قام جورج باكر، الكاتب في مجلة نيويوركر، بالكتابة عن الناخبين الساخطين في أوهايو، وأصحاب المنازل المحاصرة في فلوريدا، ومدينة لاغوس الضخمة: نيجيريا، ودولة بورما المنعزلة المضطهدة. كما قام بوصف المأزق الخطير للعراقيين الذين يترجمون للجيش الأميركي، والممارسات المبهمة التي يقوم بها أعضاء مجلس الشيوخ الذين يفعلون أي شيء ما عدا التباحث بشأن القضايا المهمة المعاصرة.
ولكن كيف يعرف باكر ما يكفي من المعلومات بشأن هذه المواضيع واسعة الاختلاف لمناقشتها على التلفزيون، ناهيك عن الكتابة عنها لمجلة النيويوركر؟
باكر، الذي سيكون في منظمة بوينتر مساء يوم الثلاثاء لحوار بعنوان: "هل تتدهور أميركا؟" تحدث إليّ عبر الهاتف بشأن الطريقة التي يقوم بها بدخول منطقة غير مألوفة لتغطية مواضيع معقدة. ورغم أن معظم الصحفيين لا يمضون أشهراً في كتابة تقارير لمجلة وطنية كما يفعل، فإن تقنياته يمكن تطبيقها في سائر أنواع التقارير.
لا تدخل إلى المنطقة وأنت تجهلها
ورغم أن باكر يعتمد على المدرسة القديمة، وبما أنه عندما يقوم بإعداد التقارير يعمل على تتبع المصادر والوثائق للتحقق من صحتها قبل أن يدرجها في تقريره، فإنه يمضي الكثير من الوقت في القراءة عن خلفية الموضوع قبل أن يذهب إلى أي مكان، بدءاً من تقارير الأخبار وانتهاءً بكتب التاريخ.
ويقول باكر: "إن الجهل ولعب لعبة الاختباء واللحاق بالركب ليست أدوات مفيدة للمهنة"، ويضيف: "هذا يعني أن عليّ القيام بالكثير من التحضير المكثف، والكثير من البحث على شبكة الإنترنت، والكثير من التحدث إلى الناس قبل أن أتمكن من السفر حتى".
وقبل سفره إلى مدينة تامبا في أواخر عام 2008 ليكتب تقريره حول أزمة الإسكان، أمضى باكر نحو أسبوع في قراءة التقارير الإخبارية والمواد المتعلقة بخلفية الموضوع، باحثاً وساعياً للتواصل مع الأكاديميين والتحدث إليهم. لقد أمضى حينها ما بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع في ولاية فلوريدا.
ويوضح باكر ذلك قائلاً: "أعتقد أن أهم شيء يمكن أن يكون هو معرفة شيء عن تاريخ المكان، وهو الأمر الذي لا يعرفه السكان المحليون أنفسهم عادةً"، ويقول: "إن التاريخ هو القدر؛ فكل مكان هو نتاج ماضيه".
جِد مرشداً ليريك المكان
ولأن باكر غالباً ما يجد نفسه يقوم بتغطية الأماكن التي لا يكون خبيراً بها، فهو يقول: "إنني بحاجة إلى شخص يمكنه أن يزودني بتعريف للمكان، ويعطيني الإحساس بالمَشاهد."
وفي تغطيته الأخيرة التي تناولت مجلس الشيوخ الأميركي، اعتمد باكر على الخبراء من الصحفيين الذين قدموا سبقاً صحفياً، ويعرفون مداخل هذه المؤسسة ومخارجها، من طاقم الموظفين العاملين إلى القواعد الغامضة.
وعندما قرر الذهاب إلى فلوريدا للتحقيق في جذور الانهيار المالي، فقد اختار منطقة تامبا لسبب جزئي، وهو وجود صديق له هناك يمكنه أن يأخذه في جولة في المكان. وقد قام كلاهما باستطلاع منطقة خليج تامبا، وهما يجولان في أحيائها ويتكلمون إلى الناس بشكل عشوائي. إن ما تعلمه في تلك المقابلات أصبح جزءاً محورياً من ذلك التقرير.
