كارلوس دادا: التحقيق في السلطة والجريمة في ظل تردّي الديمقراطية

بواسطة ديفيد ماس
Nov 11, 2022 في الصحافة الاستقصائية
كارلوس دادا

لم يرغب كارلوس دادا أبدًا أن يكون القصة.

بالنسبة لدادا، فإن العلاقات بين حكومة السلفادور والعصابات سيئة السمعة في البلاد هي القصص التي تستحق السرد، إلى جانب قصص الرحلات "الكابوسية" التي خاضها الكثير من السلفادوريين للهجرة إلى الولايات المتحدة، والفساد المستشري في الحكومة.

وأضاء دادا وفريقه في منصة الفارو الإلكترونية (وتعني "المنارة")، على الزوايا المظلمة لبلاده والمنطقة المحيطة منذ أن شارك في تأسيس المنصة – وهي أول مبادرة إعلامية رقمية في أميركا اللاتينية – مع شريكه رائد الأعمال خورخي سيمان في 1998. وأثار إنشاؤهما للمنصة حنق الحكومة السلفادورية استبدادًا متزايدًا.

ويقول دادا: "ليس من المثالي لأي صحفي أن يصبح هو القصة. نحن نكتب القصص ونحقق فيها، ولسنا القصص". مع ذلك، تم الكشف في يناير/كانون الثاني الماضي، عن أن إدارة نييب بوكيل الرئاسية الحالية، كانت تراقب مراسلي الفارو باستخدام برنامج التجسس بيغاسوس على مدار عام من يونيو/حزيران2020  إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2021. يوضح دادا: "فجأة، أصبحنا القصة، وقد تطلب ذلك الكثير من الموارد".

ويشير دادا إلى أنه تمت مراقبته وفريقه من قبل، وتم تسجيل محادثاتهم، ولكن كانت اكتشافات بيغاسوس القشة الأخيرة، موضحًا "أن تُدرك أن الأشخاص الذين يريدون إيذاءك يمتلكون صورًا لأحبابك وعائلتك ومحادثاتك مع عائلتك.. لم يعودوا بحاجة إلى مراقبتنا، فلديهم موقعنا الجغرافي، ولديهم محادثاتنا. كان لديهم كل شيء، لقد تجاوز الأمر الحد".

الصحافة

عاش دادا مع أسرته في المنفى في المكسيك أثناء الحرب الأهلية الدموية في السلفادور والتي دامت 12 سنة وخلفت 75 ألف قتيل. وفي أعقاب الحرب، التي انتهت في 1992، بدأ في قضاء عطلات الصيف مجددًا في موطنه، قبل أن يعود للأبد في 1997.

ومع دخول السلفادور حقبة مستقبل ما بعد الحرب، وضع دادا وسيمان تصورًا للدور الحاسم الذي يمكن أن تلعبه منصة إخبارية. يقول دادا: "كان الأمر أكثر وضوحًا بأن الحقبة الجديدة الذي تدخلها الدولة في حاجة إلى نوع جديد من وسائل الإعلام". ومع وضع هذا الهدف في اعتبارهما، أطلقا الفارو بعد عام.

ومنذ ذلك الوقت، تركت غرفة الأخبار بصماتها من خلال تحقيقاتها الشهيرة المسرودة بطريقة فريدة. وباللغتين الإسبانية والإنجليزية، نشرت الفارو أيضًا كتبًا وأفلامًا وثائقية، وبودكاست.

Carlos Dada

ومن بين تقارير دادا الأكثر شهرة، تحقيقه الهام عن الاغتيال الخطير لرئيس الأساقفة أوسكار أرنولفو روميرو، الذي كانت وفاته الحد الفاصل في انزلاق السلفادور إلى الحرب الأهلية، إلى جانب تقريره المتعمق عن المؤامرة وراء مقتل ستة كهنة يسوعيين في 1989. في العام الماضي، كشف دادا الغطاء عن روابط بين مهربي المخدرات وقادة سياسيين في هندوراس.

وجنبًا إلى جنب مع مراسلي الفارو في المكسيك، قاد دادا أيضًا تقارير متعمقة عن الحقائق المروعة للحياة على طول مسارات الهجرة من السلفادور إلى الولايات المتحدة. يتذكر دادا: "أدركنا سريعًا للغاية أن هذا كان عالمًا لم نشهده من قبل أو عرفه ملايين السلفادوريين"، مضيفًا "لقد غير وجهة نظرنا حول أسباب استعداد العديد من الناس خوض هذا الكابوس والجحيم، والهروب من البلاد".

