تؤكد مناهج التدريب الصحفي أن مجتمعاتنا بحاجة إلى الصحافة، لكن يحق لنا أن نتساءل: هل يحتاج أحد فعلاً إلى نوع الصحافة الذي نتلقّاه اليوم؟
الكثير من الناس حول العالم لا يسألون ما إذا كانوا بحاجة إلى الصحافة كما هي اليوم— بل يُظهرون بوضوح عدم حاجتهم لها. ووفقًا لأحدث تقرير للأخبار الرقمية الصادر عن معهد رويترز، فإنّ 40% منهم "يتجنبون غالبًا أو أحيانًا الأخبار"، وترتفع النسبة إلى 42% في الولايات المتحدة، و46% في المملكة المتحدة، وأكثر من 60% في بعض الدول الأخرى.
في الكثير من الأحيان، تفشل الصحافة التقليدية في تلبية احتياجات الجمهور ومشاعرهم، أو التفكير في الدور الذي يجب أن تلعبه الأخبار في حياتهم. يكتفي الصحفيون بنقل "ما يحدث" فقط بدون الاهتمام بما "يُفترض" أن يفعله الناس بهذه المعلومات.
تُشعر الأخبار التقليدية الكثير من الناس بالإرهاق بسبب كثافتها وسلبيتها. ينتقل الصحفيون من قصة إلى أخرى في دوامة من الإنتاج المُفرط، بدون أن يتركوا مجالاً للأسئلة الجوهرية: "لماذا نفعل ما نفعله؟ وما الغاية الحقيقية من وجود الصحافة؟".
لماذا الآن؟
العمل في الصحافة ليس سهلاً، وخصوصًا في الفترة الأخيرة، لا يكون ممتعًا دائمًا: أزمة الصحافة ليست سرًا. ولكن المشكلة أن أغلب النقاشات الدائرة حول "إنقاذ الصحافة" تنشغل بالأعراض الظاهرة، لا على المرض نفسه.
نماذج الأعمال القديمة، وأنظمة التوزيع الفاشلة، وسوء فهم طرق التواصل المتطورة، كلها مجرد أعراض.
الخلل الحقيقي يكمن في أننا لفترات طويلة لم نركّز على الناس الذين نخدمهم. تجاهلنا وجودهم، أو في أفضل الأحوال اختزلنا إنسانيتهم إلى مجرد مقاييس بلا روح. ومع مرور الوقت، تآكلت العلاقة التي تربطنا بهم، حتى وصلت اليوم إلى حافة الانهيار.
ومع ذلك، يُمكننا إصلاح هذه العلاقة إذا بذلنا جهدًا واعيًا لإعادة تخيّل ما يمكن أن تكون عليه الصحافة: ما هدفها، وما معنى ممارستها، وأنواع المنتجات الصحفية التي نُقدّمها للناس.
تخيّل مسارًا أفضل
من خلال مشروع JR3، نسعى إلى دعم عملية التعافي. وJR3 هو اختصار لعبارات: "إعادة التفكير، وإعادة التركيز، وإعادة التخيل. صحافة في مرحلة انتقالية". وهذا المشروع هو ثمرة التعاون بين مؤسسة News Alchemists، ومختبر Knight التابع لكلية Medill للصحافة في جامعة نورثويسترن، وبدعم من معهد Buffett للشؤون العالمية في الجامعة نفسها.

