لماذا ينبغي على غرف الأخبار تطوير استراتيجية للصحة النفسية لصحفيي المناخ؟

بواسطة Seigonie Mohammed
Dec 7, 2023 في تغطية قضايا البيئة
أزمة المناخ كما شوهدت في تدمير للبنية التحتية

لقد مضى أربعة أعوام منذ أن ضرب إعصار دوريان جزر الكاريبي، ولكن لا تزال بعض الصور من تلك العاصفة تطاردني.

عندما هبط فريق CCN TV6 من ترينيداد وتوباغو في جزر أباكو، في شمال جزر البهاما. لم تكن هناك أي طيور أو أشجار، وبدأ ضغط العمل بالقرب من الأماكن المليئة بالموت والعدوى والصراع المستمر. وعلى الرغم من أنّ تلك التغطية لم تكن الأولى التي أُكلف بها أثناء موسم الأعاصير في الكاريبي، ولكنّها كانت المرة الأولى التي شعرت فيها أنني غير مستعدة عقليًا.

وغالبًا ما يكون الصحفيون أول المستجيبين للكوارث الكبرى المتعلقة بالطقس، ويكمن دورنا في تقديم المعلومات حتى عندما نعمل في أخطر البيئات وأكثرها قلقًا، ومع ذلك، قد تؤثر مشاهدة الصدمة علينا لفترة طويلة بعد انتهاء الحادث. وعندما يتعلق الأمر بالكوارث التي يُغذيها التغير المناخي، نواجه أيضًا احتمالية تغطية نفس النوع من الكوارث مرارًا وتكرارًا.

نعلم بالفعل أنّ الصحفيين الموجودين في الخطوط الأمامية يواجهون مخاطر جسدية أثناء تأديتهم لعملهم، وخاصة عند تغطية الحرب أو الصراع. وتمتلك العديد من غرف الأخبار حول العالم قوائم مرجعية منتظمة للاستعداد لمخاطر تغطية بعض المخاطر والأحداث وإدارتها.

ولكن نادرًا ما نسمع عن وجود الاستعدادات نفسها فيما يتعلق بالصحة النفسية، وخاصة لتغطية الكوارث المرتبطة بالمُناخ. وينبغي منح الصحفيين الذين يغطون الكوارث المرتبطة بالمناخ قوائم مرجعية متعلقة بالصحة النفسية تُحدد الإجراءات التي ستتخذها غرفهم الإخبارية قبل تكليفهم بمهمة قد تكون مُجهدة وخلالها وبعدها. كما ينبغي على صناعة الصحافة تجهيز الدعم للصحفيين للتعافي من المشكلات المتعلقة بالصحة النفسية عند حدوثها. وبشكل عام، ينبغي أن يكون الحديث عن الصحة العقلية، بما في ذلك القلق والاكتئاب، جزءًا من ثقافة غرف الأخبار.

نعرف بالفعل أنّ الصحفيين قد يعانون نفسيًا أثناء تأدية عملهم، وأظهرت عدة دراسات أنّ ما لا يقل عن 80٪ من الصحفيين شهدوا حدثًا صادمًا، وفقًا لمركز دارت للصحافة والصدمات، ولم يشهد العديد من الصحفيين حدثًا صادمًا واحدًا فقط، بل عدة أحداث صادمة.

وعلى سبيل المثال، وجدت ورقة بحثية صدرت في 2019 وكانت عن الصحفيين الذين غطوا إعصار هارفي، أنّ 20٪ من الصحفيين أصيبوا باضطراب ما بعد الصدمة المرتبط بالعاصفة بعد ذلك، بينما أظهر 40٪ منهم علامات الإصابة بالاكتئاب. ومع ذلك، هناك تصور في أغلب الأحيان أنّ الصحفيين يتعرضون للأحداث الصادمة عند تغطية موضوعات محددة فقط، مثل تغطية الجرائم المميتة أو الحروب.

ومن المؤسف أنّ قضية الصحة النفسية تعتبر من المحرمات بشكل خاص في العديد من غرف الأخبار وأجزاء مختلفة من العالم. وفي فاعلية TechCamp Bridgetown التي أُقيمت مؤخرًا للصحفيين الكاريبيين في ميامي، فلوريدا، ناقشنا كيف لا تُقدم العديد من المؤسسات الإخبارية الخدمات الاستشارية بعد الكوارث المرتبطة بالطقس وغيرها من الأحداث الصادمة. وأخبرني  صحفيون أنّهم يعانون من هذه الصدمة ويحاولون إيجاد طرق لإدارة الضغط بمفردهم.

