دراسة لـ"أريج" حول "مكافحة المعلومات المضللة في العالم العربي"

Jan 29, 2021 em مكافحة التضليل والمعلومات الخاطئة
صورة

لفتت الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية عام 2016 أنظار العالم إلى مصطلح "الأخبار الكاذبة"، بعدما صاح به الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوجه مراسل قناة "سي إن إن" جيم أكوستا أثناء أول مؤتمر صحفي بعد فوزه بمقعد الرئاسة. واستخدم ترامب العبارة متهمًا القناة بأنها تغطي أخبارًا غير مهمة، ومعتبرًا أنً هدفها التأثير سلبًا على نجاحاته.

 ووفقًا لموقع "إحصائيات جوجل"، بدأ مستخدمو شبكة الإنترنت البحث بكثافة عن المصطلح ومشتقاته، ليُصبح منذ النصف الثاني من عام 2016 الكلمة الأكثر رواجًا في اللغتين الإنجليزية والألمانية بحسب اختيار معجم أوكسفورد للغة الإنجليزية ومجمع اللغة الألماني.

ومع انتشار جائحة كوفيد19 ووصولها إلى المنطقة العربية، باتت الأجواء المشحونة بالصراعات السياسية والأزمات الإقتصادية والإجتماعية، مهيأة لظهور الكثير من المحتوى الإعلامي المضلل حول ماهية الفيروس وحقيقة وجوده وطرق علاجه. ولفتت الجائحة الأنظار إلى مسألة مصداقية المعلومات، وبات نشر المواد المغلوطة -من نصوص وصور وفيديو- فخًا يحترس معظم الصحفيين من الإنزلاق إليه.

إقرأوا أيضًا: موارد وإرشادات لتغطية "كورونا" بمهنيّة بعيدًا عن الأخبار المضلّلة

وفي هذا السياق، تظهر دراسة أجراها المركز الدولي للصحفيين وجامعة "جورج تاون" أنّ نحو 25 بالمئة فقط من الصحفيين يستخدمون أدوات التحقق من الأخبار عبر شبكات التواصل الإجتماعي، مقابل نسبة 11 بالمئة في دراسة سابقة. وأظهرت دراسة للمركز الدولي للصحفيين عام 2017 أنّ أرباب المهنة يسعون إلى التمكن من مواكبة الثورة الرقمية وإدماجها في أعمالهم. أمّا الدراسة التي أجراها المركز عام 2019 فخلصت إلى أنّ أكثر من نصف الصحفيين يستخدمون الأدوات الرقمية بانتظام للتحقق من المعلومات وتقصي الحقائق. 

صورة

توازيًا، أظهر مسح استقصائي أجرته شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) على عينة من الصحفيين العرب خلال يوليو/ تموز 2020 أنّ نحو 58 بالمئة منهم يرى أنه بحاجة إلى مزيد من التدريبات على التحقق الإخباري، فيما عبّر 11 بالمئة منهم عن افتقادهم لهذه المهارات كليًا واعتمادهم على مهاراتهم الشخصية لتدقيق  الأخبار والمعلومات. وفي تونس، أقرّ 64 بالمئة من الصحفيين المشاركين في استبيان أجراه مركز تونس لحرية الصحافة في مايو/ أيار 2020 أنهم "تعرضوا للتضليل".

مكافحة المعلومات المضللة في العالم العربي

كلّ ما تقدّم أبرزته ورقة سياسات أريج حول "مكافحة المعلومات المضللة في العالم العربي" والتي جرى إعدادها بالشراكة مع مؤسسة فريدريش ناومان من أجل الحرية. وبحثت الدراسة التي أعدّتها الباحثة المصرية نهى عاطف مع الباحثتين بسمة المهدي وبسمة مصطفى أسباب وتأثير الأخبار المضللة معتمدة الأخبار حول كوفيد 19 كنموذج.

