خلال فترات وقوع الزلازل يتنامى الدور المحوري للصحفيين ليصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، لما يتحملونه من مسؤولية في توجيه المتابعين ونقل الأحداث بدقة ومهنية خلال هذه اللحظات الحرجة التي يطغى فيها الخوف وتسيطر أي معلومة على الأذهان سواء كانت صحيحة أو زائفة. لهذا تزيد مسؤولية الصحفيين الذين يريدون النشر بسرعة والتحقق من المعلومة بعناية وحذر بالوقت نفسه. كما تتزايد مسؤوليات الصحفيين الميدانيين في المناطق المتضررة أثناء تغطية الزلازل لتشمل الحفاظ على سلامتهم وسلامة معداتهم.
بعد الزلزال العنيف الذي ضرب مناطق مراكش والحوز في المغرب، تقدم شبكة الصحفيين الدوليين بعض النقاط الهامة التي يجب مراعاتها خلال تغطية الزلازل، وتشمل شهادات من صحفيين مغاربة يعملون على التغطية المتواصلة لأخبار الزلزال، وبعض النصائح والإرشادات للصحفيين الميدانيين لتعزيز الأمن الجسدي خلال تغطية الزلازل، مع تقديم بعض المصادر والتجارب المحلية التي تقدم أرقامًا وأخبارًا موثوقة وتحارب الأخبار الزائفة.
شهادات وتجارب صحفيين مغاربة في تغطية أخبار الزلزال
مباشرة بعد الزلزال تواصلت شبكة الصحفيين الدوليين مع بعض الصحفيين والصحفيات الذي يعملون على تغطية أخبار الزلزال سواء من عين المكان أو من داخل غرف الأخبار، للتعرف على تجاربهم والإجراءات المعتمدة في تغطية الأخبار.
وفاء التوزري، صحفية بإذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية (ميدي1) وصفت لنا أجواء التغطية الإذاعية المتواصلة لأخبار الزلزال، حيث بدأت مباشرة بعد تلقي الخبر بحزن شديد وتم عقد اجتماع في قسم التحرير في الثانية صباحًا، وبعدها تمّت المباشرة في ربط الاتصال بالجهات الرسمية مثل وزارتَي الداخلية والصحة للحصول على المعلومات الرسمية من مصادر موثوقة، ومن خلال خلية أزمة تم إحداثها بالإذاعة يتم نشر المعلومات للمستمعين فور التحقق منها في القسمين العربي والفرنسي مع استمرار التغطية لكل الأخبار لحظة بلحظة.
أمّا بالنسبة لجريدة العمق المغربي التي حدثنا مدير نشرها محمد لغروس والتي يتواجد مقرها بالعاصمة الرباط، فقد شدّد على أهمية التغطية الميدانية، لهذا عززت الجريدة فريق عملها المتواجد بمكتب مراكش بصحفيين آخرين لضمان المتابعة المستمرة والآنية للأخبار مع ضمان التواجد للتأكد من الخبر من مصدره.
كما تعاون موقع القناة الثانية المغربية مع مراسلين ميدانيين يشتغلون على التغطية المستمرة لكل أخبار الزلزال، من بينهم الصحفي أسامة طايع الذي صرح لنا أنّ التغطية تجري بثلاث لغات رسمية للمغرب وهي العربية، والأمازيغية التي يتحدث بها غالبية السكان بالمناطق المتضررة، والفرنسية نظرًا لكون مراكش يقطنها العديد من الفرنسيين والمتحدثين باللغة الفرنسية، لتسهيل التواصل مع كل فئات المجتمع المغربي.
إجراءات السلامة خلال تغطية الزلازل والكوارث الطبيعية
تتطلّب التغطية الصحفية للزلازل والكوارث الطبيعية اتخاذ إجراءات سلامة خاصة لضمان سلامة الصحفيين أثناء العمل في مثل هذه الظروف الخطرة. لهذا نذكركم ببعض الإجراءات التي يجب أن يتبعها الصحفيون أثناء تغطيتهم للزلازل والكوارث الطبيعية والتي تشمل أولًا التدريب والتحضير مع تقييم المخاطر والاستجابة لها.
في هذا السياق، ذكرت فدوى كمال، مديرة مشاريع ومصممة مناهج تدريبية بالمركز الدولي للصحفيين أنّ على الصحفيين أن يتذكروا بأن الزلازل تكون غير متوقعة، ولذلك عند تغطية مثل هذه الأحداث فإنّ من الضروري التحلي بالمرونة والقدرة على التكيف والالتزام بالسلامة، كما هو الحال في حالة زلزال المغرب بحيث أن المنطقة التي ضربها الزلزال جبلية وذات تكوين جيولوجي يتطلب معرفة مسبقة بالطرقات الوعرة والملتوية والتي ازدادت خطورة بعد الانهيارات الصخرية.
وهنا ينصح أسامة طايع، الصحفي بموقع القناة الثانية الرسمية المغربية الذي يغطي أخبار وتداعيات الزلزال ميدانيًا بضرورة الانتباه لمثل هذه التفاصيل لما يتطلبه الأمر من استعانة بمرشدين محليين ذوي علم بالمسالك والطرقات.
وأضافت كمال أنه على الصحفي التدرب باستمرار وحضور دورات تدريبية حول الإبلاغ عن الكوارث والأزمات، بغية التعرف على علم الزلازل وفهم أسبابها وتأثيراتها المحتملة والبحث عن التاريخ الزلزالي للمناطق المعرضة للخطر وسيناريوهات التأثير المحتمل، لأنّ ذلك يساعد على توقع المناطق التي قد تتطلب تغطية فورية في المستقبل.
