تحافظ مؤسسات الإعلام المستقل في أوكرانيا على وجودها إلى حد كبير بفضل إيرادات الإعلانات والتمويل من المنظمات والمؤسسات الدولية والخدمات التي تقدمها، كإعداد استراتيجيات الاتصال وتنظيم الفعاليات. ولكن في عام 2020، ظهرت موجة جديدة من الدعم المالي من القراء.
فقبل تفشي جائحة كورونا، كان المديرون الإعلاميون في أوكرانيا مقتنعين بأن القراء لن يدفعوا مقابل المحتوى الإلكتروني، وبالتالي كانوا يؤمنون بأن جذب التمويلات من المنظمات الدولية المانحة سيعود عليهم بفائدة أكبر. وظنّ الكثيرون منهم أن وضع حواجز الدفع (paywall) أو إعداد برنامج للعضوية لن يوفر الأموال الكافية. وقد سبق أن حاول البعض جمع التبرعات أو إطلاق حملات التمويل الجماعي، ومع ذلك لم يعدوا أي استراتيجيات لتطوير مصادر الإيرادات من الجمهور المخلص ولم يقوموا بتعيين الخبراء لديهم في هذا المجال.
لم تترك الجائحة أي خيار للناشرين المستقلين، لذا اضطروا للجوء إلى قرائهم من أجل الدعم المالي، حيث تقلصت إيرادات الإعلانات وأصبحت التمويلات من العملاء والمستثمرين الحاليين غير مضمونة.
حواجز الدفع وبرامج العضوية والتمويل الجماعي والتبرعات
على مدى العقد الماضي، لم يسع سوى القليل من المؤسسات الإعلامية الأوكرانية إلى جذب التمويلات من القراء.
فعلى سبيل المثال، كانت صحيفة كييف بوست التي تصدر باللغة الإنجليزية أول من وضع حاجزًا للدفع في البلاد، وذلك عام 2013. وفي عام 2019، وضع موقع الأخبار الإقتصادية Mind.ua حاجزًا للدفع مقابل جزء من المحتوى الذي ينشره. وفي العام التالي، وضع كل من موقع NV News ومؤسسة RIA Media حواجز الدفع الخاصة بهما. كما قدمت النسخة الأوكرانية من مجلة فوربس القراءة المدفوعة لجزء من المحتوى في الربيع الماضي.
ويبدو هذا الاتجاه مشجعًا، إذ أنه يوضح إمكانية إدرار الإيرادات مقابل المحتوى الصحفي ذي الجودة العالية.
من جانبها، تقول ألينا نيفمرزيتسكايا، مديرة المبيعات لدى صحيفة كييف بوست، إن الدخل من الاشتراكات الرقمية غطى حوالي 16% من ميزانية الصحيفة عام 2020. كما جذب موقع NV News أكثر من 11,000 مشترك في الأشهر الأولى بعد إطلاق حاجز الدفع. أما في مؤسسة RIA Media، فيقول المدير التنفيذي أوليج جوروبتس إنهم حصدون ما يزيد على مئة ألف تسجيل في موقع المؤسسة، واتجه المئات منهم إلى الاشتراك المدفوع.
ولا تعد هذه النتائج الأولية سيئة بالنسبة لاستراتيجيات تحقيق الدخل التي كانت في السابق تُعتبر الاستثناء وليس القاعدة. ويصبح الموضوع أكثر إثارة للاهتمام فيما يتعلق بالأشكال الأخرى للعلاقات بين المؤسسات الإعلامية وجمهورها.
فعلى سبيل المثال، تعتمد بعض المؤسسات على التبرعات فحسب، حيث تتيح للقراء المساهمة مرة واحدة أو تنظيم دفعات متكررة لهم، ولكن هؤلاء القراء لا يتمتعون بأي مزايا مقابل تبرعاتهم، مثل إمكانية قراءة المزيد من المحتوى. وفي نفس الوقت، لا توجد أي قيود على القراء الذين لا يقدمون أي تبرعات. وقد اختار هذا النموذج كل من مجلة ماروتشوس في كييف وموقع بابل السياسي.
في المقابل، تلجأ بعض المؤسسات الأخرى إلى التمويل الجماعي (crowdfunding). ففي الربيع للماضي، أطلق موقع Liga.net للأخبار الإقتصادية حملة ناجحة، جامعًا أكثر من 37,000 دولار أميركي من 4,000 متبرع. وقد استغرق موقع رومادسكي سنة كاملة لجمع مبلغ مماثل في عاميّ 2013-2014، إذ كان أوائل المؤسسات الأوكرانية التي لجأت لجمهورها من أجل التمويل.
ومن جانبه، تجاوز موقع Liga.net تجربة التمويل الجماعي وأسّس برنامجًا للعضوية، يتكون اليوم من ثلاثة مستويات بمختلف المزايا للأعضاء.
