إرشادات مهمة لكيفية تعامل الصحفيين مع العناصر الأمنية  

Oct 2, 2024 در السلامة الرقمية والجسدية
صورة

هناك الكثير من التحديات التي يواجهها الصحفيون أثناء تأدية عملهم، سواء في ميادين التغطية الصحفية أو بالمخافر الأمنية، ومع ذلك، يظلّ السواد الأعظم من الصحفيين غير مهيئين بما يكفي للتعامل المرن مع مواقف الاعتقال أو التوقيف. ومن خلال تجربتي كصحفي استقصائي موريتاني سأشارك معكم بعض المواقف التي تعرضتُ لها أثناء عملي، إلى جانب تجارب بعض زملائي وزميلاتي والتي تبرز المخاطر التي نتعرض لها في عملنا. 

في الخامس من مايو/أيار عام 2021، أوقفتني الشرطة والقضاء الموريتاني لمدة 12 يومًا بناءً على شكوى تقدمت بها عشرات المصانع العاملة في صناعة دقيق السمك، وذلك على خلفية التحقيق الاستقصائي الذي أجريته عن أضرار صناعة دقيق السمك على الصحة العامة والبيئة في موريتانيا، ومن أشكال سوء المعاملة التي تعرضت لها عند الشرطة هي صراخ أحد الضباط في وجهي بمجرد وصولي إلى مكتب التحقيق، حيث قال لي بصوت حاد: "قف! لا تجلس هنا، أين هاتفك؟ أعطني إياه، اجلس هناك!"، ومع ذلك، ظللت مُتماسكًا ورفضت أن يتم التعامل معي بهذه الطريقة المستفزة، وقد استحضرت في هذا المشهد العصيب تدريبات السلامة المهنية التي حصلت عليها من صحفيين دوليين مروا بتجارب مشابهة من الاحتجاز وسوء المعاملة في مختلف أنحاء العالم. 

وهنا يتبادر إلى أذهاننا سؤال مهم حول الأمور الذي يجب أن يتبعها الصحفيون/ات عندما يتم احتجازهم/توقيفهم من قبل العناصر الأمنية. ويجب الأخذ في الاعتبار بأن العناصر الأمنية تميل إلى استغلال الحالة النفسية للشخص الموقوف، خاصة إذا كان صحفيًا/ة يتناول قضايا وطنية حساسة، ويقوم بالبحث والتحري عن مشكلات معينة من أجل محاسبة المسؤولين، وبالتالي تعمد العناصر الأمنية في تلك الحالات إلى استفزاز الصحفي/ة أو عن طريق استخدام عبارات مهينة بهدف كشف نقاط ضعفه أو قوته، وبالتالي يتعين على الصحفي/ة اتخاذ بعض الإجراءات المهمة والتي سنتناولها فيما يلي: 

أولاً، سياسة ضبط النفس:     

يجب علينا التحلي بالصبر وضبط النفس، ويُمكننا في هذا الصدد اتباع استراتيجيات معينة من أجل تخفيف التوتر قدر الإمكان في تعاملنا مع العناصر الأمنية، وذلك مثل سرد قصص بطولية لرجال الأمن في دولتك، وأن تُظهر مدى اهتمامك بزيادة رواتبهم، وأنك تقدر تضحياتهم الكبيرة، ثم تبدأ في الحديث عن أهمية عملك الصحفي في أن يركز في المقام الأول على إيصال أصوات المهمشين إلى المسؤولين. وفي حالة اتباع هذه النصائح، يمكن تعزيز العلاقة بين الصحفي والعناصر الأمنية، مما يُقلل من حدة التوتر، ويُدعم الثقة بين الطرفين، ويقلل من مساحات الاختلاف التي قد تنشأ إذا تعرضنا للمساءلة من جانب العناصر الأمنية. 

في هذا السياق، يحدثنا سعيد المرابط، وهو صحفي استقصائي مغربي متخصص في قضايا الهجرة واللجوء، قائلاً: "إننا اعتدنا على اعتبار أنفسنا مشاريع صحفية معرضة للتوقيف أو الاعتقال في أي لحظة، ويظهر ذلك في تعبيرنا 'نحن في سراح مؤقت'. لذلك، يتعين علينا تدريب أنفسنا على أساليب دفاعية استباقية لتدعيم حالتنا النفسية، لأنها تعتبر المنفذ الأول للعناصر الأمنية لمحاولة تحطيمنا داخليًا، فإذا لم تتماسك بالقدر الكافي، وكنت مرتبكًا، وغير منضبط فتكون على الأرجح عرضة للاستغلال والتحطيم الداخلي". 

