نصائح للصحفيين الذين أجبروا على العيش في المنفى

Jul 11, 2024 في حرية الصحافة
رجل يحمل كاميرا أمام لوحة المغادرة بالمطار

من أفغانستان وروسيا، إلى فنزويلا وإريتريا وغيرها، فرّ الصحفيون على مستوى العالم من التهديدات التي تطال حياتهم وسبل عيشهم في ظل الأنظمة الاستبدادية. كما أغلقت غرف أخبار كاملة تعيش نفس الظروف أبوابها؛ لتجنب الخطر الوشيك على موظفيها والإفلاس المالي.

واليوم، أعاد الكثير من هؤلاء الصحفيين والمؤسسات الصحفية تأسيس أنفسهم في الخارج، ويواصلون أداء عملهم الهام الكامن في تقديم المعلومات الموثوقة والمستندة إلى الحقائق، إلى الجمهور في أوطانهم وفي الشتات، الذين يفتقرون بخلاف ذلك إلى مصادر الأخبار النقديّة والمستقلة.
 

 

وتُقدم مجموعة أدوات وسائل الإعلام في المنفى، التابعة لشبكة الصحفيين الدوليين، والمُعدة بالشراكة مع شبكة وسائل الإعلام في المنفى، نصائح من صحفيين لديهم معرفة مباشرة بالتحديات التي يواجهها الصحفيون الموجودون في المنفى. وتشمل مجموعة الأدوات نصائح حول كيفية بقاء المؤسسات الصحفية الموجودة في المنفى وثيقة الصلة بجماهيرها، وكيفية قياس تأثيرها من المنفى - وهو ما قد يكون أمرًا صعبًا بشكل خاص في ظلّ نظام استبدادي - وأهمية الحفاظ على شبكة الصحفيين الموجودين داخل البلاد. كما تتضمن حزمة الموارد دراسات حالة للصحفيين الموجودين في المنفى من ميانمار وروسيا ونيكاراغوا، التي تُسلط الضوء على المسارات التي اتبعتها ثلاث مؤسسات صحفية مختلفة لتأسيس نفسها في الخارج، كل منها وسط ظروف صعبة بصورة فريدة من نوعها.

وخلال جلسة نظّمها منتدى شبكة الصحفيين الدوليين للإبلاغ عن الأزمات، قدّم عضوان في شبكة وسائل الإعلام في المنفى قد ساهما في إعداد مجموعة الأدوات، نصائح ورؤى للعاملين في مجال الإعلام في المنفى. وناقش المدير المشارك لـ Vereinigung für die Demokratie - وهي منظمة غير حكومية مقرها برلين وتُدير تلفزيون ميدان في أذربيجان - مات كاسبر، والمديرة السابقة لقسم ولاء الجمهور في "كونفيدينسيال Confidencial" في نيكاراغوا ومنسقة شبكة وسائل الإعلام في المنفى، سينثيا ميمبرينو، تجاربهما في العمل مع وسائل إعلامية موجودة في المنفى، وقدما نصائح أساسية من مجموعة الأدوات.

التعلم من بعضنا البعض

قالت ميمبرينو إنّه في الدول الاستبدادية، حيث غالبًا ما تتعرض وسائل الإعلام المستقلة للقمع، لا يحصل الجمهور على المعلومات الموثوق بها التي لا تأتي من النظام.

وتلعب وسائل الإعلام الموجودة في المنفى دورًا حاسمًا في سد هذا الفراغ، إذ توفر للجماهير مصدرًا مستقلًا للمعلومات الموثوقة.

من جانبها، رأت ميمبرينو بنفسها مدى أهمية عمل الصحافة الموجودة في المنفى في بلادها، نيكاراغوا، موضحةً "أمارس الصحافة أو أعمل في الإعلام لأكثر من عقد من الزمان، ورأيت في نيكاراغوا النتائج ​​التي يُمكن أن تحققها المعلومات الموثوق بها في عملية صنع القرارات"، مضيفةً "حقيقة أنّه بإمكان النيكاراغويين الوصول إلى قصص عن الحكومة وقصص عن الوضع الاجتماعي للبلاد، وحقيقة أنّهم يعرفون هذه المعلومات، ستؤتي ثمارها".

وتقيد الأنظمة الاستبدادية باستمرار إمكانية الوصول إلى المعلومات، مما يعيق قدرة الصحفيين على الوصول إلى جماهيرهم وتقديم الحقيقة، وغالبًا ما تتعلم هذه الأنظمة من بعضها البعض فيما يتعلق بجهودها لقمع التغطية النقديّة.

وسيكون من الحكمة أن تتعلم وسائل الإعلام في المنفى من بعضها البعض لمواكبة التطورات. وبإمكان تبادل المعلومات حول كيفية التعامل مع التحديات الشائعة التي يواجهها الصحفيون وغرف الأخبار في المنفى تهيئة زملائهم للتعامل مع الظروف المماثلة ومواجهة التحديات المشابهة.

وقال كاسبر: "من الأسباب الرئيسية وراء اجتماع شبكة وسائل الإعلام في المنفى هي فكرة أنّنا نرى أنّ الأنظمة تُقلد بعضها البعض"، مضيفًا "لا ينبغي علينا ابتكار حلولنا الفردية لجميع هذه التحديات عندما توجد الحلول في مكان آخر، وعلينا مشاركتها وسيقلل ذلك من تأثير هذه الأنظمة".

