كيف كشفَت "بيلينغ كات" الحقيقة وراء الضربات الصاروخية الروسية في أوكرانيا؟

بواسطة Patrick Butler
Jan 31, 2023 في الصحافة الاستقصائية
كريستو جروزيف

عندما رأى المدير التنفيذي لمجموعة الصحافة الاستقصائية "بيلينغ كاتكريستو جروزيف، مزاعم روسيا بأنّ صواريخها تضرب أهدافًا عسكرية فقط في أوكرانيا، كان يعلم أنه يتعيّن عليه أن يبذل قصارى جهده لإثبات عدم صحة تلك المزاعم.

بالإضافة إلى ذلك، أراد جروزيف كشف هوية الأفراد الذين يشنون الهجمات على المدارس والمستشفيات وغيرها من الأهداف المدنية، وأن يوضح ما إذا كانت هذه الأهداف عرضية أم مقصودة.

وأظهر جروزيف و"بيلينغ كات" – الفائزان بجائزة الابتكار في إعداد التقارير الدولية لعام 2022 الصادرة عن المركز الدولي للصحفيين – قدرة فريدة من نوعها على التنقيب عن معلومات قد يُفضل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والكرملين إخفاءها.

إنّ "بيلينغ كات" مجموعة للصحافة الاستقصائية متخصصة في استخدام البيانات مفتوحة المصدر والاستعانة بشبكات من الصحفيين المهنيين وصحافة المواطن لفضح حقيقة الحرب، وانتهاكات حقوق الإنسان، وعالم الجريمة.

وفي وقت سابق، كشف جروزيف وفريقه هوية الشخص الذي قام بتسمم زعيم المعارضة أليكسي نافالني في روسيا، والعميل المزدوج سيرجي سكريبال وابنته في المملكة المتحدة. كما كشف الفريق أدلة تشير إلى تورط كبار الضباط الروس في إسقاط رحلة الخطوط الجوية الماليزية رقم 17 فوق المجال الجوي الأوكراني في عام 2014 (وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أدانت محكمة هولندية اثنين من الروس وأوكرانيًا على علاقة بالجيش الروسي، بالقتل في هذه الكارثة، وذلك بالاعتماد جزئيًا على أعمال بيلينغ كات).

وفي 2022، تركزت الكثير من أعمال جروزيف الصحفية على كشف جرائم الحرب الروسية في أوكرانيا، ليس فقط سعيًا نحو لفت انتباه الجمهور إلى الأعمال الوحشية، ولكن أيضًا لجمع المعلومات من أجل الملاحقة القضائية في المستقبل، مع الالتزام بالمعايير الصارمة التي تطلبها المحاكم الجنائية الدولية.

وقال جروزيف إنّ "بيلينغ كات" وشريكيها The Insider وDer Spiegel، استغرقوا ستة أشهر لإنتاج قصة تكشف المسؤول عن الهجمات التي قتلت مئات من المدنيين الأوكرانيين. وفي البداية، بحث الفريق في بيانات الآلاف من خريجي كليات علوم الصواريخ التابعة للجيش الروسي، ثم وجد الفريق مرشحين محتملين لوظائف برمجة مسارات الصواريخ الروسية.

ثم أحضر الفريق سجلات هاتفية من الأسواق الروسية الرمادية والسوداء – وهو أسلوب مثير للجدل لطالما اتسمت "بيلينغ كات" بالشفافية بشأن استخدامه؛ لأنه من المستحيل الحصول على معلومات من روسيا. وقال جروزيف إنّ هذه السجلات كشفت "كوكبة من الأشخاص الذين تواصلوا مع بعضهم البعض قبيل لحظات من إطلاق الصاروخ الشامل". وفي النهاية، أثبتت "بيلينغ كات" أنها تمتلك معلومات عن الأشخاص المعنيين عبر التواصل مع بعض المبرمجين والحصول على تأكيدات منهم بشأن صحة المعلومات.

 

Christo Grozev

 

وأوضح جروزيف: "حددنا هوية حوالي 30 شخصًا يعملون في مجال تكنولوجيا المعلومات يبرمجون مسارات الصواريخ الروسية"، مضيفًا: "وجدنا أنهم يعملون بطريقة عادية للغاية، فهي مهنة لها ساعات عمل تقليدية من التاسعة صباحًا وحتى الخامسة مساءً، ويقومون بأمور أخرى أثناء برمجتهم لمسارات الصواريخ، مثل الدخول على مواقع المواعدة وبيع السيارات وشراء العملات".

وأشار جروزيف إلى أنّ نتيجة ذلك هو "عدم الدقة التامة" في الضربات الصاروخية، موضحًا أن الخطأ في تحديد الأهداف ربما يكون أمرًا جيدًا في أوكرانيا "ولكن في بعض الأوقات، يعني هذا الخطأ، قصف حضانة أطفال".

كما احتاج جروزيف أن يصبح خبيرًا في الصواريخ الروسية، فأوضح أنّه ينبغي على نوع الصواريخ المستخدمة في أوكرانيا أن تخطئ في تحديد الأهداف بمقدار ثلاثة إلى خمسة أمتار، ولكنها كانت سيئة التصميم والتصنيع لدرجة أنها عادة ما أخطأت في تحديد الأهداف بمقدار 10 أضعاف تلك المسافة. ويرى جروزيف أنّ "هذا النوع من عدم الدقة هو الذي يجعل سياراتهم من بين الأسوأ في العالم".

إذًا، هل العدد الكبير من الضحايا المدنيين في أوكرانيا ناتج ببساطة عن أخطاء؟ بالكاد، قال جروزيف إنّ "كل تصرف ناتج عن عدم الدقة لا تتم معاقبة المتسبب به، يُعد نوعًا من التسامح معه، مما يعني أنه يتم تشجيع حدوثه".

وفي الوقت الذي تنتج مجموعة "بيلينغ كات" قصصًا استقصائية كتلك القصة، يوثق فريق آخر جرائم الحرب بدقة، ويتم فصل الفريق الذي يتتبع جرائم الحرب عن الفريق الذي ينتج القصص حتى لا يكون عمل التوثيق "متحيزًا".

وأوضح جروزيف أنّ هذا الفريق المؤلّف من 15 شخصًا لا يعرف أي طرف يرتكب الجرائم، فهم يركزون على "التدقيق والتحقق من صحة وإثبات حقيقة" الصور ومقاطع الفيديو مفتوحة المصدر، ويتواصلون مع المصادر التي تعمل على الأرض للحصول على معلومات وصفية موثوقة عن الجرائم. وعادة ما يمكنهم تحديد الطرف الذي يمتلك الصاروخ المستخدم، كما أنهم ينظرون إلى عوامل أخرى مثل زاوية الهجوم لتوضيح مصدر الصاروخ، وتحقق "بيلينغ كات" من صحة 1,791 واقعة ضرر للمدنيين في أوكرانيا - يتراوح ضحايا كل منها من 1 إلى 1000 ضحية.

وفي النهاية، أشار جروزيف إلى أنّ الاختلاف بين "بيلينغ كات" والجهات الأخرى التي توثق جرائم الحرب "أننا نعمل بطريقة نعرف أن المحاكم سوف تقبلها كدليل مقبول".

واختتم جروزيف حديثه بالقول: "قمنا بهذا الأمر من قبل وارتكبنا الأخطاء، ونحن نتمسك (بسلسلة الحيازة) والإثبات التي يريد المدعون العامون الحصول عليها".


الصور مقدمة من كريستو جروزيف.