ثانيًا، طبّق إجراءات الأمن الرقمي: 

من الممارسات الخاطئة التي ينبغي تجنبها من قبل بعض الصحفيين هي اصطحاب الهاتف المحمول إلى المراكز الأمنية عند استدعائهم في المراكز الأمنية، وإذا كان من الضروري حمل هاتفك الشخصي، فإنه يتعين عليك حذف الملفات الحساسة، كما يفضل تشفيره باستخدام كلمات مرور معقدة تتضمن أرقامًا وحروفًا متنوعة، وذلك من أجل تقليل المخاطر الرقمية التي قد تحدث لك في حالة الحصول على هاتفك بالقوة من أجل تفتيشه. 

من جانبها، تروي الصحفية السودانية مشاعر دراج، التي تعمل في صحيفة "سودان تربيون"، والمتخصصة في قضايا النساء والتعايش السلمي، تجربتها مع الاعتقال من قبل الشرطة السودانية في منطقة كردفان عام 2015، قائلةً: "أول شيء قمت به عندما أُرغمت على الذهاب إلى مركز الشرطة هو حذف حساباتي الإلكترونية، ثم إغلاق هاتفي المحمول، وبعد ذلك قمت بإخفائه في مكان غير معلوم، وبالطبع هذا الإجراء بدّد رغبة الشرطة في تفتيش هاتفي، وحماني من المخاطر الرقمية". 

كما تنصح مشاعر الصحفيات بوضع مستحضرات التجميل قبل التوجه إلى المراكز الأمنية، لأنه يساعد في إخفاء ملامح الوجه عند الشعور بالخوف أو التوتر، لأنه عند ظهور علامات الخوف أو التوتر على وجهك، سيقوم رجال الأمن بمحاولة استغلال هذه النقطة لممارسة سياسة التخويف والترهيب بشكل مستمر. 

ثالثًا، دافع عن حقوقك القانونية:  

قد يغفل بعض الصحفيين أهمية الدور الذي يقوم به المحامي في دعمهم خلال تعاملهم مع الجهات الأمنية أو القضائية، وبغض النظر عما إذا كانوا قادرين على تحمل أتعاب المحامي أم لا، فهذا الفهم الخاطئ لدى بعض الصحفيين قد يُوقعهم في مشاكل كبيرة، حيث إنه لا يُمكن للصحفي الاستغناء عن دور المحامي؛ فالمحامي هو الشخص المخول قانونًا للدفاع عن الصحفي ومؤازرته أثناء الاحتجاز لدى الأمن العام. 

وبدون وجود المحامي، قد تواجه خطر التوقيع على مستندات لا تعرف مصادرها القانونية أو تداعياتها، أو يجبرك أحدهم على  الانصياع لأوامر غير قانونية تُمليها عليهم عناصر الأمن.   

وليس هذا فحسب، بل من حق الصحفي أيضًا أن يرفض التعامل مع عناصر الأمن حتى يتم إحضار محاميه، كما يحق له الاعتراض على الإجابة عن أي سؤال يراه متعلقًا بخصوصيته أثناء جلسات التحقيق، وباستطاعته أيضًا عدم الإجابة عما لا يرغب فيه بشرط أن تكون طريقته لبقة، فالصحفي قد يصل إلى حلول ذكية بالحيلة أكثر مما يمكن أن يصل إليها بالقوة. 

رابعًا، أهمية الثقافة القانونية للصحفي: 

من المبادئ القانونية الثابتة أنه لا يعتبر الجهل بالقانون عذراً، لذلك ينبغي أن يتمتع الصحفي بقدر معين من المعرفة بالنصوص القانونية، والتي تساعده كثيرًا في عمله الصحفي، وبالتالي، فكر جيدًا قبل تغطية مظاهرة ما أو تناول قصة معينة أو إجراء تحقيق، بالمخاطر المحتملة المترتبة على عملك حتى تتجنب الوقوع في مشاكل قانونية أنت في غنى عنها. وعلى سبيل المثال، فإن عدم مراعاة الضوابط المهنية في الكتابة الصحفية مثل خطاب الكراهية، وعدم تحقيق التوازن بين وجهات النظر المختلفة، قد تُقلل من مصداقية الصحفي وتعرض أمنه الشخصي  للخطر، وليس أدل على ذلك من محاكمة صحفيين يعملون في محطة إذاعية محلية تُدعى "ميل كولين" في رواندا لأنهم اتهموا بالتحريض على العنف بين الهوتو والتوتسي عام 1994