ونصحت بتعلم ما يطلق عليه "ثلاثية بروتوكول السلامة" أثناء التعامل مع تداعيات الزلازل (السقوط، التغطية، الانتظار)، أي أن تسقط وتتجنب أن تبقى واقفًا، ثم تغطي رأسك لاتقاء ما يمكن أن يؤذيك أثناء الهزات الأرضية. كما يجب اتباع إجراءات أخرى مثل:
- التأكد من توفر الدعم والموارد اللازمة للتعامل مع الجوانب النفسية للأحداث الكارثية.
- تمشيط المنطقة التي ستغطيها عبر تحديد منافذ الهروب ومكان الملاجئ والطوارئ وخريطة المرافق الصحية القريبة.
- التواصل المسبق مع السلطات المحلية وفرق الطوارئ ووكالات إدارة الكوارث للحصول على المعلومات الكافية حول كيفية الوصول إلى المناطق المقيدة.
- ضرورة مشاركة خطة الرحلة ومعلومات الاتصال الخاصة مع زميل موثوق به أو مع أحد أفراد العائلة حتى تضمن جهة اتصال من خارج المدينة في حالة انقطاع وسائل الاتصال المحلية.
هذه الإرشادات وغيرها وردت بشكل مفصل في دليل تغطية الأخبار في عالم خطير ومتغير للجنة حماية الصحفيين، وأيضًا في الدليل الذي أنتجه مؤسسة اليونيسكو والذي يحمل اسم دليل السلامة للصحفيين: دليل عملي للصحفيين في المناطق المعرضة للخطر.
إرشادات أو موارد للصحفيين الذين يريدون معرفة أرقام وأخبار موثوقة
من الأمور التي أصبحت واردة بقوة خلال الكوارث الطبيعية مثل الزلازل، انتشار الشائعات والأخبار غير المؤكدة بسرعة، لهذا على الصحفيين والخبراء الحذر والتحقق من مصداقية المعلومات قبل نشرها.
في هذا الصدد، تواصلنا مع ياسمين لعبي، وهي صحفيّة في خدمة تقصي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس التي أشارت إلى أنّ عملية التحقق من المعلومات المتداولة تتم برصدها أولًا ومتابعتها بحذر، والرصد يكون من خلال الاطلاع على المعطيات الأوليّة التي ترد عبر المسؤولين والمتخصصين والبيانات الرسميّة ما يُسهل فهم السياق وحجم الكارثة وملابساتها، ثم البحث عن الأخبار الرائجة في مواقع التواصل الاجتماعي ومطابقتها مع ما يجري في الواقع لتبدأ عمليّة التحقق من الأخبار والمحتوى الذي يكون موضع شك.
كما أضافت أن التحقق يكون بإعمال الحس النقدي والتحليل الأولي للخبر والاطلاع على المعلومات المتوفرة، وفي بعض الحالات التواصل مع المراسلين الميدانيين للتثبت من الوقائع أو نفيها.
ثم أكدت على الدور المهم للأدوات التقنية للبحث العكسي، للتحقق من الصور ومقاطع الفيديو بغرض العثور على تاريخ نشرها الأول إذا كانت تُستخدم في سياق زمني مضلّل، أو لمعرفة مكان التقاطها الأصلي. فمثلًا، صفحات ومواقع إخبارية عدّة نشرت مقطعاً لمصلين في مسجد خلال هزة أرضيّة، وقالت إنه صوّر خلال زلزال المغرب، في حين أنّ زلزال الحوز ضرب حوالى الساعة الحادية عشر وعشر دقائق ليلاً، وهو ليس وقت صلاة، ما يستوجب إذاً التشكيك في صحة الفيديو والتحقق من أصله.
وفي ردها عن سؤالنا حول بعض الإرشادات للحصول على المعلومات الموثوقة، أشارت ياسمين إلى أنّ ذلك يتأتى أولًا بمتابعة وسائل الإعلام التي تتعاون مع مراسلين، وأخذ المعلومات الخاصة بطبيعة الزلزال وأعداد الضحايا من المصادر الرسمية، وهو ما أكدت عليه أيضًا الصحفية وفاء التوزري في مداخلتها عن التحقق من الأخبار من مصادر رسمية مثل وزارة الداخلية ووزارة الصحة والسلطات المحلية، كما أنّ مدير نشر العمق المغربي أكد على أهمية التواجد ميدانيًا للتأكد من الخبر من مصدره.
وفي السياق نفسه، أطلقت مجموعة من المنابر الإعلامية المغربية منصات ومبادرات لنشر الأخبار الموثوقة والتحقق من المعلومات، بحيث أطلقت وكالة المغرب العربي للأنباء خدمة SOS Fake News التي تواكب زلزال الحوز عبر رصد وتفنيد الأخبار الزائفة على مدار الساعة.
كما أطلقت القناة التلفزيونية MEDI1TV مبادرتها للحد من تدفق الأخبار الكاذبة حول الزلزال من خلال وصلات توعوية وصفحة خاصة بموقعها الإلكتروني لنشر المعلومات الموثوقة، ودعت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف إلى محاربة الأخبار الزائفة والتركيز على الجودة المهنية والتقيد بأخلاقيات المهنة والمسؤولية المجتمعية.
الصورة الرئيسية مقدمة من الصحفي أسامة الطايع.