إنه يقوم باستمرار بالسعي في اتجاه معين عند إجراء المقابلات مع الناس. ويقول باكر: "بمجرد أن نصل إلى هناك، فإنني أقول دائماَ: "مع من أود التحدث أيضاً؟" و"هل تعرف أي شخص يمر بمثل هذا الوضع؟"" ويضيف: "إن الناس يميلون إلى أن يكونوا غايةً في الكرم بتلك المعلومات، ومعظم الناس يريدون أن يرووا قصتهم".
اذهب وأنت تحمل سؤالاً توجيهياً
يفضل باكر عدم الذهاب لإعداد تقرير وهو يحمل نظريةً ما بذهنه، بل يحمل بدلاً من ذلك سؤالاً ليوجه عمله من خلال إجابته. وكان السؤال التوجيهي الذي حمله لتقرير مجلس الشيوخ هو: "ما هي الثقافة السائدة لهذا المكان؟" وقد اندهش ابتداءً بالكيفية التي يبدو عليها أعضاء مجلس الشيوخ العصريين والمتضعضعين، إذ يبدون مختلفين كثيراً عن الكيان الكلي الذي كان في الخمسينيات من القرن العشرين، بحيث يمثلهم (وهذا لا ينطبق بدقة على الجميع) فيلم "Advice & Consent" وما ترجمته "النصح والموافقة".
وقال باكر "لقد كنت أريد أن أشعر -في الحقيقة، على الأرجح أني بالغت برأيي الخاص بعض الشيء- مثل أي أجنبي، أو أي أخصائي في الأنثروبولوجيا، وهو يذهب ليدرس ثقافة قبلية صغيرة، ويحاول معرفة أساليبها ولغتها ومعاييرها وقواعدها".
أما بالنسبة لتقرير استيلاء البنوك على المنازل في فلوريدا، فقد قال إن السؤال الرئيسي كان عندها: "لماذا بدأت الأزمة الاقتصادية هنا؟ ... لقد كان لذلك المكان ذبذباتٌ لتقرير كبير بالنسبة لي، فقد بدأ شيء ما في مكان صغير هنا، وانتشر في سائر أرجاء العالم ليصبح حدثاً تاريخياً ضخماً".
ويقول باركر إن السؤال التوجيهي الجيد كان يقوده إلى طريق ما. إنه أشبه بخيط أو دليل "يجعلني أعرف أنه سيقودني إلى أشياء مثيرة للاهتمام- وعندها فإنني أمضي في ذلك الطريق وأتبعه".
استفد من وضعك الخاص كشخص خارجي
وإن كان من الصعب معرفة مكان ما عندما تقوم بإعداد تقرير ما، إلا أن باكر يقول إن كونه أحد الأشخاص الجدد في المكان يساعده في "رؤية الأشياء التي قد لا يراها الأشخاص الغارقون في الموضوع".
ففي تقريره حول مجلس الشيوخ، نصحه مسؤول في إدارة أوباما بـ"تغطية أخبار واشنطن كما لو أنها عاصمة أجنبية". وقد بدأ بإمضاء عدة أيام في معرض الصحافة -وحده بشكل عام- وهو يتابع الإجراءات. وإذا ما وضعنا جانباً بعض الموظفين العاملين والضباط المتواجدين، فإن أعضاء مجلس الشيوخ أيضاً كانوا وحدهم عندما كانوا يلقون كلماتهم. وقال باكر إن الأمر بدا كما لو أنهم كانوا يتحدثون إلى أنفسهم.
