طالب علماء وباحثون عاملون في مجال الصحة العالمية إلى إعادة تفعيل برنامج المسوحات السكانية والصحية (DHS)، الذي يجمع بيانات صحية في أكثر من 90 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل.
وأنتجت المبادرة ما يقرب من 2000 من قواعد البيانات وذلك على مدار 40 عامًا، والتي استند إليها أكثر من 300 تقرير و6000 ورقة بحثية مُحكّمة. ووفقًا لتحالف داتا-بوب، "فإنّ غياب هذا البرنامج يخلق فراغًا في البنية التحتية للتنمية المستندة إلى الأدلة".
وقد تأثر برنامج DHS، الممول من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بتخفيضات المساعدات الخارجية الأميركية التي أمرت بها إدارة ترامب في يناير/كانون الثاني. ويوضح الشريط الأحمر الموجود في أعلى الموقع الإلكتروني للبرنامج أنه "نظرًا للمراجعة المستمرة لبرامج المساعدات الخارجية الأميركية، فإن برنامج DHS متوقف حاليًا. ولا يمكننا الرد على أي طلبات بيانات أو غيرها في الوقت الحالي. نرجو منكم التحلي بالصبر".
ويمثل تعليق هذا البرنامج ضربة للصحفيين الأفارقة مثل هنري موجيني، الصحفي المتخصص في الشؤون الصحية، والحائز على جوائز والذي يعمل في قناة NBS التلفزيونية في أوغندا. وقال: "يُعتبر برنامج DHS من بين مصادر البيانات القليلة المُتاحة للجمهور التي تتسم بالمصداقية والاستمرارية وإمكانية الوصول العام، والتي يُمكن للصحفيين والباحثين والمجتمع المدني الاعتماد عليها"، مضيفًا أن "غياب هذا البرنامج يعني فقدان مرجعًا أساسيًا وخصوصًا في الصحافة المسؤولة عن المساءلة وذلك فيما يتعلق بتغطية التزامات أوغندا تجاه أهداف التنمية المستدامة أو التغطية الصحية الشاملة".
فهم مبادرة برنامج DHS
وأطلقت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية برنامج DHS في عام 1984، وأجرى أول مسح وطني له في السلفادور عام 1985، حيث جمع بيانات عن الخصوبة، ووفيات الأطفال، وتنظيم الأسرة، كامتداد للمسح العالمي للخصوبة.
وانطلاقًا من المسح الأولي، ركّز برنامج DHS في بداياته على جمع بيانات تتعلق بصحة النساء والأطفال، إلى جانب موضوعات أخرى مثل وسائل منع الحمل، والحمل، والرعاية بعد الولادة، وتطعيم الأطفال وغيرها. وعلى مدار السنين، أُضيفت أسئلة متعلقة بالعنف الأسري، وصحة الرجال، والمواقف والسلوكيات، وختان الإناث، والمعرفة بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز).
كما أطلق البرنامج مجالاً بحثيًا جديدًا حول تمكين المرأة، إلى جانب كونه منصة لاختبار أساليب مختلفة في إجراء المسوح وقياس المؤشرات. وقد أصبح الباحثون، وصانعو السياسات، والصحفيون يعتمدون على استطلاعات رأي DHS التي تُجرى في الدول المستهدفة كل خمس سنوات تقريبًا، وبالتعاون مع الهيئات الإحصائية المحلية.
وقد استخدمت الحكومات بيانات المسح لتحديد المشكلات الصحية ووضع برامج وطنية لمعالجتها. وعلى سبيل المثال، أشارت أحدث خطة استراتيجية لقطاع الصحة في تنزانيا إلى مسح الصحة السكانية في البلاد 48 مرة، مستندة إلى البيانات التي يوفرها عن معدلات الولادة، واستخدام وسائل منع الحمل، وانتشار طفيليات الملاريا بين الأطفال دون سن الخامسة، كما تضمّنت الخطة الإشارة إلى مسح TDHS المرتقب في عام 2026 وذلك ضمن جهود التخطيط المستقبلية.
التداعيات
أنهت إدارة ترامب رسميًا برنامج DHS في أواخر فبراير/شباط، "لراحة الحكومة الأميركية"، وذلك وفقًا لما أشارت إليه مؤسسة بروكينغز، فإن هذا الإلغاء عرّض عددًا من المسوح الجارية لخطر الضياع أو حجب نتائجها عن الجمهور بشكل دائم.
-
وشملت قائمة الدول التي تعطّلت فيها جولة المسح الأخيرة: أنغولا، وبوروندي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، وغينيا، وإندونيسيا، وملاوي، ومالي، ونيجيريا، والفلبين، ورواندا، وجنوب أفريقيا، وطاجيكستان، وتيمور الشرقية، وتوغو، وزامبيا، وزيمبابوي.
-
الدول التي كانت مسوحاتها على وشك الانتهاء: إندونيسيا، ومالاوي، ونيجيريا، وزيمبابوي.
