في 29 مارس/آذار 2008، أُلقيت إيزابيلا دي أوليفيرا ناردوني البالغة من العمر خمس سنوات، من نافذة شقة والدها وزوجة أبيها من الدور السادس في ساو باولو، البرازيل، وتوفيت بعد فترة وجيزة في المستشفى، حيث وُجدت علامات على رقبتها وجبهتها، وظهرت عليها علامات تُشير إلى احتمالية تعرضها للخنق.
وأدين والد ناردوني وزوجة أبيها بالقتل في وقت لاحق، ولكنّهما أنكرا مسؤوليتهما عن وفاة الفتاة. وعُرضت الجريمة – التي استحوذت على انتباه الإعلام الوطني في البرازيل حينها – بالتفصيل في فيلم وثائقي من إنتاج نتفليكس يستعرض شهادات لم تُشاهد من قبل ومعلومات جديدة عن القضية بعنوان "حياة قصيرة جدًا: قضية إيزابيلا ناردوني".
والفيلم الوثائقي من إخراج كلاوديو مانويل ومايكل لانجر، وهو أيضًا كاتب سيناريو الفيلم. وتم تصنيف الفيلم ضمن أكثر خمسة أفلام مشاهدة في الولايات المتحدة أثناء الأسبوع الذي أُطلق فيه في أغسطس/آب، ووصل إلى المركز الأول لأكثر الأفلام غير الإنجليزية بثًا على نتفليكس عالميًا، وقال لانجر: "فاق النجاح كل التوقعات".
تحدثت مع لانجر عن تحديات سرد هذه القصة المأساوية، وأهمية وصول الإعلام البرازيلي إلى عدد أكبر من الجماهير خارج نطاق المتحدثين باللغة البرتغالية.
لماذا قررت إخراج فيلم وثائقي عن هذا الموضوع الصعب؟
أردنا كصنّاع أفلام وثائقية تسجيل لحظة تاريخية مهمة، وبالنسبة لي على وجه الخصوص، كلما "زادت صعوبة" صناعة الفيلم، كانت العملية أكثر إثارة.
كما كتبنا سيناريو الفيلم الوثائقي عن المغني البرازيلي ويلسون سيمونال وأخرجناه، وهو الأمر الذي كان يُعتبر وقتها موضوعًا "صعبًا" أيضًا. وبالنسبة لنا، كانت قضية إيزابيلا ناردوني قصة مثيرة للاهتمام وأردنا معرفة المزيد عنها. يدور عملنا على وجه التحديد حول معرفة المزيد من المعلومات ومشاركة النتائج التي توصلنا إليها مع المشاهدين.
إنّ قضية ناردوني مختلفة عن جميع القصص الأخرى، فالطريقة التي تأثر بها الناس بالقضية وتفاعلوا معها كانت غير مسبوقة، ومكّنتنا المسافة التاريخية الموجودة اليوم من معالجة الموضوع بطريقة أكثر موضوعية.
أما بالنسبة للاهتمام الذي أبداه المشاهدون، فالأفلام الوثائقية التي تدور حول الجرائم تثير اهتمام الناس، وهذا ليس كلامي، فالأرقام المتاحة يُمكنها إثبات ذلك، ولكنّنا تفاجئنا في هذه القضية بالانتشار الدولي الذي يوضح كيف تتجاوز هذه القصة الجريمة نفسها.
كيف يُمكن للصحفيين كبح مشاعرهم عند تغطية موضوعات مثل القتل؟
إنّه أمر معقد، وخاصة عندما نتعامل مع ألم الفقد الذي لا يزال موجودًا بقوة حتى بعد مرور 15 سنة. نحن نصبح عاطفيين – فنحن مجرد لحم ودم – ولكننا نعلم المسؤولية التي تقع على عاتقنا بشأن سرد قصة، مهما كانت وحشية، بأكثر الطرق احترامًا ومسؤولية ممكنة.
مايكل لانجر كاتب السيناريو وأحد مخرجي "حياة قصيرة جدًا: قضية إيزابيلا ناردوني".
ما الجزء الأصعب في العملية؟
لقد كان الجزء الأصعب هو تجميع قطع هذا اللغز معًا، وجعلها تتلاءم مع سردنا القصصي إذ تكشفت قطع جديدة من خلال المقابلات والوثائق. هذه قضية معقدة جدًا وتحتوي على الكثير من المعلومات غير المتطابقة والمتناقضة، ولكننا حاولنا دائمًا التمسك بالحقائق والأمور التي بدت أكثر منطقية بالنسبة لنا.
كانت المقابلات مع عائلة إيزابيلا مؤثرة للغاية، كما كان المفترض أن تكون، وبكى الكثير منا أثناء هذه اللحظات، فنحن لسنا روبوتات، ولكننا علمنا أن هذا لا يمكن أن يُعيق عملنا.
