خلال مسيرتي العمليّة، قابلت عشرات الناس الذين تدمّرت حياتهم بسبب صدمة. في كل مرّة أتعذّب بسبب تأثير تقريري على معاناتهم.
هل تبرّر مهمتي الصحفية التحقيق في ألمٍ خاص؟ هل أدفع بصعوبة للحصول على تفاصيل؟ هل كنت محترمًا ومتعاطفًا بشكل صحيح؟ هل من أي أمر إيجابي أتاهم عبر تقريري؟
خلال تغطية حرب البلقان في التسعينيات، تحدّثت مع ضحايا الإبادة الجماعيّة، التطهير العرقي والإغتصاب الجماعي. العام الماضي، إلتقيت قرويين في جنوب السودان نجوا من القتل، التعديب، العنف الجنسي خلال القتال الوحشي بين القبائل.
كنتُ مراسلة وأغطّي موجة حالات الإنتحار بين المراهقين، وقد ذرفتُ الدموع حينها مع الآباء المنكوبين. على طول الطريق، تلقنت درسًا قيمًا: الصحفيون يحتاجون للمزيد من التبصّر حول كيفية التعامل مع ضحايا الصدمة، عندما يصبحون جزءًا من الأخبار.
يواجه معظم الضحايا والناجين جدارًا من الحزن بعد حدثٍ صادم، كيف يمكننا الوصول إليهم من دون التسبب بمزيد من البؤس؟ ماذا يجب على الصحفيين أن يتجنّبوا؟
الخبير في مجال الإعلام ستيف بوتري يردّ قائلاً: "لا تقولوا أبدًا: أفهم كيف تشعر.. لأنّك لست مكانه، حتى لو كنت واجهت نفس الصدمة على الصعيد الشخصي". ويضيف: "هذا أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه المراسل الذي يغطّي هذه الحالات ويقابل ضحايا الصدمات. أفضل نهج لاتباعه هو القول للضحية: أرغب بتلاوة قصّة لك.. فهذه الطريقة في التحدّث تشعر الضحية أنّها أمام قصّة وتستطيع بالتالي السيطرة".
خلال إجراء مقابلات مع لاجئين فارّين من العنف في بلدانهم، يقوم بتري بدفعهم بلطف نحو حساباتهم الشخصية، وبوضوح أكثر يقول بتري: "بعض ضحايا الصدمات يجدون أنفسهم متحررين وطريقًا للعلاج عبر الحديث عن تجاربهم. إذا قالوا لا، فهذا لا يعني إنّهم اقتربوا من التعافي. على الصحفي أن يحترم ألمهم وأن يدرك أنّ أسئلته قد تُلحق بهم الأذى".
كما قدّم بتري النصائح التالية من أجل التعامل مع ضحايا الصدمات:
لا تضع فرضية أنّهم سيجيبونك بـ"لا"
"هذه واحدة من القواعد الأساسيّة للصحافة.. ستفترض أنّ الناجي من الكوارث أو الأم الثكلى لا يريدون التكلّم معك. لكنّها قصتهم هم وليست قصّتك. يمكنك أن تقول للأم أنك تريد أن تروي قصتها. عندما تقول نعم، إحترم وقدّر أنّها كارمتك وانقل قصّتها بشكل جيّد. أمّا إذا قالت لا، إحترم قرارها أيضًا، واعرض عليها أن تروي قصتها في وقتٍ لاحق إذا ما كانت توافق".
إسأل عنهم، وليس فقط عمّا حصل لهم
"أبدأ بالسؤال عن أمور دنيويّة. أريد أن أعرف عن حياة الشخص، ليس فقط لإجراء حديث، ولكن لكي أحصل على معلومات تفهمني أكثر وتضع سياقًا لقصتي. سأتحدّث عن العائلة، المدرسة، العمل وشؤون أخرى. وغالبًا ما يكون الشخص الذي يدير دفّة المقابلة أمام الصدمة، لكنّه يشكّل سياقًا".
إستخدم طرفًا ثالثًا
بعض الأشخاص لا يجيبون بسرعة على طلبك لإجراء مقابلة. لكن قد تكون قادرًا على الوصول إلى أحد أفراد عائلته، القس، مدير الجنازة، الجار أو زميل في العمل لمساعدتك على إجراء مقابلة. قضيت 10 أشهر أحثّ قريبة أحد الناجين من العنف المنزلي حتى قبلت بإجراء مقابلةٍ معها".
بتري هو مدير الشؤون الإعلامية في جامعة لويزيانا. للمزيد من النصائح، إضغط هنا.
مركز دارت للصحافة والصدمات هو مصدر ممتاز آخر. هناك طلب كبير على فيديو بعنوان: "الحصول على حق: أخلاقيّة إعداد التقارير عن الناس الذين يواجهون الصدمات". وفيه تحدّث ضحايا وناجون عن كيفيّة تعامل وسائل الإعلام معهم.
عندما كنت أقوم بتدريب إعلامي في باكستان، جنوب السودان ومناطق نزاع أخرى، إستخدمت أدوارًا ومارست تمارين حول كيفية إجراء مقابلات مع ضحايا الصدمات. وأخذت قواعد من مركز دارت ومن تجربتي الخاصّة وهي لا تتغيّر أبدًا:
عندما تقترب من الضحية عرّف بنفسك بأكبر قدر ممكن من الأدب، قبل البدء بطرح الأسئلة. قل لهم إنّ المادّة ستنشر.
تعامل بإحترام وأخلاق مع كلّ شخص.
في البداية قل ببساطة: "آسف على ما تمرّون به" أو "آسف على ما حدث". دعهم يشعرون أنّك مهتم.
أعطِ الضحايا إحساسًا بالسيطرة. إسألهم أين يريدون إجراء الحديث الصحفي وإذا ما كان هناك أي شخص يريدونه معهم.
الخط الرئيسي: لا ضرر أو أذى
خلال الحرب في البوسنة في التسعينيات، حضّر عامل في الصليب الأحمر مقابلة مع فتاة (14 عامًا) كانت حاملاً جرّاء عملية إغتصاب، وكانت المقابلة مع أهلها أيضًا.وكان الإعتداء عليها من قبل قوات شبه عسكرية.
عندما شاهدت الحسرة على وجوههم، قرّرت البحث عن طريق آخر لرواية القصّة. وقد سمح لي الأهل برؤية نسخة عن التقرير الرسمي، والذي يتضمّن وصف الإختطاف والعذاب النفسي للضحيّة.
لا شكّ أنّ المقابلة الحيّة أعطت نسخة أكثر قوّة، لكن على الأقل إستطعت أن أنام تلك الليلة.
الصورة حاصلة على رخصة المشاع الإبداعي على فليكر بواسطة jsawkins.