وقد حذا حذوه الموقع الشهير Ukrainskaya Pravda، أو "الحقيقة الأوكرانية"، مؤسسًا برنامج للعضوية، وهي الفكرة التي بدأ الموقع النظر فيها عام 2015 وأطلقها عام 2020 بمساعدة شركة Jnomics Media للاستشارات الإعلامية. وأطلق الموقع ثلاثة مستويات من العضوية، من بينها "نادي المحرر".
وفي هذا الإطار، يقول رئيس التحرير سيفجيل موساييفا إن هؤلاء الأعضاء "يمثلون مجال الأعمال والطبقة الإبداعية والمحامين ورؤساء المنظمات غير الربحية، حيث تبلغ تكلفة الاشتراك 1,250 دولار أميركي". ويضيف أن هذا "النادي" ضمّ 20 عضوًا عام 2020، والهدف هو زيادة عدد الأعضاء إلى 50. وخلال السنة الأولى من برنامج العضوية، جمع موقع "الحقيقة الأوكرانية" أكثر من 55,000 دولار أميركي من 2,700 قارئ.
وقداختبرت بعض المؤسسات الأخرى استراتيجيات مختلفة لإشراك الجمهور إلى جانب تأسيس برامج العضوية. فعلى سبيل المثال، قام موقع TheUkrainians.org بتنظيم "حملة سفراء" لجذب القراء الجدد للمحتوى المدفوع. كما تم تأسيس برامج العضوية في مواقع Kunsht وMC.Today وShoTam وZaborona وTexty.org وSlidstvo.info وغيرها.
وعلاوة على ذلك، تمتلك هذه المواقع قاعدة من المشتركين، حيث يتراوح عددهم من 60 إلى 3,000 حسب الموقع، ويبلغ عدة مئات في المتوسط. وفي دراسة ستُنشر قريبًا أجراها أندريه يانتسكي، مدير مركز الصحافة في كلية كييف للإقتصاد (KSE)، حول برامج العضوية في سوق الإعلام الأوكراني، وُجد أن هذه الأموال يمكن أن تغطي ما يصل إلى 30% من تكاليف المؤسسة الإعلامية.
ولم تتخذ برامج العضوية والجهود الأخرى لجذب التمويلات من القراء شكلًا جادًا إلا مع تفشي جائحة كورونا وما نجم عنها من تقلص إيرادات الإعلانات. فمثلًا، استخدمت المشروعات الإعلامية كقناة تلفزيون تورونتو على يوتيوب موقع Patreon لجذب الدعم من حوالي ألفي شخص، مما أدى إلى تحصيل ما يقرب من 10,000 دولار أميركي شهريًا.
مساحة للتحسن
في ربيع عام 2021، أثناء ويبينار EaP Talks نظمته مؤسسة تطوير الإعلام، ونوقشت خلاله التحديات والفرص المرتبطة ببرامج العضوية في أوكرانيا مع مستشار شركة Jnomic Media جايجيسيز جلديف والمدير التنفيذي لموقع TheUkrainians.org تاراس بروكوبيشين. أوضح جلديف أن شركته في عام 2019 قدرت قيمة سوق دعم القراء بحوالي 100,000 دولار أميركي، وخلال سنة واحدة، تضاعف هذا الرقم ليصل إلى مليون دولار أميركي.
وأضاف بروكوبيشين أن "هناك خطرًا محتملًا وهو أن يسأم الجمهور من الاشتراكات، ولكن في بيئتنا الإعلامية الحالية، لا يزال هذا الاحتمال بعيدًا. فنحن الآن نرى أن العديد من الأشخاص يدفعون للمنظمات غير الإعلامية التي لديها مهام مماثلة لمهامنا. لهذا يُعد هذا التخبط الحالي من أجل جذب المشتركين الأوائل لدعم المؤسسات الإعلامية مهمًا للجميع".
لم تُوفق جميع المؤسسات بنفس مستوى النجاح الذي شهدته مواقع مثل Ukrainskaya Pravda أو NV، ولكن لا ينبغي أن يثبط ذلك عزيمة الآخرين. فمن المهم للغاية أن تقنع القراء بأهمية دعمهم المالي على الرغم من توفر المحتوى المجاني في المواقع الأخرى.
وإذا ركزت المزيد من المؤسسات على نشر ثقافة الدعم المالي للصحافة المستقلة، ستصبح مواجهة هذا التحدي أسهل كثيرًا. وإذا كنت مهتمًا بتأسيس برنامج عضوية في مؤسستك الإعلامية، اطلع على دليل العضوية، الذي يعد موردًا أساسيًا.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على انسبلاش بواسطة أندرو نيل.
نُشر هذا المقال في الأصل على موقع شبكة الصحفيين الدوليين بالنسخة الروسية وترجمته إلى الإنجليزية مارينا بوستيلنيك.
إقرأوا المزيد من المقالات لـ