 واعتمدت الدراسة في صياغتها على التفاعل مع صحفيين عرب في الوقت الذي يمارسون فيه عملهم وسط إجراءات حظر التجوال –المفروض في غالبية بلدانهم- للوقاية من كورونا. واستمرهذا التفاعل بين "أريج" والإعلاميين طوال أكثر من ثلاثة أشهر في سبيل استخلاص المعلومات، سواء من خلال المنشورات والأسئلة الاستقصائية التي طرحت عليهم عبر فايسبوك، أو بالمسح السريع لآراء 229 صحفيًا عربيًا. كذلك، أجرت "أريج" حوارات مع 17 من خبراء الصحافة وممثلي المؤسسات المحلية والدولية المعنية بتدريب ودعم الصحفيين، وممثلين عن فايسبوك وتويتر وجوجل، تراوحت بين المقابلات الشخصية والجماعية والمراسلات الاعتيادية.

 وعرضت الدراسة ماهيّة الأخبار المغلوطة، حالة الأخبار المغلوطة في العالم العربي خلال جائحة كوفيد-19 حتى أغسطس/ آب 2020، ثمّ قدّمت  أهم الطرق المستخدمة في المنطقة العربية لمواجهة هذه الأخبار، وناقشت فعاليتها وتحدياتها، قبل الخلاصة وتقديم التوصيات.

إقرأوا أيضًا: للصحفيين الاستقصائيين.. 5 طرق للبحث عن الحقيقة في الشبكة العنكبوتية

الأخبار المغلوطة

أوردت ورقة سياسات أريج حول "مكافحة المعلومات المضللة في العالم العربي" في الفصل الأول أنّ تسمية الأخبار غير الدقيقة أو غير الحقيقية لا تزال قيد المناقشة والتطوير في الأوساط الصحفية والسياسية. وخلصت منظمة التربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" للتفرقة بين مصطلحات ثلاثة هي: المعلومات المضللة والمعلومات الخاطئة والمعلومات الضارة. ويستند التمييز بين المصطلحات إلى مقصد الناشر ونيته، فالأنواع جميعها تعبر عن معلومات غير دقيقة، فإذا كان المقصد من وراء بثها إلحاق الضرر بأشخاص أو مؤسسات أو جماعات، فهي "معلومات ضارة"، وإذا كان عدم دقتها مصدره تناول غير جيد لمعلومة حقيقية عن طريق الخطأ، تكون "معلومات خاطئة"، أما إذا كانت المادة المنشورة غير حقيقية ومفبركة عمدًا، فهي "معلومات مضللة".

وتطرّقت الدراسة إلى مسح شمل 34 مقالة بحثية نشرت بين عامي 2003 و2017، وجد فيه باحثون أن دلالات مصطلح "الأخبار الكاذبة" شملت الهجاء والمحاكاة الساخرة والتلفيق والتلاعب.

مبادرات عربية

والأمر الجيد، أن اللغة العربية حاضرة في الجهود لتوظيف الذكاء الإصطناعي لصالح تدقيقها، فمع تفشي الأخبار الملفقة في المنطقة العربية، طوّر باحثون في الإمارات العربية والأردن خوارزمية "مدقق ّ الأخبار" التي تستهدف تقصي الأخبار الملفقة باللغة العربية المنشورة على الإنترنت، سواء من خلال البوت أو العنصر البشري، وذلك بالإعتماد على معطيات استخدام كلمات معينة يشيع البحث عنها والإفراط في استخدام علامات الترقيم (مثل تكرار علامات الإستفهام أو التعجب)، والمدة التي يقضيها المستخدمون على الصفحة.

وقد برزت مبادرات كثيرة للتحقق من الأخبار وتقصي المعلومات المضللة إضافةً إلى تدريبات على طرق كشف هذه الأخبار. ودعا انتشار الأخبار المغلوطة حول العالم هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" إلى البحث عن أنماط الأشخاص صانعي الأكاذيب والشائعات، ليظهر وجود سبعة أنواع من الناس وراء اختلاق الشائعات ونشرها، وهم:

الهزلي: هو شخص لا يقصد تزييف الأخبار المغلوطة أو صناعتها، لكنه يتندر على الأحداث والواقع الجديد الذي أفرزته الجائحة، والبعض يتداول نوادره تلك على أنها حقيقية.

