تبدأ الحكاية بسؤال "لماذا؟" ينبع هذا السؤال في معظم الاحيان من حاجة لجديد ما يلاحظه المبادر في محيطه ويسعى للإجابة عنه من خلال بعض الافكار والسيناريوهات المحتملة، هذه السيناريوهات نفسها التي لا تتعدَ في البداية كونها بعض من أحلام اليقظة لدى أي طامح بانتاج ما أو بتغيير واقع معين يمكن أن تتحوّل لتصبح مشروعك القادم.
من الممكن أن يمضي المبادر أسابيع وأشهر وهو يتخيّل ما ستكون الاجابة على السؤال. تسقط بعض الأفكار من مخيلته لعدم واقعيتها، تندمج بعض الأفكار بأفكار وحلول أخرى، يُطبّق عليها عملية التنقيح و "التصفية" الذهنية وبشكل تلقائي يخرج المبادر بال "فكرة".
قال دينيس كراولي وهو مؤسس مشارك لـفورسكوير "لا تستمع لمن يقول لك إن فكرتك غبية، اذا كنت تملك الرغبة والحماسة لمشورع ما، ابحث عن طريقة لبنائه".
الإختبار الأول
يُعتبر اختبار فكرة المبادرة من قبل المقربين والاصادقاء احد أصعب المراحل التي يمر بها أي مشروع في بداياته. ففي هذه المرحلة التي لم يتعدَ شكل المبادرة بعض النقاط والرسومات على ورقة بيضاء هي أشبه بطلاسم على ورق، تخضع محاولة المبادر لأصعب اختبار من اكثر الاشخاص تأثيراً عليه. فإما أن تدفن الفكرة في مهدها وإمّا يتخطى المبادر هذا الامتحان الصعب ويقرر أنّه لا مكان للتراجع وقد حان وقت اتخاذ بعض القرارات المصيرية.
قل لي مع من تعمل، أقُل لك إلى أين ستصل بمبادرتك!
بعد تخطي اختبار الأهل والمقربين، تبدأ عمليه تقليم وهندمة هذه الأفكار وتحويلها إلى خطة عمل بإطار زمني واضح. خطة العمل هذه لا يمكن أن تبصر النور في معظم الأحيان إن لم يكن هناك من فريق عمل قوي ومتحمس ويملك إيماناً بالفكرة وبإمكانية تحقيقها.
فريق عمل قادر على المجازفة وتحمّل الصعاب، مدرك تماماً بأن طريق تحقيق المبادرة لا تشبه طرقات "باريس" وهي في معظم الأوقات غير مضاءة ليلاً وبعضها غير نافذ. لكنه فريق عمل مستعد للتضحيات وللمحاولة دائماً من جديد.
الوقت هو استثمارك
يقع الكثير من المبادرين في حيرة الإجابة على سؤال أيهما يأتي قبل "الانتاج أم الاستثمار؟".
في عالم المبادرات الاعلامية الانتاج هو الإستثمار بحد ذاته. فالجهد الشخصي والوقت المبذول واستخدام خبرة المبادر في العمل على مشروعه الاعلامي يعتبر استثماراً من نوع آخر. كل مبادر يمضي الليل وهو يعمل وحيداً على إنتاج محتوى للمبادرة الاعلامية يُعتبر أول المستثمرين في هذه المبادرة.
ويختلف المنتج الاعلامي عن غيره من المنتجات بكونه بالدرجة الأولى نتاج مجهود فكري وشخصي ولا يتطلب الكثير من المراحل لانتاجه أو تصنيعه. المال في المشاريع الاعلامية هو عامل أساسي لاستمرارية المشروع وتطويره وليس بالضرورة أن يأتي في مراحل مبكرة. وتجدر الإشارة، أنه يمكن لأي مبادر إعلامي أن يعمل لأشهر لا بل لسنوات على مشروعه الاعلامي قبل أن يحصل على أول تمويل.
وسائل متعددة لتمويل المشاريع الإعلامية
- التمويل الشخصي أو Bootstrapping وهو أن يقوم المبادر بتمويل مشروعه من جيبه الخاص وهذا ما اعتمدته العديد من المشاريع العالمية، مثال جيت هاب.
- تعتبر العائلة والأصدقاء أهم مصادر التمويل للمشروع في المراحل الأولى. علماً أن هذا التمويل غير المشروط يعتبر تمويلاً غير واعٍ في معظم الاحيان، لأنه يتم اعتماداً على الثقة بالمبادر كشخص لا بالفكرة أو بالمبادرة كمشروع قابل للتحقيق.
- يستطيع المبادر أيضاً ان يحصل على تمويل جماعي من أفراد وأشخاص غير مقربين لا بل لا تربطهم أي علاقة بالمبادر لكنهم أُعجبوا بفكرة المشروع بعد عرض المبادر لنموذج أولي لمبادرته prototype على منصات التمويل الجماعي، فتوقعوا نجاحه وساهموا في تمويله عبر المنصات المنتشرة على الانترنت. عادةً ما يكون المقابل هو حصول المساهين الأفراد على نسخ من المنتج قبل طرحه في الأسواق.
أمّا الوسائل التقليدية الأخرى فهي مرتبطة بطبيعة المبادرة والمرحلة التي وصلت إليها في تطورها وإمكانية استمراريتها أو تحقيقها للأرباح. أولى الوسائل يطلق عليهم مصطلح Angels وهم بعض المستثمرين الذين أعجبوا بالمبادرة ولديهم النية للمخاطرة بمبلغ بسيط مقابل الحصول على نسب من المشروع. الوسيلة الثانية Venture capital وهم المستثمرون الأشخاص الكبار والشركات التي ترى بالمبادرة مشروع قابل للتحقيق وللنجاح ولدر الارباح. وأخيراً IPO وهي مرحلة متقدمة يصبح فيها المشروع قائم ومنتج وجاهز للعرض في سوق الأسهم.
أن يكون المرء مبادراً ناجحاً يعني امتلاكه القدرة على التفكير الاستراتيجي بالمراحل القادمة التي ما تزال بعيدة عن النقطة التي يقف فيها حالياً. لا يمكن لأي مبادرة أن تنجح دون وضع خطة تضمن الاستمرارية والتطوير على الأقل لخمس سنوات قادمة. خاصةً إذا ما كان الهدف القريب هو الشراكة مع الآخرين، أو عملية دمج أو بيع المنتج أو طرحه في سوق الأسهم. هذا لا يعني أن المبادر سيمضي سنواته الخمس القادمة وهو يعمل على المنتج نفسه.
تعتبر الخطة جزء من المنتج بحد ذاته. فإذا كان من الصعب أن تحيا الفكرة لخمس سنوات على الورق يعني أنه من المستحيل أن تحظى بفرصة الاستمرار لنصف هذه المدة على أرض الواقع.
بالتالي، لن يجد المبادر مستثمراً يقبل بأكثر المبادرات المبتكرة إذا لم تملك هذه المبادرة فرصة الإستمرار بخطة محكمة.
يقول ريتشارد برانسون مؤسس شركة فيرجن: "أنت لا تتعلم المشي باتباعك للقواعد، بل تتعلم من كثرة سقوطك قبل أن تمشي". وعندما نتحدث عن خطة محكمة لا نعني أنها غير قابلة للتغيير. فكل مبادر ناجح يعلم أن التغيير في التكتيك والخطة والنقد الذاتي والتقييم واعادة رسم مسارات جديدة والمحاولة والفشل ثم المحاولة من جديد هي الاجابة على السؤال الثاني بعد "ماذا؟" وهو "كيف؟".