دليل للصحفيين لفهم التاريخ السياسي والاقتصادي للرسوم الجمركية

بواسطة Rick Dunham
Jul 28, 2025 في موضوعات متخصصة
صورة

على امتداد التاريخ، فرضت الحكومات ضرائب على السلع العابرة للحدود. وقد استُخدمت الرسوم الجمركية – وهي ضرائب تُفرض على الواردات أو الصادرات – لتمويل الإمبراطوريات، وحماية الصناعات المحلية، ومعاقبة الخصوم الأجانب. كما تسببت في إشعال الحروب، وانهيار الاقتصادات، وأعادت رسم خرائط التحالفات الدولية.

لكن حرب الرسوم الجمركية الحالية بين الولايات المتحدة وبقية دول العالم لا تنسجم مع النماذج التقليدية المعروفة. فلم تعد الرسوم تُستخدم فقط لدعم الصناعة المحلية أو وسيلة لزيادة إيرادات الدولة، بل أصبحت تُستعمل كسلاح في صراع واسع على النفوذ العالمي والهيمنة الاقتصادية.

من ناحيته، قال روبرت بليكر، أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية: "نشهد انهيارًا للنظام الاقتصادي بأكمله، وللنظام التجاري القائم على القواعد المعمول بها منذ عام 1945". وأضاف خلال حديثه لطلاب برنامج الصحافة الاقتصادية العالمية في جامعة تسينغهوا أن ما يحدث الآن هو "حرب هوبزية يخوضها الجميع ضد الجميع"، في إشارة إلى الفيلسوف الاجتماعي والسياسي الإنجليزي في القرن السابع عشر الذي رأى أن البشر أنانيون بطبيعتهم.

مع تركيز الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الصين كهدف رئيسي في حملته العالمية الضخمة لفرض الرسوم الجمركية، ارتفعت وتيرة التوتر بشكل كبير، ما يشير إلى تصاعد الانقسام الذي قد يُعيد تشكيل الاقتصاد العالمي لعقود مُقبلة. وغرّد المؤثر المؤيد لترامب، بيني جونسون، لمتابعيه البالغ عددهم 3.7 مليون متابع في 10 أبريل/نيسان قائلًا: "يجب أن تفشل الصين – ترامب يدرك ذلك"، مضيفًا: "هذه ليست مجرد حرب تجارية".

وقد بدأ ترامب حروبه التجارية الواسعة فور توليه المنصب في 20 يناير/كانون الثاني، مستهدفًا حلفاء إقليميين مثل المكسيك وكندا. ثم وسّع نطاق حروبه الجمركية عالميًا في في 2 أبريل/نيسان — وهو اليوم الذي أطلق عليه اسم "يوم التحرير" — من خلال فرض رسوم جمركية ضخمة على عشرات الولايات القضائية، بما في ذلك بعض الجزر غير المأهولة. وبعدما تراجع مؤقتًا إثر الانخفاض الحاد في أسواق الأسهم الأميركية والعالمية، عاد ترامب ليدفع باتجاه فرض الرسوم الجمركية مجددًا في أوائل يوليو/تموز، مستخدمًا منشوراته اليومية على وسائل التواصل الاجتماعي لمهاجمة شركاء تجاريين أغضبوه، من البرازيل إلى الاتحاد الأوروبي، ومن المكسيك إلى ميانمار. تجاوزت مبررات الرئيس المتقلب الأعذار الاقتصادية التقليدية لفرض الرسوم الجمركية. وعلى سبيل المثال، هدّد ترامب البرازيل بسبب ملاحقتها القضائية لصديقه المقرّب، الرئيس السابق جايير بولسونارو، على خلفية محاولته تنفيذ انقلاب فاشل للبقاء في السلطة بعد خسارته في سباق إعادة الانتخاب.

ويعتقد ترامب أن تهديداته ستدفع دول العالم إلى السير على خطى المملكة المتحدة وفيتنام للتفاوض على اتفاقيات تجارية بشروط تصب في مصلحة الإدارة الأميركية. لكن معظم الاقتصاديين، والمؤرخين، وخبراء السياسة الخارجية يتوقعون مزيدًا من الفوضى الاقتصادية.

كتب محلل الشؤون الدولية عمران خالد مؤخرًا في صحيفة The Hill أن "الدبلوماسية التجارية الأميركية تحت قيادة ترامب لم تعد أداة للتواصل، بل تحوّلت إلى سلاح للاستعراض".