الخطوات الأولى

ونصح كاسبر بأنّ إنشاء كيان قانوني يُعد خطوة أولى ضرورية لأي غرفة أخبار تنطلق من الخارج أو تنتقل إليه. وسيُتيح ذلك للوسيلة الصحفية إجراء العديد من أعمالها الإدارية، مثل تلقي التمويل والتبرعات، ودفع رواتب موظفيها.

ويوفّر مورد مجموعة الأدوات الذي كتبه كاسبر، بعنوان "وسائل الإعلام في المنفى 101"، نصائح حول إنشاء كيان قانوني، كما يتعمق في الاعتبارات الأمنية للصحفيين وجماهيرهم، وكيف باستطاعة وسائل الإعلام غير الربحية الموجودة في المنفى الاستفادة في عملهم من أدوات متاحة بأسعار مُخفضة.

وأوضح كاسبر: "تنبع النصائح من أخطاء أو صعوبات واجهناها في (ميدان) في السنوات الخمس الماضية، أو حتى قبل ذلك، كمنظمة، وجعلت تطورنا أبطأ وأصعب، واستغرقنا الكثير من الوقت والطاقة والجهد لحلها".

كما حثّ كاسبر الصحفيين وغرف الأخبار المنفية حديثًا على التواصل مع خبراء مثل المحاسبين والمحامين، الذين لديهم دراية بالدولة التي يضعون جذورهم فيها، مشددًا على أهمية الاستثمار في الأشخاص الذين يعرفون ما يتحدثون عنه.

توليد الإيرادات

يُشكل العثور على أساس مالي متين تحديًا محوريًا ومستمرًا لأي غرفة أخبار موجودة في المنفى، وقد لا تكون المصادر التقليدية للإيرادات متاحة أيضًا، مما يُجبر المؤسسات الصحفية على استكشاف نماذج جديدة.

وتذكرت ميمبرينو أنّ "كونفيدينسيال" تصدت لهذه المعضلة بشكل مباشر عند انتقالهم من نيكاراغوا إلى كوستاريكا. وقالت: "شكّل هذا الكثير من التحديات فيما يتعلق بكيفية جذب قرائنا للتبرع، وجذبهم للمشاركة في برنامج عضويتنا، وكيفية جمع الأموال، خصوصًا عندما تنتقل الوسيلة الإعلامية من دولة إلى أخرى".

واقترحت ميمبرينو البدء في تطوير نموذج للإيرادات باستقاء الآراء والرؤى من القراء، فعلى سبيل المثال، عندما أجرت "كونفيدينسيال" استطلاعًا لرأي جمهورها، اكتشفت أنّ أكثر من 50٪ منهم يهتمون بدعم الوسيلة الإعلامية ماليًا.

واستنادًا إلى هذه المعلومة الجديدة، بدأت المؤسسة - على الرغم من حالة التردد الأولي - في طلب التبرعات مباشرة من القراء. ووفرت الأموال المُجمعة، مصدرًا جديدًا وحيويًا للدخل مع تأسيس "كونفيدينسيال" نفسها في كوستاريكا.

ابتكار استراتيجية المحتوى

عند اتخاذ قرارات بشأن استراتيجية المحتوى، يتحتم على المؤسسات الإعلامية أن تأخذ احتياجات أولئك الذين لا يزالون في بلادهم في الاعتبار، إلى جانب أولئك الذين فروا إلى الخارج.

فعلى سبيل المثال، تطرقت ميمبرينو إلى وجود جالية كبيرة من المهاجرين النيكاراغويين في كوستاريكا، ومع ذلك، لم تكن وسائل الإعلام المحلية تُغطي شؤون هذا المجتمع على الرغم من أعدادهم المتزايدة وتأثيرهم. ومن جانبها، عملت "كونفيدينسيال" على سد هذا الفراغ من خلال صناعة محتوى يستهدف النيكاراغويين الذين يعيشون خارج البلاد الآن.

وباستطاعة الصحفيين الاستفادة من تجاربهم الشخصية في الانتقال إلى الخارج عند التفكير فيما يجب تقديم التقارير عنه. وقالت ميمبرينو: "لأنّك أيضًا مهاجر، فما هي الموضوعات التي كنت تود قراءتها في وسائل الإعلام والتي كانت ستستجيب لاحتياجاتك؟ هل هي نصيحة قانونية؟ أم حول كيفية إرسال الأموال إلى بلدك؟ أم ما يحدث في المجتمع؟"، تُعد جميع هذه الأمور موضوعات ستكون ذات صلة للجماهير الموجودة في الشتات.

وقبل كل شيء، وعلى الرغم من التحديات الكثيرة التي تواجههم، حثت ميمبرينو الصحفيين الموجودين في المنفى على عدم فقدان الأمل.

وفي النهاية، أكدت: "أعلم أنّ الأمر صعب، ولكن لا تنسحب.. ولا تستسلم"، مختتمة "أسوأ شيء قد يحدث للجماهير داخل البلاد وخارجها هو عدم امتلاك المعلومات، وجودة المعلومات، التي يمكنك تقديمها كصحفي أو كفريق من وسائل الإعلام".


الصورة حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة إريك أودين.