ويقول باكر عن ذلك: "لقد رأيت مدى الجنون عندما يقوم أحد أعضاء مجلس الشيوخ بإلقاء كلمة أو خطبة، فلا أحد يصغي،" وأضاف قائلاً: "وعلى الرغم من أن هذا هو المعيار السائد، فقد كان معياراً غريباً جداً بالنسبة لي. هذا يعني أنهم لا يناقشون المسائل، إنهم لا يقومون بتداولها".
وقال باكر إن الصحفيين الذين يقومون بتغطية مبنى الكابيتول يعرفون هذا الأمر بالفعل، ولكن المشاهد العادي الذي يتفرج على شاشة شبكة الشؤون العامة بالكابل والأقمار الصناعية (سي.سبان C-SPAN) لا يعرف ذلك. ويضيف: "لقد تتطلب مني ذلك أن أكون وافداً جديداً، وأن أكون شخصاً لم يرَ الأمر من قبل حتى أندهش منه".
وقال لي أليكس بلومبرغ إن جهله كان عاملاً مساعداً له عندما كان يسعى لفهم الأعمال التجارية الغامضة للأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية، وذلك عندما عمل على إعداد تقريره "بحيرة ضخمة من المال"، الذي حاز على جائزة لاحقاً. إن المراسلين الصحفيين المختصين بالشؤون المالية كانوا أقرب بكثير مما لم يمكّنهم رؤية الصورة الكبيرة. وقال بلومبرغ: "إذا كنت تعرف أكثر مني، فمن الممكن أنه قد فسّر الأمر لك بطريقة أكثر سهولة".
امسك بتلك الأفكار العابرة
لقد كان باكر أول شخص يعد مدونة لمجلة نيويوركر، إذ كان يضع المقالات فيها مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع. إلا أنه أصبح ينشر فيها الآن بشكل أقل تكراراً.
ومن النواحي الجيدة لذلك أن الكتابة في المدونة تمكنه من التحدث بشكل مباشر وطبيعي بشكل أكبر مع القراء. وقد كان هذا الأمر يساعده في الكتابة للمجلة، "لأنه يتيح لي العمل على الأفكار بمجرد أن تأتي إلي، وذلك بطريقة ما كنت لأتمكن من القيام بها على مدى ثلاث شهور من احتضاني لمقال طويل للمجلة".
إلا أنه يقول أيضاً بأن التفاعل الذي يلي إدراج هذه المقالات يمكن أن يصبح مصدر إلهاءٍ له عن عمله، خصوصاً عندما يكون ما يزال يعمل على ترتيب أفكاره. ويقول عن نفسه في بعض الأحيان: "أنا لا أريد أن أكون مسؤولاً عنها بعد، ولا أعرف ما الذي أفكر فيه، ولا أعرف بماذا سأستخدمها لاحقاً".
وحتى عندما يعمل على كتاب ما، كما يفعل في الوقت الحالي، فإنه يستخدم الطريقة القديمة باستخدام دفتر لحفظ أفكاره. وأياً كانت الطريقة، فمن الضروري أن تجمع أفكارك في مكان واحد. ويقول باكر: "إن أفكارنا لا تبقى معنا إذا كتبناها"، ويضيف: "إنها تبدأ بالاضمحلال والتلاشي، وفجأةً فإنها لا تعود موجودة هناك".
نُشرت هذه المقالة أصلاً على موقع بوينتر أون لاين. وقد تُرجمت ونشرت على موقع شبكة الصحفيين الدوليين بعد الحصول على إذن بذلك. إن موقع بوينتر أون لاين هو الموقع الإلكتروني لمعهد بوينتر، وهو الجامعة التي ظلت تخدم الصحافة والديمقراطية لأكثر من 35 عاماً. ويوفر بوينتر الأخبار والتدريبات المتناسبة مع أي جدول زمني، إضافة إلى التدريب الشخصي الفردي، والحلقات الدراسية الشخصية، والدورات المقدمة عبر الانترنت، والحلقات الدراسية عبر الإنترنت، إضافة إلى خدمات أخرى.