وعلى الرغم من أن تصرفات ترامب قد تُرضي أنصاره الأوفياء في الداخل، إلا أن العديد من المحللين المحايدين يرون أن الرسوم الجمركية المتقطعة التي يفرضها الرئيس الأميركي — والتي رفعت الضرائب التجارية العالمية إلى أعلى مستوياتها منذ قرن — تُهدد استقرار الاقتصاد العالمي.

ومن جهته، قال جو بروسويلاس، كبير الاقتصاديين في شركة RSM : "إنّ إدارة ترامب تلعب بالنار".

من بلاد ما بين النهرين إلى ماكينلي: لمحة سريعة عن تاريخ الرسوم الجمركية

لفهم سبب غرابة هوس ترامب بالرسوم الجمركية من منظور تاريخي، علينا أولاً أن نعرف كيف تطورت هذه الرسوم عبر الزمن.

لنبدأ بهذه المفارقة التاريخية: ترامب هو أول رئيس دولة يستخدم الرسوم الجمركية بهدف زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي أو خلق فوضى اقتصادية كإستراتيجية سياسية. لنعد إلى كتب التاريخ...

الرسوم الجمركية — وهي ضرائب على السلع المستوردة — وُجدت منذ أن بدأت الدول تتبادل التجارة. كانت التعريفات الجمركية الأولى عبارة عن رسوم مرور. ففي بلاد ما بين النهرين القديمة، كان التجّار يدفعون ضرائب عند البوابات والموانئ أثناء نقلهم للبضائع بين دويلات المدن. كما فرضت أثينا القديمة رسومًا جمركية على السلع القادمة إلى موانئها، بينما كانت المدن الأوروبية في العصور الوسطى تفرض ضرائب على التجار عند دخولهم من أبواب المدينة. وكانت الممالك الصغيرة تجمع الرسوم عند الأنهار والجسور، لا بدافع التخطيط الاقتصادي، بل لأن حُكامها كانوا بحاجة إلى المال.

المذهب التجاري، الذي كان الفلسفة الاقتصادية السائدة بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، منح الرسوم الجمركية بُعدًا سياسيًا. وفقًا لهذا الفكر، كانت ثروة الدولة تُقاس بما تملكه من الذهب والفضة. كان التصدير يُعزز هذا المخزون، في حين اُعتبر الاستيراد استنزافًا له. ولذلك، أصبحت الرسوم الجمركية الباهظة على الواردات أمرًا شائعًا.

أحد الأمثلة على ذلك هو قوانين الملاحة البريطانية في القرن السابع عشر. فقد فرضت بريطانيا أن تصل البضائع المستوردة إلى مستعمراتها عبر سفن بريطانية، بهدف إثراء نفسها وإضعاف منافسيها، وغالبًا ما كانت تفرض رسومًا جمركية تمنع المستعمرات من الشراء من منافسين أجانب.

الرسوم الجمركية: أداة سياسية أميركية

كانت الرسوم الجمركية أيضًا عنصرًا أساسيًا في تطور الاقتصاد الأميركي في بداياته. فبعد الاستقلال، اعتمدت الولايات المتحدة على الرسوم الجمركية كمصدر رئيسي للدخل في ظل غياب ضريبة الدخل. وكما أوضح ألكسندر هاميلتون، أول وزير للخزانة، في "تقريره عن الصناعة" عام 1791، فإن الرسوم يمكن أن تحمي الصناعة الأميركية الناشئة من هيمنة المصانع البريطانية القوية.

وكتب هاميلتون: "في الدول التي توجد فيها ثروات خاصة كبيرة، يُمكن أن تأتي الإيرادات العامة بدرجة كبيرة من تلك الثروات"، وأضاف: "أما في البلدان التي يقل فيها رأس المال، فإنّ فرض الضرائب على الاستهلاك تكون أكثر ملاءمة".

وغالبًا ما يُفضّل السياسيون فرض الرسوم الجمركية، لكن أنصار السوق الحرة يرفضونها بشدة. فقد كتب آدم سميث في كتابه الكلاسيكي "ثروة الأمم" الصادر عام 1776 أن الرسوم الجمركية تؤدي إلى ضعف الكفاءة الاقتصادية وتراخي الصناعات المحمية. وبعد قرنين من الزمن، اشتكى الاقتصادي الحائز على نوبل ميلتون فريدمان من أن "الرسوم الجمركية تحمي عددًا قليلاً من المنتجين على حساب عدد أكبر بكثير من المستهلكين".

