في آب/أغسطس الماضي، قرّر الزميل في مركز نايت للصحافة في الأميركيتين سيرجيو سبانيولو، وهو مؤسس ومدير تحرير "فولت" في البرازيل، الإستعانة بصحفي لإعداد محتوى لمشروع رائد، وأراد سبانيولو أن يساعده الصحفي في النشر على وسائل التواصل الإجتماعي، وبالنشرات البريدية وتحضير التقارير، بهدف تزويد الصحفيين الآخرين بالمعرفة العلمية الناتجة عن وسائل التواصل الإجتماعي. ولكن بعد أسابيع من العمل والتخطيط للميزانية ووضع الأهداف، غيّر الخطة بكاملها واستعان بمطورَين اثنين بدوام جزئي لإنشاء "بوت" على تويتر ونظام للردّ أوتوماتيكيًا.
والجدير ذكره أنّ البوت هو حساب أوتوماتيكي على وسائل التواصل الإجتماعي تديره خوارزمية، وليس شخصًا حقيقيًا، بعبارة أخرى، ويتم تصميم برنامج البوت لإنشاء مشاركات من دون تدخل بشري.
وقال سبانيولو في هذا المقال الذي كتبه عن تجربته الأخيرة: "قمت بحل مشكلتين في وقتٍ واحد، الأولى هي توزيع المنشورات والمحتوى على تويتر والثانية تتمثّل بتزويد المستخدمين بالنشرات عبر البريد الإلكتروني، بحيث لم يعد هناك أي حاجة لتدخل بشري في هاتين المسألتين"، وأضاف: "ما حاجتي لشخص يعمل على إنتاج المحتوى في حين تقوم الأتمتة بالمهمة وبشكل شبه مجاني، كذلك فإنّ خطتي الأساسية كانت الإستعانة بصحفي لوقت محدد، بينما تعمل الأتمتة للوقت الذي أريده".
ولفت الصحفي إلى أنّه تعمّق بشكل أكبر في عالم الأتمتة وتطوير المنتجات الآلية، ووجد أنّه من الضروري الإستعانة بصحفي لوضع استراتيجيات من أجل تنظيم المحتوى، فعيّن صحفيًا لذلك، وبات العمل مشتركًا بين البوت والبشر.
وبحسب سبانيولو، فإنّ الأتمتة في الصحافة تثير دهشة وقلق البعض، ليس بسبب إمكانية تنفيذها للمهام التي غالبًا ما ينفذها الصحفيون فحسب، بل أيضًا لأنّ الآلات ليست أفضل من الصحفيين. وإذ ذكر مثلاً عن محاولة مايكروسوفت أتمتة كل جوانب غرفة الأخبار، قال الصحفي إنّ "الخلاصة الأساسية التي استنتجها من خلال تجربتها هي أنّ "الأتمتة تقدّم مساعدة كبيرة للصحافة وليست حلا مستقلًا، إذ يمكن أن تؤدي الأتمتة عددًا من المهام وأن تنشئ محتوى بسيطًا وهي تلعب دورًا مفيدًا في مجال الصحافة، ويمكن القول إنها ستؤدي إلى وظائف أفضل أيضًا".
وتابع سبانيولو: "أعادني الواقع الجديد إلى العام 2012، حين كنت أعمل مع وكالة رويترز في البرازيل، وأقرأ ملفات الشركات وتتركز مهمتي بكتابة عناوين رئيسية سريعة وأساسية بناءً عليها، وهكذا كنت أكرر ما تورده الملفات، فعندما تعلن أي شركة عامة عن تقارير مالية أو إعادة شراء أسهم أو منتجات جديدة، أقوم بنشر المحتوى الرئيسي من هذه التقارير في عدد من الأسطر التي تتراوح بين فقرة واحدة وأربع فقرات، ثمّ أترك الأمر للمراسلين لكشف التفاصيل الباقية، ووجدت أنّ المهام الوظيفية كانت متكررة ومملّة، ولكن كان لها أهمية في ذلك الوقت بالنسبة للشركات والقراء، لكن لم يكن هناك استراتيجية للعمل ولا تقارير فعلية، وعلى ما يبدو فقد بات بإمكان الروبوتات تنفيذ هذه المهام الآن".
إذًا تمرّ الصحافة في مرحلة جديدة وتواجه بعض القضايا التي يجب معالجتها. وفي هذا السياق، أشار تقرير صدر في آذار/مارس 2019 عن معهد قانون المعلومات إلى "مخاوف بشأن الوصول الانتقائي للمعلومات، والآثار الضارة على المجال العام، وبعض الخوارزميات التي لم يتم تصميمها جيدًا والتركيز على عدد قليل من المنصات على حساب نطاق أوسع وسوق إعلامي مزدهر". وشدّد التقرير على ضرورة الإنتباه إلى خطر تطوير تقنيات يحركها الذكاء الاصطناعي لاستغلال نقاط ضعف المستخدمين والتلاعب بالخصوصية وتقويضها وخلق تفاوت رقمي جديد.
وبرأي سبانيولو، يوجد طريقة للتفكير بالأتمتة في غرف الاخبار، حتى الصغيرة منها، بحيث لا تقود إلى تسريح الصحفيين من وظائفهم. وهذا لا يعني أنّ على البرمجيات القيام بعمل صحفي، كذلك فعندما يقوم الصحفيون بتوجيه عملهم نحو العمل المهمّ مثل إعداد التقارير الإستقصائية وجمع البيانات، يمكن التخلي عن المهمات المتكررة المملة للروبوتات.
والجدير ذكره أنّ رويترز وبلومبرج وفوربس والجارديان ووكالات أنباء كثيرة تستخدم التقنيات الجديدة، وهناك أمثلة في نيويورك تايمز أيضًا، فيما فازت واشنطن بوست بجائزة بسبب البوت الخاص بها.
وحاليًا بعدما أصبح لدينا المزيد من الأدوات الفعالة مثل GPT-3، وهو نموذج لغة يستخدم الذكاء الاصطناعي لإنشاء نص آليًا شبيه بعمل الإنسان تم إصداره في حزيران/يونيو 2020، تبدو الأتمتة واعدة أكثر وربما تمثل تحديًا أكثر من أي وقت مضى للصحافة، لذا يجب علينا أن ندرسها ونستخدمها لصالح العمل الصحفي.
وختامًا، فيما يدور نقاش بين أشخاص وصحفيين يرفضون الأتمتة ويعتبرون أنّها قد تؤدي إلى الفوضى والبطالة الجماعية، وآخرين ينظرون إليها كضرورة في الوقت الحالي، لا سيما وأنّها دخلت في مجالات مختلفة، يرى كاتب هذا المقال أنّ المسؤولية الحالية تكمن بتحويل الأتمتة إلى مساعدة للصحفيين، من أجل تحسين وظائف الصحافة وزيادة الإنتاجية في غرف الأخبار، موضحًا أننا "بحاجة إلى استراتيجية بشرية مناسبة".
كاتب المقال هو الزميل في مركز نايت للصحافة في الأميركيتين سيرجيو سبانيولو المقيم في البرازيل.
نشر هذا المقال للمرة الأولى على موقع StoryBench وأعيد نشره على شبكة الصحفيين الدوليين بعد الحصول على إذن.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الإستخدام على أنسبلاش بواسطة إيميل بارون.