخر، ادعت أنها مديرة بنك لتتعامل مع زوجة أحد أباطرة المخدرات في البلقان، والتي كانت مهتمة بفتح حساب بنكي في جمهورية التشيك.

وعلى الرغم من كل ذلك، فإنّ أبرز ما يميز هولكوفا هو تواضعها. فهي أول من ينسب نجاح تغطيتها الصحفية لزملائها، قائلة "أنا حقًا أعمل مع أشخاص وصحفيين رائعين، سواء كان ذلك في المركز التشيكي أو في مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد". وتضيف أنهم "ليسوا كنجمات الباليه، فهُم يتشاركون معك ويتحدثون إليك ويحاولون مساعدتك ويدعمونك، مما يُعد محفزًا هائلًا".

وبالنسبة لهولكوفا، فإنّ الجائزة المقدمة من المركز الدولي للصحفيين تأتي تقديرًا لهذه المجموعة من الصحفيين الذين عملت معهم. وتعتبر نفسها "مجرد واجهة لهذا النجاح – فهذه الجائزة مقدمة للفريق الذي نعمل معه بأكمله، ولولاهم لما وصلت أبدًا إلى هذه المرحلة ولما عملت بالصحافة".

إنّ التهديدات التي تتعرض لها الصحافة المستقلة على مستوى العالم في تزايد مستمر، ما يجبر الإعلاميين على مواجهة حملات القمع المتزايدة التي تهدد حياتهم وتهدف إلى إسكاتهم وعرقلة عملهم الصحفي. وفي هذا الإطار، تتطلع هولكوفا إلى استغلال خبراتها وتجاربها لإفادة الصحفيين الناشئين وإعدادهم لسرد قصص المستقبل. وهذا ما تركز عليه في عملها بالمركز التشيكي، حيث بدأ أغلب موظفيها كمتدربين واكتسبوا المهارات الهامة أثناء عملهم هناك.

وتقول هولكوفا إن خطتها هي "نقل المعرفة والخبرة إلى الشباب ودعم زملائي في التشيك والتركيز عليهم بشكل أكبر"، وتضيف أنهم "موهوبون للغاية ويقومون بعمل رائع – ونحن بحاجة إلى [تنمية] المزيد من المواهب".


الصورة الرئيسية مقدمة من باولا هولكوفا.