وفي شهر يونيو/حزيران، جمعنا في المختبر مجموعة مكوّنة من عشرة مشاركين من مختلف جوانب منظومة الصحافة — قادة المنظمات غير الربحية، ومديري غرف الأخبار، وصنّاع مستقلين، وقادة الجمهور والمنتجات، وخبراء في الصحافة المحلية واستدامة الإعلام — ليوم من التأمل الجماعي وتوليد الأفكار.
نُخطط لأن نكون بمثابة منسقين وميسّرين، وذلك من أجل ربط الأفكار والرؤى التي قد تُسهم في تجديد العقد الاجتماعي بين الصحافة والجمهور — وكل من يسعى لجعل الصحافة أكثر تلبية لاحتياجات الناس وتطلعاتهم.
سؤالان رئيسيان
الثقة في الصحافة متدنية، وتجنب الأخبار يتزايد باستمرار، لكن كما أشار أحد المشاركين في مشروع JR3، لا ينبغي أن نفترض أن الناس لا يتابعون لأنهم غير فضوليين. هم فضوليون بالفعل. ومسؤوليتنا هي تنمية هذا الفضول.
السؤال ليس كيف نجعل الناس يتفاعلون مع ما ننتجه، بل كيف نُنتج شيئًا يرغبون فعلًا في التفاعل معه. ما الذي يحتاجه الناس حقًا من الصحافة لمساعدتهم على فهم حياتهم والتعامل معها؟.
تنويه: ينصب تركيزنا هنا على "الصحافة"، وليس على "الأخبار". من المهم التمييز بين المصطلحين: كل خبر هو جزء من الصحافة، لكن ليست كل الصحافة أخبارًا. فـ"الأخبار" تمثل جانبًا كبيرًا من المشكلة المطروحة، بينما "الصحافة" يُمكن أن تكون جزءًا أساسيًا من الحل.
سؤالان أساسيان، قد يبدوان متشابهين، شكّلا جوهر ورشة عمل JR3. وندعوك إلى محاولة الإجابة عنهما كما فعلنا نحن:
السؤال الأول: ما هو هدف الصحافة؟ خذ لحظة للتفكير، ثم دوّن إجابتك في النموذج أدناه. (تخيّل أنك تكتب على ورقة ملاحظات لاصقة: فقط كلمات قليلة، وليس فقرة طويلة).
بعد إرسال إجابتك، سيظهر أمامك رابطان:
(1) "عرض الإجابات السابقة": لا تضغط على هذا الرابط قبل أن تُجيب عن السؤال الثاني في نهاية هذه الصفحة.
(2) "إرسال إجابة أخرى": تفضّل، أرسل ما تشاء من الإجابات. فهدف الصحافة ليس واحدًا فقط.
حسنًا، انطلق:
هل انتهيت؟ حسنًا، إليك السؤال الثاني — ماذا الذي ينبغي أن تُمكّننا الصحافة من الشعور به، أو التفكير فيه، أو فعله؟
مرة أخرى، لا تتردد في إرسال أكثر من إجابة.
الآن، تحقق مما يقوله الآخرون من خلال النقر على "عرض الإجابات السابقة" في النموذجين.
ماذا لاحظت أثناء إجابتك على السؤالين؟ كيف اختلفت إجاباتك عليهما؟
وماذا عن إجابات الآخرين؟ كيف كانت مختلفة؟
استكشاف هدف الصحافة
كان المشاركون في ورشة JR3 يفكرون مسبقًا وبشكل معمّق في دور الصحافة وغايتها ضمن أعمالهم اليومية. وكنا كمجموعة منسجمين بالفعل مع أسلوب تفكير غير تقليدي يُركّز على الجمهور.
ومع ذلك، عندما طُرح سؤال حول هدف الصحافة، عادت العديد من السرديات القديمة للظهور: محاسبة السلطة، وحماية الحقيقة، وبناء واقع مشترك داخل المجتمع، وغيرها.
عندما طُلب من المشاركين التفكير في دور الصحافة من وجهة نظر الجمهور، بدأت إجاباتهم تتغير. فقد أدى استكشاف سؤال "ما الذي يجب أن تُمكّننا الصحافة من الشعور به أو التفكير فيه أو فعله؟" إلى ظهور إجابات ركزت بشكل شبه كامل على:
- تعزيز الشعور بالانتماء والتواصل.
- مساعدتنا على الشعور بالقدرة على اتخاذ القرارات.
- فهم بعضنا البعض بشكل أفضل.
- خوض حوارات ذات معنى.
- الشعور بحالة أفضل.
- بناء مستقبل أفضل معًا.
كانت كلمة "أفضل" حاضرة بقوة في الإجابات، مثل: "يجب أن تُمكّننا الصحافة من الشعور بشكل أفضل"، و"التفكير بشكل أفضل"، و"العمل بشكل أفضل"، و"التفاهم والتعاطف بشكل أفضل مع بعضنا البعض"، وما إلى ذلك.
لكن، كم مرة تمكّنت الصحافة فعليًا من تحقيق هذا "التحسن" في حياتنا؟
استكشاف ما الذي ينبغي أن تُمكّننا الصحافة من فعله
وفي نهاية اليوم، عبّر المشاركون بهذه الكلمات عن التحوّل نحو منظور يركّز على الجمهور والنتائج عند التفكير في هدف الصحافة:
"النموذج الذهني التقليدي للصحافة ينهار عندما نضع الجمهور في قلب المعادلة"، و"المسؤوليات المفترضة تُقيّدنا عن الوصول إلى حلول تواكب اللحظة الراهنة".
هذه اللحظة تتطلب حلولًا لا تتشبث بمسؤوليات غير واقعية. إنها تتطلب تواضعًا حقيقيًا يضع الجمهور في قلب كل ما نقوم به، ويدفعنا للذهاب إلى حيث يوجد الناس فعلًا.

إنّ وضع الجمهور في المركز لا يعني فقط إنتاج المزيد من المحتوى أو نشر القصص على منصات أكثر. بل يعني أن نتبنى واقع حياة الناس: ما يحتاجونه، ما الذي يُمكن أن يُحسّن حياتهم، وكيف تُصبح الصحافة قوة إيجابية في تلك الحياة.
فالصحافة لا يُمكن أن تعيش في فراغ، ولا ينبغي أن تتعالى عن الاعتراف بعدم جدواها أحيانًا.
أثمرت ورشة عمل JR3 شعورًا متجددًا بالأمل، وإحساسًا بأن "الانسجام والترابط في الأفكار أشارا لي حقًا إلى أننا قد نكون أمام نقطة تحوّل حقيقية في الصحافة — نحو صحافة تُعنى بالتواصل والرعاية"، كما قال أحد المشاركين.
ماذا بعد؟
سنشارك المزيد عن مشروع JR3 وما تعلّمناه، ليس فقط بالكلمات، بل من خلال دعوتكم وكل من يهتم بمستقبل مهنتنا إلى الانضمام إلى الحوار والمساهمة في تحسين علاقتنا مع الجمهور.
إذا وجدت صدى في هذه الأفكار، ندعوك لمشاركتها مع زملائك ومناقشتها داخل مؤسستك.
ما الذي تريد لصحافتك أن تُمكّن الناس من الشعور به، أو التفكير فيه، أو فعله؟ وأين تتراجع صحافتك عن تحقيق هذا الهدف؟ وما هو الشيء الوحيد الذي يُمكنك البدء به الآن لتخدم هذا الهدف بشكل أفضل؟
يسرّنا أن نعرف ما هي أبرز الأفكار أو الاستنتاجات التي خرجت بها من هذه النقاشات. راسلنا على البريد الإلكتروني:jeremy.gilbert@northwestern.edu، وxhgmattia@gmail.com.

الصورة الرئيسية مُقدّمة من سيجر غراي.
نُشرت هذه المقالة في الأصل على موقع Kight Lab بجامعة نورث وسترن، وأُعيد نشرها على موقع شبكة الصحفيين الدوليين بعد الحصول على إذن من المؤلفين.