وفي العقود التي سبقت الحرب الأهلية الأميركية، أصبحت الرسوم الجمركية نقطة خلاف سياسي حادة. فقد أثارت "تعريفة المكروهات" لعام 1828 — التي رفعت الرسوم على المواد الخام والسلع المُصنعة بشكل كبير  — غضب السياسيين والنخب الاقتصادية في الجنوب، الذين رأوا أنفسهم ضحايا لهيمنة الصناعة الشمالية. وأدى ذلك إلى اندلاع أزمة الإبطال، وهي مواجهة دستورية حول حقوق الولايات بين ولاية ساوث كارولاينا والحكومة الفيدرالية.

تبنّى أبراهام لنكولن، في برنامجه الانتخابي عن الحزب الجمهوري عام 1860، موقفًا حمائيًا واضحًا، حيث جادل بأن الرسوم الجمركية "تضمن للعامل الأميركي مكافأة كاملة على جهده". وقد عبّر لنكولن بذلك عن رؤية اقتصادية عالمية سادت في تلك الحقبة، إذ كانت جدران التعريفات الجمركية تُمثل القاعدة في التجارة حتى وقت متأخر من القرن العشرين. وقد استخدمت العديد من الدول الرسوم الجمركية لدعم ما يُعرف بـ"الصناعات الناشئة"، وهو مفهوم صاغه الاقتصادي الألماني فريدريش في أربعينيات القرن التاسع عشر، مُشددًا على أن الحماية ضرورية لكي تتمكن الصناعات في الدول النامية من اللحاق بالاقتصادات الأكثر تقدّمًا.

وقد أشعل ويليام ماكينلي، البطل التاريخي لدونالد ترامب، حربًا جمركية عام 1890 مع كندا وأوروبا، وذلك بوضعه قانونًا، بصفته عضوًا في الكونجرس عن ولاية أوهايو، برفع الرسوم إلى 50% بناءً على طلب الصناعيين الأميركيين الكبار المعروفين بـ"أباطرة السطو". وقد تسبّب ذلك في كساد اقتصادي وردّ فعل سياسي عنيف، كلّف الجمهوريين 93 مقعدًا في مجلس النواب وخسارة البيت الأبيض في انتخابات التجديد النصفي عام 1892. وبعد أربع سنوات، حين أصبح رئيسًا، وجد ماكينلي استخدامًا جديدًا لعائدات الرسوم الجمركية: تمويل حرب مع إسبانيا والتي أدت إلى نشوء إمبراطورية أميركية تمتد من بورتوريكو إلى الفلبين.

نحو تجارة أكثر حرية

وفي الولايات المتحدة، أنهى فرض ضريبة الدخل عام 1913 الحاجة إلى الإيرادات الجمركية لتمويل الإنفاق الحكومي. ولكن مع دخول العالم في الكساد الكبير عام 1930، وقّع الرئيس هربرت هوفر قانون سموت-هولي سيّئ السمعة، الذي رفع الرسوم الجمركية الأميركية على أكثر من 20 ألف سلعة، مما دفع دولًا أخرى إلى فرض رسوم جمركية انتقامية وتسبب في انهيار التجارة العالمية. واعتُبرت الرسوم سببًا في تفاقم الأزمة الاقتصادية وصعود الفاشية. وبعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، اتجه العالم نحو تقليص الحواجز التجارية والرسوم الجمركية.

وفي عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، أنشأت الدول نظامًا تجاريًا جديدًا. وُقّعت الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (GATT) عام 1947 بهدف تقليل الرسوم والحواجز التجارية تدريجيًا. وخلال العقود التالية، شهدت "جولات" التفاوض المتتالية في إطار GATT، فانخفضت الرسوم الجمركية بشكل كبير بين الدول المتقدمة. وفي الولايات المتحدة، انخفض متوسط الرسوم الجمركية من حوالي 20% في ثلاثينيات القرن الماضي إلى أقل من 5% بحلول التسعينيات. وكان النمط مشابهًا على مستوى العالم. فقد ازدهرت التجارة، وتبعها رخاء اقتصادي، وإن لم يكن متساويًا.