خامسًا، قواعد التغطية الميدانية: 

وفي عام 2014، اندلعت احتجاجات عنيفة بالعاصمة الموريتانية نواكشوط على خلفية تدنيس المصحف الشريف من قبل مجهولين، وقتئذ، كلفتني المحطة الإذاعية التي أعمل بها بالتغطية الميدانية للأحداث، لكنني لم أكن متسلحًا بالمعارف والمهارات اللازمة، مثل أهمية التخطيط المسبق للمهمة الصحفية، وتقييم المخاطر، وأهمية التخطيط للأحداث العارضة التي قد تطرأ خلال المظاهرات، وغيرها من المبادئ المهمة وبينما كنت منغمسًا في التغطية، فوجئت بوصول حافلة صغيرة بيضاء اللون نزل منها أفراد من الشرطة، وطالبوني بمرافقتهم إلى مركز الشرطة بوسط المدينة، ورفضت في بداية الأمر، ولكنني ذهبت معهم، وبعد ذلك، قام الضابط باستجوابي عن طبيعة عملي المهني وعلاقتي بالمظاهرة، والتي نفيت صلتي بها، وأوضحت له أن دوري كصحفي يقتصر على تغطية الحدث، فأخلى سبيلي على الفور.    

ومن خلال هذه التجربة الشخصية، أنصح زملائي الصحفيين/ت بأهمية احتساب المخاطر وتقييمها قبل القيام بالتغطية الميدانية، وأن يستعدوا للتعامل مع العناصر الأمنية، من خلال طرح الأسئلة التالية: ماذا يحدث لو تم اختطافي أو احتجازي وتوقيفي؟، وكيف ستكون ردة فعلي في هذه الحالة؟ 

ولم يكن الأمر هينًا مع الصحفية الاستقصائية السودانية نبيلة طبري، فقد تعرضت للاعتقال من قبل الشرطة بالسودان منتصف عام 2023، وذلك على خلفية تغطيتها لمظاهرة شعبية، حيث قامت بإجراء مقابلة صحفية مع مسؤول بارز بالشرطة السودانية الذي اعترف بمسؤولية الشرطة عن القضية التي أثارت الاحتجاج.   

 من جانبها، أوضحت طبري: "استفدت من هذه التجربة المريرة بأنني يجب أن أهتم بالتوثيق الجيد للمقابلات الصحفية، خاصة على المستوى الرسمي لأنه يضمن عدم إنكار الشخص الذي تمت محاورته بأي معلومة قد أدلى بها وذلك بعد عملية النشر، مع أهمية الدقة في نقل شهادات الأفراد بدون تحريف أو حذف، ويجب الإلمام بالقوانين في البلد الذي تمارس فيه عملك الصحفي". 

سادسًا، خطوات تقييم المخاطر: 

يجهل بعض الصحفيين أساسيات تقييم مخاطر التغطية الصحفية، وكيفية التعامل مع الحالات الطارئة التي قد تحدث في الميدان، مما يؤدي إلى وقوع الصحفيين في مشاكل مع قوات الأمن أو المتظاهرين. ومن أمثلة الأخطاء التي ينبغي عليك تلافيها أثناء قيامك بالتغطية الصحفية: 

  • الوقوف بجانب المتظاهرين أو رجال الأمن. 
  • ارتداء شعار جهة أو فصيل معين، أو حمل ميكروفون المؤسسة التي تعمل فيها في وسط مظاهرة مُعادية. 
  • عدم الدراسة الكافية لطبيعة المكان الذي تحدث فيه المظاهرة، خاصة إذا كانت معروفة بأعمال الشغب. 
  • عدم مراقبة تصرفات المتظاهرين، والعناصر الأمنية أثناء مسيرة الاحتجاجات، مما قد يُسبب مشكلة للصحفي، وخصوصًا إذا عمّت الفوضى أرجاء المكان. 

وخلاصة القول، فإنه ينبغي أن يكون الصحفي/ة ملمًا بإرشادات التعامل مع قوات الأمن، وتقييم المخاطر واحتسابها، وأن يطبق قواعد السلامة المهنية، ويقوم بتقييم المخاطر قبل انخراطه في أي تغطيته صحفية، لكي يؤدي عمله على أكمل وجه ويتجنب الوقوع في إشكاليات قانونية أو أمنية تعرقل مسيرته المهنية. 

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة Trent Erwin.