-
الدول التي اكتمل فيها أحدث مسح لكن لم يُنشر بعد: مالي وطاجيكستان.
-
وبالنسبة للدول التي كانت تُجرى فيها مسوح متخصصة أصغر حجمًا، مثل مسح مؤشرات الملاريا، وتقييم مستوى تقديم خدمات الرعاية الصحية: غانا، وكينيا، ونيجيريا، ورواندا، وأوغندا، ونيبال.
التداعيات على الصحفيين الأفارقة
يلعب الصحفيون دورًا أساسيًا في نشر المعلومات المستخلصة من تقارير مسوح DHS، حيث يسلطون الضوء على الاتجاهات البارزة، والاختلالات، والتحسينات في مؤشرات الرعاية الصحية، ويُقدّمونها للجمهور عبر تغطياتهم الإخبارية التي تصل إلى المواطن العادي. كما يعتمدون كثيرًا على هذه التقارير لدعم عمليات التحقق من المعلومات.
وبعد صدور نتائج المسح الديموجرافي والصحي في كينيا لعام 2022، كتب الصحفيون تقارير عن انخفاض معدل الخصوبة في البلاد. وفي عام 2024، فنّد الصحفي مصطفى ك. داربو الادّعاء القائل بأن ختان الإناث لم يعد موجودًا في غامبيا، وذلك بعد أن قدّم بعض النواب مشروع قانون لإلغاء تجريم هذه الممارسة. ووفقًا للمسح الديموجرافي والصحي في غامبيا لعامي 2019-2020، فإنّ نحو 5 من كل 10 فتيات دون سن 14، وأكثر من 7 من كل 10 نساء تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا في غامبيا قد خضعن لختان الإناث. وقد رُفض مشروع القانون لاحقًا.
وقد استخدم موجيني بيانات مسح DHS على نطاق واسع في تغطيته الصحفية، لاسيما في مجالات صحة الأمهات، وانتشار فيروس نقص المناعة البشرية، وتغذية الأطفال، والوصول إلى خدمات تنظيم الأسرة في أوغندا. وقال: "أحد التقارير البارزة التي أعددتها كان في عام 2023، والذي تناول وفيات الأمهات في المناطق الريفية"، وأضاف قائلاً: "إنّ أرقام المسح الديموجرافي والسكاني DHS ساعدت في إظهار التفاوتات بين المناطق في الرعاية قبل الولادة وحضور مختصين أثناء الولادة، وهو ما أعطى التقرير قوة وتأثيرًا عند طرحه أمام صانعي السياسات والمنظمات غير الحكومية. ولولا هذه البيانات، لكان من الصعب إثبات حجم التفاوت في الحصول على الرعاية الصحية، بعيدًا عن القصص الفردية".
وقد اعتمد الصحفي الأوغندي، إدريس كيغوندو، وهو المدير التنفيذي لمنصة Bbeg Med، على بيانات مسوح DHS لأنها تتسم بالتغطية الشاملة لجميع المناطق الجغرافية في البلاد، مشيرًا إلى أن "إيقاف هذه المسوح سيؤثر على أحد أهم المصادر الرئيسية للمعلومات لدى الصحفيين الذين يغطون القضايا الاجتماعية والاقتصادية"، بينما أعرب يوسف تايلور، المحرر في وكالة الأنباء Askanwi Media في غامبيا، عن مخاوف مماثلة، مشيرًا إلى أنه "إذا تم تعليق برنامج DHS وفقدت غامبيا التمويل اللازم لإجراء هذه المسوح، فسيؤثر ذلك بشكل كبير على تغطيتنا الصحفية، لأننا لن نتمكن من توفير بيانات موثوقة عن التوظيف، والسكان، وغيرها من القضايا المهمة".
مصادر البيانات البديلة
وعلى الرغم من أن برنامج DHS يجري أكثر استطلاعات الرأي شمولًا في هذا المجال، إلا أنه بإمكان الصحفيين الرجوع إلى البيانات التي جمعتها المنظمات الأخرى التي أجرت أبحاثًا مماثلة، مثل:
- الهيئات الوطنية للإحصاء مثل مكتب الإحصاء الوطني في كينيا، ومكتب الإحصاء الوطني في نيجيريا، وهيئة الإحصاء في جنوب أفريقيا، وخدمة الإحصاء في غانا، وغيرها.
- بوابات بيانات البنك الدولي.
- وكالات الأمم المتحدة، وخاصةً استطلاعات المؤشرات المتعددة التي تجريها اليونيسف.
بالإضافة إلى ذلك، قمت بجمع مجموعة شاملة من موارد البيانات الإضافية التي يُمكنك الاطلاع عليها من خلال الضغط هنا.
الصورة الرئيسية المنشورة في المقالة حاصلة على رخصة الاستخدام على موقع Pexels بواسطة لورا جيمس.