تُوّجت حقبة تحرير التجارة بإنشاء منظمة التجارة العالمية عام 1995، لتمنح العالم أول منظومة متكاملة ومُلزمة لقواعد التجارة الدولية. تراجعت الرسوم الجمركية، وارتفعت معدلات التجارة العالمية، وانخفض الفقر المدقع بشكل ملحوظ في جميع أنحاء العالم. وقد انتشرت فوائد هذا النظام العالمي الجديد، لكن ظهرت أيضًا خسائر، خاصة في الدول الغنية مثل الولايات المتحدة، والدول الراكدة مثل روسيا، حيث أُغلقت مصانع أو نُقلت إلى دول أخرى.

بدت قصة الصين منسجمة تمامًا مع هذا المسار لبعض الوقت. فبعد عقود من العزلة، انضمت بكين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، متعهدة بإصلاحات مقابل دخولها إلى الأسواق العالمية. وكان القادة الأميركيون آنذاك يعتقدون أن إدماج الصين في النظام التجاري العالمي سيشجّعها على الانفتاح السياسي ويُلزمها بالمعايير الدولية. وقد شهد النظام الاقتصادي الصيني بعض التحرير، لكن النظام السياسي لم يتغير.

وقد استفاد المستهلكون الأميركيون من تدفّق السلع الصينية الرخيصة، مثل الألعاب، والمحمصات، والأحذية الرياضية، والألواح الشمسية. وفي المقابل، اتهم قادة سياسيون من الحزبين في الولايات المتحدة الصين بتجاهل قواعد التجارة الدولية، وخرق الاتفاقات الثنائية لفتح أسواقها أمام المنتجات والخدمات الأميركية، وانتهاك حقوق الإنسان، وسرقة الملكية الفكرية. بينما ردّت الصين باتهام أميركيا بالتنمّر والتدخل في شؤونها الداخلية.

بدأت نهاية عصر العولمة مع انتخاب ترامب في عام 2016. فقد بدأت حربًا تجارية مع الصين عام 2018 من خلال فرض رسوم جمركية بقيمة 350 مليار دولار على السلع الصينية. وردّت الصين بالمثل، بفرض رسوم جمركية مماثلة توازي القيمة الأميركية، لتدخل القوتان الاقتصاديتان الأكبر عالميًا في دوامة من التصعيد المتبادل أثّرت على قطاعات متنوعة مثل الزراعة والتكنولوجيا.

ولم يؤدِ انتخاب رئيس ديمقراطي في عام 2020 إلى تغيير كبير في مسار تراجع العولمة. فقد حافظ جو بايدن على العديد من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، وأضاف رسومًا جديدة على السيارات الكهربائية والخلايا الشمسية. ثم عاد ترامب إلى الحكم في عام 2025، مُعلنًا أن "الرسوم الجمركية" هي كلمته المفضلة، ولم يكن يمزح.

وبالمقارنة مع نزاعات التعريفات الجمركية السابقة، مثل تعريفة سموت-هاولي عام 1930 أو التوترات بين الولايات المتحدة واليابان في الثمانينيات، فإن الوضع الحالي أكثر اتساعًا، وأكثر شحنًا أيديولوجيًا، وأكثر تشابكًا مع المخاوف العسكرية والاستراتيجية.

في ثلاثينيات القرن الماضي، كانت الرسوم الجمركية وسيلة لحماية الاقتصاد خلال الكساد الكبير. أما في الثمانينيات، فتركزت الخلافات مع اليابان على الوصول إلى الأسواق، وانتهت بتسويات تم التفاوض عليها بين الطرفين. أما اليوم، تُستخدم الرسوم الجمركية كأداة في صراع حول من يملك تقنيات وسلاسل التوريد في القرن الحادي والعشرين. وهي أيضًا أداة قوية يستخدمها رجل واحد- دونالد ترامب-لفرض نفوذه، مدفوعًا بخلافات مع الدول لأسباب شخصية، واقتصادية، ومؤقتة، وتكتيكية.

سواء نجح ترامب في مسعاه أم لا، فإنّ الطريقة التي سيرد بها العالم على تهديداته سترسم ملامح الفصل التالي من هذا التاريخ.


أُنتجت هذه المقالة بالتعاون مع برنامج الصحافة الاقتصادية العالمية في جامعة تسينغهوا. وهذا البرنامج شراكة بين المركز الدولي للصحفيين، وجامعة تسينغهوا، ووكالة بلومبرج الإخبارية.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على موقع Unsplash بواسطة أندرياس ديتبيرنر.