هل يُبرز الفيلم الوثائقي تفاصيل لم تُنشر من قبل؟
قدمنا بعض المعلومات التي لم تُعرض في وسائل الإعلام من قبل، ولكن في أغلب القضايا يرجع ذلك بكل بساطة إلى المسافة الزمنية، ولأننا تمكنا من الوصول إلى عائلة أوليفيرا.
ومن الناحية الأخرى، لم نتمكن من تضمين الكثير من المعلومات المنشورة في الماضي في الفيلم بسبب مدة عرضه، وشملت هذه المعلومات نظريات غير منطقية و"استفسارات" غير مسؤولة استُخدمت للحصول على سبق صحفي، ولكنّها لم تحترم ألم العائلة المكلومة. ويُسلط الفيلم الضوء على الدور الذي لعبته الصحافة في القضية لأننا نؤمن بوجود الكثير من الأمور التي ينبغي التفكر فيها.
هل حاولت الاستماع إلى الجانبين على نحو متساوٍ؟
لا يُمكننا الاستماع إلى كلا الجانبين "على نحو متساوٍ" لأننّا نتحدث عن طرف كان ضحية جريمة وحشية، وطرف آخر أُدين بهذه الجريمة في المحكمة، ومع ذلك، شعرنا أنّه سيكون من المنطقي الاستماع إلى وجهات النظر في القضية من جانب الدفاع.
وللأسف، لم يرغب أي شخص من عائلة ناردوني أو عائلة جاتوبا (عائلة زوجة والد ناردوني) في التحدث، لذلك قررنا استشارة محامي الدفاع. ويُحلل الفيلم الوثائقي كيف يُمكن أن يكون الغضب الشعبي قد شكّل ضغطًا على التحقيق، أو على الأقل قد أثر على مدى سرعة إجرائه.
هل ارتكبت وسائل الإعلام أي أخطاء عند تغطية الجريمة حينها، وإذا كان ذلك قد حدث فهل تعلمت منها؟
لا أستطيع القول ما إذا كان أي شخص قد "تعلم" شيئًا من هذه التغطية، إذ لا يُمكننا نسيان أننا نتحدث عن بشر يعملون في وسائل الإعلام والهيئات المعنية بالسلامة العامة.
فالناس عُرضة لأن تقودهم العاطفة، ولكنّ من الأهمية بمكان محاولة منع هذا من التأثير على نتيجة عملك، وذلك من الناحية الأخلاقية.
كيف تمكنت من سرد هذه القصة بطريقة محترمة، وتجنبت إضفاء الإثارة على الجريمة؟
لم نُجر أي ترتيبات نهائيًا مع أي شخص حاورناه في أفلامنا سواء كانت معدّة للسينما أو التليفزيون أو البث، وعندما عملنا كلاوديو وأنا معًا لأول مرة على الفيلم الوثائقي الذي يدور حول ويلسون سيمونال، كان نهجنا مع أبناء المغني هو نشر جميع النتائج التي توصلنا إليها، حتى إذا عنى ذلك تأكيد أنّ سيمونال كان مُبلغًا عن مخالفات وقعت أثناء الحكم العسكري، فهذه هي الطريقة الوحيدة التي سنعمل بها.
وعندما يتعلق الأمر بالإثارة، لم أشعر بأنني في حاجة إلى "الهروب" منها؛ لأنّ ذلك لن يبدو طبيعيًا بالنسبة لي ولكلاوديو، فتصوير الإثارة لا يعني أنك تتبناها. وأكدت عائلة إيزابيلا مدى إتقان الفيلم واحترامه، وبالنسبة لنا يشكل ذلك أكبر ختم موافقة ممكن لإثبات كيف حافظنا على الإنصاف، حتى عند تناول مثل هذه الموضوعات المثيرة للجدل.
كيف يبدو الأمر عندما تكون صانع أفلام وثائقية في البرازيل؟ ما الذي يجب أن يأخذه صنّاع الأفلام الوثائقية الشباب في الاعتبار لتحقيق النجاح؟
كان الأمر أكثر صعوبة في السابق مقارنة بالوقت الحالي، فأولًا، يعد الجمهور الجهة الأساسية، ويرجع هذا إلى خدمات البث، وخاصة نتفليكس، التي أسست الأفلام الوثائقية وجعلتها أكثر شيوعًا، وخاصة المسلسلات الوثائقية.
وثانيًا، لديك منصات مختلفة حيث يُمكنك عرض عملك، بدءًا من خدمات البث المدفوعة ووصولًا إلى يوتيوب، بينما في الماضي كنت مُقيدًا بعدد محدود من صالات العرض أو العرض المدفوع على التليفزيون أو أسطوانات الدي في دي.
كما انخفضت تكلفة معدات التصوير بشكل كبير، وهناك الكثير من الأدلة على الإنترنت لتعليم وتبسيط الأجزاء الفنية لعملية التصوير، وفي الوقت الحالي، إذا أردت تصوير فيلم وثائقي، ليس هناك أعذار لعدم القيام بذلك، وهذا شيء عظيم.
الصورة الرئيسية: لقطة شاشة من نتفليكس.