يتناول الناس حول العالم الكثير من المواضيع ويتناقلون الأخبار والقصص، في الوقت الذي يبحث رواة القصص والصحفيون عن أخبار مميزة ومهمّة تجذب انتباه الناس، ليعدّوها وينقلوها لهم بإطار صحفي ومن خلال السرد القصصي أو التقارير الموسّعة.
لكنّ الوقت الحالي يُبرز تحديًا، يتمثّل بالعثور على قصص واضحة وشفافة وتحظى بثقة المتابعين. وهذا هو الأمر الذي تطرّق له كاتب هذا المقال جيمس برينير، موضحًا أبرز الطرق والإستراتيجيات المعتمدة من قبل المؤسسات الإخبارية التي تهتم بتوفير أخبار وتقارير جيدة وتخدم المصلحة العامّة، والتي تجذب المتابعين وتسهم في تطوير الدعم المالي.
نقص المحتوى الموثوق
يرى الكاتب أنّ نظام الإعلانات الرقمية دونه مساوئ، فهو يتم بطريقة آلية، مدفوعًا بخوارزميات غير شفافة، صُمّمت بهدف زيادة توجيه الإعلانات للمستخدمين، وفقًا لأذواقهم وسلوكياتهم مع تكلفة يتحملها المعلن أيضًا، وعلى الرغم من فعاليّة هذا النموذج، إلا أنّه قد يخفي بعض المعلومات المضللة.
وانطلاقًا ممّا تقدّم، تعرّض وسائل الإعلام والمؤسسات الإخبارية مصداقيتها للخطر، من خلال المحتوى الذي يتمّ ترويجه، وأحيانًا لإرضاء المعلنين. ولهذا ينبّه الكاتب من أنّ انتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة يتسبّب بتسريع تدهور ثقة الناس في المؤسسات الصحفية، والحكومات وحتى المواقع المتخصصة بالعلوم والأعمال وغيرها.
المصداقية لها قيمة اقتصادية
أشار الكاتب إلى أنّه كتب قبل سنوات عن المصداقية في العمل الصحفي ووصفها بأنّها "العملة الجديدة في الصحافة"، معتبرًا أنّ هناك الكثير من الإتجاهات في النشر كانت الدافع وراء هذا التصوّر، سواء من الناحية الاقتصادية أو التحريرية، وهي:
- التحوّل عن الإعلانات والتوجّه إلى العائدات التي تأتي من خلال المستخدم
- التزكيز على العلاقات مع المستخدمين بدلاً من حجمهم وأعدادهم فقط
- التركيز على احتياجات المستخدم بدلاً ممّا يريده المعلنون
- محاولة بناء مجتمع بدلاً من جمهور كبير
- جودة الأعمال الصحفية أهمّ من الكمية: لا بدّ من البحث عن معلومات فريدة لتقديمها للجماهير المتخصصة
- توليد رأس مال اجتماعي بدلاً من رأس مال مالي
- التعاون بدلاً من التنافس
بناءً على هذه المبادئ والأهداف، تسعى المؤسسات الإخبارية والإعلامية لتقديم محتوى يهمّ الناس، وإلى بناء علاقات جديدة مع المجتمعات. كما تشدّد على العمل بشكل شفاف لا على نظرية الموضوعية، من أجل ترسيخ المصداقية أمام الجمهور.
الشفافية بتقديم المحتوى
من جهتها، تحدّثت الصحفية الاستقصائية تينا كايزر التي تعمل مع "دي فيلت" الألمانية، عن عدد من الطرق والإستراتيجيات التي يمكن أن تستعين بها المؤسسات الإخبارية كي تكون أكثر مصداقية، وهي كما يلي:
تصحيحات شفافة: على الصحفي الإعتراف بأخطائه بسرعة وأن يكون شفافًا حول كيفية ارتكابها. فعندما تقول إحدى المنظمات إنّ المعلومات التي نشرها الصحفي غير صحيحة، سيشكّك فيها الجمهور ويسأل إن كان هناك أي خرق للمعايير الصحفية أو وجود معلومات غير دقيقة مقدمة من مصدر ما.
إعداد القصص: بالنسبة للتقارير الإستقصائية والمشاريع الكبيرة، على المؤسسة الإعلامية أن ترفق شرحًا حول كيفية الحصول على المعلومات، وأن توضح المصادر والأماكن التي قصدها الصحفيون لمقابلة أشخاص وإجراء البحوث، وكيف تمّ التحقق من المعلومات وتطبيق المعايير المهنية.
إجراء المقابلات: بالنسبة للمقابلات، لا سيما التي يتم إجراؤها مع الشخصيات المثيرة للجدل أو المعروفة، ينبغي أن يتضمن نص المقابلة معلومات حول موعد ومكان إجرائها، إن كانت أجريت عبر الهاتف أو باستخدام البريد الإلكتروني أم كانت مقابلة شخصية في مكتب الشخص أو منزله، والوقت الذي استغرقته ومن كان حاضرًا، وكيف تمّ تحريرها. ولا بدّ أن يعرف القراء أو المشاهدين سياق الأسئلة والأجوبة، إن تخللها توتر أم كانت عادية.