وفي أثناء ذلك، أصبحت تغطية الكوارث أكثر شيوعًا في المؤسسات الإخبارية الكاريبية، وذلك لأنّ التغير المناخي يجعل هذه الأحداث أكثر تواترًا، وبكل بساطة، هناك المزيد من العواصف وحالات الجفاف الشديدة، والكوارث.

وبينما حلقنا زملائي وأنا فوق جزر الباهاما التي دمرها الإعصار في ذلك اليوم، عملنا بلا توقف لثلاثة أيام، وقدمنا تغطيات عن جهود أفراد الاستجابة لحالات الطوارئ، وقمنا بتصوير الأفراد أثناء اصطحابهم على متن القوارب والرحلات الجوية خارج المناطق الأكثر تضررًا بالكارثة.

يُمكنني حتى الآن أن أتذكر الجزيرة، بكى الناس متحدثين بالفرنسية والإنجليزية بينما كانوا يتشبثون بأفراد عائلاتهم وأي ممتلكات يجدونها. ووقف العديد من الأفراد في الجو الحار ناظرين إلى السماء باحثين عن الأمل. وحتى يومنا هذا، لا أزال أشعر بالقلق أن تكون أسئلة مقابلاتي قد سببت المزيد من الضرر إلى الوضع الهش بالفعل الذي كان يعيشه الكثير من الأفراد.

لا يتشجع الكثير من الصحفيين لتلقي العلاج عند حاجتهم إليه لأنّ الأشخاص الذين يقومون بتغطية قصصهم يواجهون معاناة أكبر بكثير، ويشعر الصحفيون بالذنب لانزعاجهم مما رأوه عندما يعتقدون أنّ الوضع أسوأ بكثير بالنسبة لشخص آخر. ومع ذلك، فإنّ هذا الشعور بالذنب لا يُقلل من تأثير الحدث الصادم، وإنّما يمنع المراسلين من تلقي المساعدة ويُصعب من عملية التعافي. 

هنأنا زملاؤنا على عملنا الرائع عند عودتنا إلى جزيرتنا بعد تغطية الإعصار، ولكن لم تكن ثقافة التعافي متاحة، وكانت المواعيد النهائية للتسليمات تقترب بسرعة والمزيد من العواصف تلوح في الأفق. ولم نتلق أي دعم نفسي رسمي في الأيام التي تلت، سوى المواساة التي وجدناها في بعضنا البعض من خلال محادثاتنا القصيرة حول تجاربنا. حينها تحمّلت ما أعاني منه وذكرت زملائي بأنّ يكونوا أقوياء لأنّ العمل لم ينته بعد.

وعلى الرغم من أنّ بعض الأشخاص في الكاريبي قد ينظرون إلى عبء الصحة النفسية على الصحفيين باعتباره من المحرمات، فإنّه ليس من الضروري أن يكون الأمر كذلك. وهناك أمور بسيطة بإمكان غرف الأخبار القيام بها للاعتراف بتأثير هذا الأمر على موظفيهم ومساعدتهم على التكيف. ويُمكن من خلال إعداد قائمة مرجعية خاصة بالصحة النفسية أن يستفيد المديرون سريعًا من أطر العمل المتوفرة لديهم بالفعل للتعامل مع المخاطر الجسدية. كما يُمكنهم الاستفادة من موارد مثل مركز دارت، وإدراك تأثير الكوارث ليس فقط على المراسلين وطواقم الكاميرات في الخطوط الأمامية، وإنّما على صنّاع الفيديوهات والمحتوى في المكتب والذين سيشاهدون لقطات مفجعة أيضًا.

وفي النهاية، يؤدي الصحفيون المتخصصون في تغطية المُناخ واحدة من أهم الأدوار في المجتمع المدني وهو إعلام الجمهور كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على حياتهم اليومية وتُهدد سلامتهم. ولكن الصحفيين بشر أيضًا، ونحن بحاجة للدعم والتعاطف مثل أي شخص آخر أيضًا.


الصورة حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة NOAA.

هذه المقالة نُشرت في الأصل بواسطة معهد رويترز لدراسة الصحافة، وأُعيد نشرها بإذن.