الانتقام

تُلخص اكتشافات بيغاسوس العيون الساهرة التي راقبت دادا وزملاءه لسنوات بسبب تقاريرهم، فضلًا عن أن التخويف كان أيضًا أمرًا شائعًا. يقول دادا: "تلقينا جميع أنواع التهديدات خلال هذه السنوات، لقد تلقينا تهديدات من مهربي المخدرات، ومن الشرطة والعصابات والسياسيين ومجرمي الحرب السابقين".

واتهم الرئيس السلفادوري بوكيلي علنًا دادا بغسيل الأموال، وهو أسلوب شوهد في دول استبدادية أخرى مثل جواتيمالا المجاورة، التي استخدمت اتهامات مشابهة لاعتقال الصحفي خوسيه روبين زامورا مؤخرًا. ويوضح دادا أن بوكيلي وأنصاره حرضوا أيضًا على العنف الإلكتروني على تويتر وفيسبوك ويوتيوب ضد مراسلي الفارو ومصادرهم.

يقول دادا: "لم نواجه أبدًا من قبل أي موقف مثل الذي نواجهه الآن حيث تأتي التهديدات من نظام بأكمله"، مضيفًا "عندما يُعلن شخص ذو نفوذ أو مجموعة قوية في السلطة أنك عدو لهم، هذا يعني أن لديهم القوة لاستخدام جميع مؤسسات الدولة ضدك. لا يوجد العديد من الطرق للدفاع عن نفسك، لقد أثبتوا مرارًا وتكرارًا مدى رغبتهم في إسكاتنا".

ويشير دادا إلى أنه في أبريل/نيسان من العام الجاري، مررت السلفادور قانونًا يُجرم إعداد التقارير الإعلامية عن العصابات، مع فرض عقوبة تصل إلى 15 سنة في السجن، وسُمى باللغة الدارجة "قانون الفارو"، وذلك انتقامًا من إعداد غرفة الأخبار تقريرًا عن المفاوضات بين الأحزاب السياسية الكبرى في البلاد والعصابات للحصول على الدعم في الانتخابات. ودفع القانون غرفة الأخبار لما هو أشبه بالنفي اليوم، إذ يتنقل المراسلون من وإلى البلاد بشكل منتظم.

يقول دادا: "لقد قررنا أننا لا نريد أن نكون صامتين"، موضحًا "لقد واصلنا النشر، ولكن في كل مرة ننشر شيئًا عن العصابات نحتاج لإخراج مراسل من البلاد، لفترة تمتد لمدة أشهر في بعض الأوقات".

Carlos Dada

الحافز

دادا هو الفائز بجائزة نايت لعام 2022 المقدمة من المركز الدولي للصحفيين، وبقبوله هذا التكريم، يأمل دادا لفت الانتباه للأعمال التي يقوم بها زملاؤه الصحفيون في السلفادور وأميركا الوسطى والذين لا يمتلكون منصة شهيرة لعرض أعمالهم كما يمتلك هو.

يقول دادا: "هذه لحظة نحتاج فيها تسليط الضوء على وضع زملائنا في أميركا الوسطى، وخاصة أولئك الأقل ظهورًا للعيان"، مضيفًا "هذا وقت ملح للكثير من الزملاء".

لقد تلقى دادا إشادة دولية كبيرة خلال سنوات عمله في الصحافة، ومع ذلك، من الصعب ألا يكون متشائمًا: في جميع أنحاء أميركا الوسطى، تضعف الديمقراطية لصالح الاستبداد، بينما يقف الإعلام المستقل في مرمى النيران.

وفي مواجهة التردّي الديمقراطي وانعدام الأمن المتزايد في السلفادور، ردد دادا مقولة ينسبها للمحرر التنفيذي للفارو، أوسكار مارتينيز، تساعده على الاستمرار: "من خلال عملنا، نجعل الحياة أكثر صعوبة لهؤلاء، وأعتقد أن هذا أمر مُرْضِ".


جميع الصور مقدمة من كارلوس دادا