تصوير جميع المصادر: يجب على المراسلين التقاط صور لجميع الأشخاص الذين يقابلونهم، لأنّ نشر صور المصادر الرئيسية التي وافقت على تصويرها يسمح للقراء بالاطلاع على المعايير المهنية المستخدمة لجمع المعلومات والتحقق منها. كذلك على الصحفي التقاط صور للمواقع الرئيسية وعناصر القصة.
نشر الوثائق: بالنسبة للتقارير الاستقصائية والمقالات الطويلة، يمكن نشر روابط لمستندات من مصدرها على الانترنت، ما يتيح للقراء أن يطلعوا عليها.
لا مصادر مجهولة: هناك أسباب تدفع إلى عدم ذكر المصدر من أجل حماية سلامة المصدر وعائلته وبحال اضطر الصحفي ألا يذكر هوية المصدر، على رئيس التحرير أن يشرح الأسباب للجمهور.
التحلّي بالشفافية في الشؤون المالية والأخلاقيات وهوية المالكين
تعتقد الكثير من المؤسسات الإخبارية أنّ الجمهور والمتابعين يدركون ويفهمون المعايير الصحفية والأخلاقية التي تلتزم بها المؤسسات، ولهذا فهي لا توضح للجمهور الطرق التي تتبعها للتحقق من الأخبار أو كيف تقرّر المؤسسة أنّ الخبر يحتوي جميع العناصر ليتمتّع بالمصداقية الكافية لنشره أو إذا ما كان يحتاج إلى المزيد من التحقق.
في هذا السياق، صنّفت شركة NewsGuard المستقلة أكثر من 6000 مؤسسة إخبارية بأنّها تتمتّع بالمصداقية والشفافية، وذلك بسبب امتثالها للمعايير الصحفية المهنية، والتي تتضمّن الكشف عن هويات أصحاب المؤسسات وحملة الأسهم وميولهم السياسية، إضافة إلى السير الذاتية لهؤلاء ولمنشئي المحتوى.
كيفية تحويل الثقة إلى دعم مالي
الجدير ذكره أنّ صحيفةelDiario.es الإسبانية تعدّ من أبرز النماذج عن هذا النوع الصحفي، حيث تنشر النتائج المالية ربع السنوية وتفصّل فيها مع مجمل الإيرادات والإنفاق، ومتوسط رواتب الموظفين. واللافت أنّه على الرغم من تقديمها الأخبار بشكل مجاني على الإنترنت، إلا أنّ أكثر من 60 ألف شخص يدفعون الآن مقابل الحصول على الأخبار، ويهدفون بذلك إلى دعم عمل الصحيفة المستقلّ.
وأوضح المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي للصحيفة الإسبانية إيجناسيو إيسكولار أنّه يتمّ نشر الأسماء وعناوين البريد الإلكتروني والسير الذاتية لأعضاء مجلس الإدارة والموظفين، الذين من جهتهم يردّون على الشكاوى الواردة.
ولفت إلى أنّ بعض المشتركين والمتابعين ألغوا الدفع مقابل العضوية، لأنّ آراءهم تتباين مع التقارير الإخبارية والتغطية التي تقوم بها الصحيفة، أو لأنّهم لا يتوافقون بالآراء مع كتاب مقالات الرأي. ولهذا فهو يردّ على المتابعين بشكل مباشر ويوضح لهم السياسة التحريرية، ويعتبر أنّ التواصل مع المتابعين والحديث معهم هو أمر مهم، ويقول إنّه تعلّم الكثير من هذه التجربة.
مبادرات جديدة لاستعادة ثقة الجمهور
في الوقت الذي تزيد فيه التحديات التي تواجه المصداقية، عبر استخدام الخوارزميات ونشر الأكاذيب، يصدّق الكثير من الناس هذه الأخبار المضلّلة التي يتكرّر نشرها بهدف تقويض الصحافة والمؤسسات الديمقراطية. لهذا لا بدّ أن تنتبه المؤسسات الإعلامية، وبالفعل تقوم مؤسسات ومنظمات عدّة بالإستجابة إلى مبادرات وإطلاق أخرى من أجل المحافظة على جودة ونوعية الصحافة واستعادة الثقة، بحسب ما قالته كريستين شميدت التي تعمل في مختبر نيمان للصحافة.
والمهم هو أنّ الناس حول العالم يبحثون عن مصادر يمكنهم أن يثقوا بها، ويحتاجون للمساعدة من أجل غربلة الآراء والمعلومات المتضاربة وغير المحدودة. ولهذا يمكن أن تقدم أي مؤسسة إخبارية تصنّف نفسها بأنّها تتمتع بالمصداقية وجديرة بالصدق على مساعدة الناس في هذا الإطار ممّا يمكنها من بناء مجتمع وكسب دعمه المالي.
هذا التقرير نُشر للمرة الأولى على مدونة جيمس برينير لرواد الأعمال وأعيد نشره على شبكة الصحفيين الدوليين بعد الحصول على إذن.
جيمس برينير هو زميل سابق في مركز نايت للصحافة التابع للمركز الدولي للصحفيين. أطلق ويدير مركز الصحافة الرقمية في جامعة غوادالاخارا. يمكن زيارة موقعيه الإلكترونيين News Entrepreneurs وPeriodismo Emprendedor en Iberoamérica.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الإستخدام على أنسبلاش بواسطة جورجيو تروفاتو.