إقرأوا أيضًا: منظمة طلابية لتقصي الحقائق والتثقيف الإعلامي.. هذه تجربتها

المُتحايل: الذي يستخدم الواقع الحقيقي لخلق كذبة بغرض الإنتفاع، مثلا، في صورة نشر الرسائل الداعية إلى التبرع لضحايا جائحة كوفيد19، أو صناعة برامج في ظاهرها تتبع أخبار الجائحة، لكنها تتيح اختراق الحسابات الشخصية لمستخدميها.

السياسي: أو المسؤول الرسمي الذي يؤخذ كلامه على محمل الجد، فقد يتضمن حديثه مبالغة أو مزاحاً.

المؤمن بنظرية المؤامرة: وهو الشخص الذي  يعتقد أنّ شيئًا ما وراء تحريك الأحداث، ويجزم بهذا الإعتقاد بشكل يجعله يكرر الخبر المغلوط بثقة.

 الخبير: هو الشخص المختص الذي يملك مصداقية لدى الجمهور بسبب انتمائه لدائرة الإختصاص، رغم ذلك، قد لا يكون مجال اختصاصه يسمح له بتقديم معلومة سليمة تماما. وخلال فترة الجائحة، كثيرا ما نشر أطباء ادعوا أنهم في الصفوف الأولى لعلاج مصابي كوفيد19، أرقاما ومعلومات غير حقيقية.

الأقارب: من أفراد العائلة المصابين بمشاعر الهلع تجاه الإصابة بالفيروس، الذين يسارعون إلى تداول أي معلومات تصلهم عن ذلك، حتى لو تشككوا فيها.

المشاهير: لدى المشاهير مصداقية كبيرة بسبب حب جمهورهم لهم، ما يجعل تعليقاتهم على الفيروس تنتشر سريعًا.  

وماذا عن أسباب انتشار الأخبار المغلوطة؟

للإجابة عن هذا السؤال، توضح الدراسة أنّنا أمام ما يلي:

أسباب نفسية: تعرف شبكات التواصل االجتماعي ميول مستخدميها من واقع ما يبحثون عنه داخل الشبكة وعلى محركات البحث خارجها، بالتالي، تصبح النتائج التي تظهر هي نتاج خوارزميات مصممة لتختار المحتوى الموافق لأنشطة البحث والضغط  على الإعلانات وقراءة الصفحات. وتعطي الأفكار المسبقة المخزنة لدى الأشخاص مصداقية للألخبار المغلوطة.

أسباب ثقافية: في المنطقة العربية خصوصًا، تنعكس مشاعر عدم الثقة بين الشعوب والحكومات في تلفيق أخبار واختلاق شائعات لأحداث تُثبت تقصير الحكومات أو عدم صحة سياساتها، وخلق مناخ عدم الثقة بين الشعوب والحكومات -المتأثر بتجارب الفساد، وهو ما يفتح الباب أمام مروجي الأخبار المغلوطة لطرح ما لديهم ونشره.

أسباب تقنية: في استقصاء للرأي أجرته "أريج" على 229 من صحفيي المنطقة في يوليو/ تموز 2020، رأى 18 بالمئة منهم أن الذكاء االصطناعي يخلق من المعلومة المغلوطة خبرًا رائجًا. لكن ليس من الحقيقي أن ظهور تطبيقات الذكاء االصطناعي هو السبب لانتشار الأخبار المزيفة. في الواقع، يلعب العامل البشري الدور الأكبر في ذلك.    

التربية الإعلامية

في عام 2019، نال الأستاذ بالجامعة الأميركية جاد ملكي جائزة العام لليونسكو لمحو الأمية الإعلامية والمعلوماتية، وكان المصطلح غير مألوف حتى بالنسبة لأساتذة في مجال الإعلام، وهو ما دعاه إلى تأسيس أوّل أكاديمية للتربية الإعلاميّة والرقمية في بيروت عام 2013 لتدريس مناهج التربية الإعلامية باللغة العربية وبالتوافق مع الثقافة العربية.

مواثيق الشرف

 أوردت جميع مواثيق الشرف الإعلامية العالمية والإقليمية والمحلية مبادئ الدقة وتصحيح الأخبار المنشورة غير الدقيقة كإحدى الأخلاقيات الأساسية في ممارسة العمل الصحفي. وينبه ميثاق شرف الفيدرالية الدولية للصحفيين إلى قيام الصحفي بنشر المعلومات "وفقا للحقائق التي يعلم مصدرها فقط، ولن يقوم بإخفاء معلومات هامة أو تزييف وثائق"، وأن يقوم ببذل "أقصى طاقته لتصحيح وتعديل معلومات نشرت ووجد أنها غير دقيقة على نحو مسيء".  

التجريم القانوني لنشر الشائعات

مع وصول جائحة كوفيد19 إلى العالم العربي، تعالت تحذيرات عدد من المنظمات الحقوقية والمجتمعات الصحفية من سن قوانين جديدة أو تعديل مواد في قانون العقوبات تُجرم نشر معلومات مضللة عن الجائحة.

ففي تونس، البلد الأفضل عربيًا في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لسنة 2020 97، أضحت البلاد في خضم نقاش مجتمعي حاد في أعقاب تقديم نواب بالبرلمان مقترح مسودة قانون عُرف إعلاميًا بـ"مشروع قانون مكافحة الأخبار الكاذبة" على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي. وفي الوقت الذي نجح فيه المجتمع الحقوقي التونسي في إجهاض محاولة تمرير القانون المذكور، تمكن مجلس الحكومة المغربية من تمرير مشروع قانون لتجريم نشر "الأخبار الزائفة وبعض السلوكيات الإجرامية الماسة بالشرف والأشخاص والقاصرين على شبكات التواصل الإجتماعي"، ملوحة بعقوبة السجن لمدة تصل إلى  ثلاث سنوات، وغرامة تصل إلى ألفي دولار أميركي.

توازيًا، فرضت الحكومة القطرية عقوبات جنائية ضد ما وصفته نشر "أخبار كاذبة" على الإنترنت.

في المقابل، أضافت الجزائر مادة لقانون العقوبات ضد أي شخص ينشر "أخبارا كاذبة" تهدف إلى "المساس بالأمن العمومي" لتصل العقوبة إلى السجن ثلاث سنوات، ودفع غرامات تصل إلى 2,322  دولار أميركي،  فيما لوّحت السعودية بقوانين مكافحة الجرائم الإكترونية ضد الشائعات والمعلومات المضللة المنتشرة حول كوفيد19 التي تصل عقوبتها إلى السجن 5 سنوات.

التوصيات

أوصت هذه الدراسة ببناء شبكة إقليمية لمدققي الأخبار والمعلومات سواء في الصحافة المكتوبة أو المرئية، وطالبت بتخصيص العام 2021 عامًا لمكافحة الأخبار المغلوطة في المنطقة العربية.

ودعت "أريج" إلى تأسيس شبكة من الصحفيين المتخصصين في تدقيق الأخبار والمعلومات، والعمل على توسعة هذه الشبكة بما يضمن زيادة أعداد محققي الأخبار بالمنطقة العربية.

وبناءً على هذه الدراسة، طلبت "أريج" تعزيز طرح موضوع الأخبار المغلوطة في المنطقة العربية ودعم تخصصية كوادر الصحافة العلمية ومضاعفة التعاون بين جهات التدريب الصحفي والمؤسسات الصحية الموثوقة.

وحثّت "أريج" أيضًا على توسعة وتطوير طرق تدريس مادة التربية الإعلامية،  واقترحت إنتاج سلسلة مقاطع تسجيلية قصيرة بعنوان "كيف تفهم الإعلام؟" ليتم نشرها على شبكات التواصل الإجتماعي.

وشجّعت "أريج" على تدشين حملة على الإعلام المرئي والمسموع للتوعية بضرورة تحقيق الأخبار قبل تداولها، وإنتاج مواد تدريبية مبسطة باللغة العربية عن كيفية تطويع الصحفيين للذكاء االصطناعي في العمل الإعلامي، وشجّعت أيضًا على إنشاء المبادرات المستقلة لتقصي الأخبار وتعريب المزيد من الأدوات الرقمية ، إضافةً إلى دعم المبادرات المتخصصة بنشر  ثقافة التدقيق الإخباري.

للإطلاع على ورقة سياسات أريج حول "مكافحة المعلومات المضللة في العالم العربي"، إضغط هنا.

الصورة الرئيسية من تصميم الفنانة دعاء العدل وتمّ أخذها من دراسة أريج.