قبل الانتخابات الرئاسية.. حرية الإعلام في تونس تتآكل

بواسطة Stratton Marsh
Jun 24, 2024 في حرية الصحافة
أعلام تونسية

هذا الخريف، ستتوجه تونس إلى صناديق الاقتراع لإجراء أول انتخابات رئاسية منذ تنفيذ الرئيس قيس سعيد "انقلابًا ذاتيًا"، في 2021، إذ حلّ برلمان البلاد، وأعاد كتابة الدستور.

وأعربت منظمات حقوق الإنسان ومراكز الفكر السياسي عن شكوكها بشأن حرية الانتخابات المقبلة ونزاهتها، إذ قمعت إدارة سعيد وسائل الإعلام المستقلة، ومنعت المراقبين الدوليين من إجراء المراقبة.

كما حُكم على مرشحين بارزين من المعارضة، بالسجن، وكذلك على صحفيين، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى التعبير عن مخاوفه بشأن قدرتهم على تغطية الانتخابات بحرية. واعتقلت الحكومة خمسة صحفيين في أيار/مايو، ومنذ ذلك الحين، أُطلق سراح اثنين منهم، بينما لا يزال ثلاثة في السجن (حتى 15 مايو/أيار)، بتهم نشر المعلومات المزيفة بناءً على منشورات على منصات التواصل الاجتماعي أو مقالات تنتقد الحكومة.

وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول، اعتقلت السلطات التونسية الصحفي في شبكة الجزيرة سمير ساسي، والمعلق الإذاعي المستقل زياد الهاني، وبينما لم توجه السلطات أي تهم ضد ساسي، وُجِّهت إلى الهاني تهمة "إهانة الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي"، أثناء بث إذاعي انتقد فيه وزيرة التجارة كلثوم بن رجب.

وتأتي هذه الاعتقالات في أعقاب اعتقالات متعددة للصحفيين من قبل السلطات التونسية في 2023، بما في ذلك نور الدين بوطار، مدير إذاعة "موزاييك إف إم"، وهي محطة إذاعية مستقلة كثيرًا ما تنتقد الرئيس سعيد. 

وقبل الانتخابات الرئاسية للعام 2024، تحدثت مع عدة صحفيين تونسيين عن حرية الصحافة المتآكلة في البلاد.

حرية الصحافة في تونس

تُعتبر تونس الدولة الوحيدة التي أدت ثورة الربيع العربي فيها إلى الانتقال السلمي للسلطة والتحول إلى الديمقراطية، وفي 2014، وافق التونسيون على دستور جديد، وفي وقت لاحق من ذلك العام ومجددًا في 2019، أجرت البلاد انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة.

وكانت إحدى نتائج ثورة 2011، حرية الصحافة المكتشفة حديثًا إذ ازدهرت وسائل الإعلام المستقلة، وقال مؤسس ومدير مركز تطوير الإعلام في تونس، عبد الكريم حيزاوي: "كنا الدولة العربية الأولى فيما يتعلق بحرية الصحافة وحرية التعبير". وأسس حيزاوي المركز في 2014؛ لدعم وسائل الإعلام التونسية في أعقاب الربيع العربي.

وعملت المحررة الأولى في وكالة تونس إفريقيا للأنباء، بهيجة بلمبروك، في الصحافة لأكثر من 20 سنة، وتتذكر الفترة التي أعقبت الثورة التونسية باعتبارها وقتًا تمتع فيه الصحفيون بحريتهم، موضحة "بعد الربيع العربي، كان لدينا المساحة لقول ما نشاء عندما نريد، وكان باستطاعتنا انتقاد أي شخص في أي مكان".

وفي 2019، قلب الدخيل السياسي قيس سعيد، هذه الحرية رأسًا على عقب. ومع ترشحه كمرشح محافظ مستقل عن حزب سياسي، فاز سعيد بالانتخابات الرئاسية، وبعد عامين، أصدر إعلان طوارئ لإقالة رئيس الوزراء، وتجميد البرلمان، وتولي السلطة التنفيذية الكاملة. 

ومنذ 2021، تدهورت حرية الصحافة في تونس، لتنخفض من المرتبة 72 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2019 الصادر عن مؤسسة "مراسلون بلا حدود"، إلى المرتبة 118 في 2024. وأكد حيزاوي: "يتدهور الوضع للغاية وبسرعة كبيرة الآن"، مضيفًا "لدينا حكم فردي في تونس".

قوانين تستهدف الصحفيين، والرقابة الذاتية

وعملت القوانين التي تم سنّها لإسكات الصحفيين على قمع تغطيتهم المستقلة.

واُعتقل ما لا يقل عن 20 فردًا أو وُجِّهت لهم تُهم بموجب قانون الجرائم السيبرانية لعام 2022، المرسوم عدد 54، الذي يحظر بغموض نشر "البيانات الخاطئة، أو الشائعات، أو الوثائق الخاطئة أو المزيفة، بهدف التعدي على حقوق الآخرين، أو الإضرار بالسلامة العامة أو الدفاع الوطني".

وسمح غموض صيغة القانون لحكومة سعيد باعتقال المعارضين السياسيين، والصحفيين، وأعضاء السلطة القضائية. ومن بين الذين وُجِّهت التهم ضدهم بموجب المرسوم عدد 54، نزار بهلول، محرر الموقع الإخباري التونسي بيزنس نيوز، الذي اُعتقل بتهمة نشر معلومات كاذبة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بعد نشر مقالة تنتقد رئيسة الوزراء نجلاء بودن.

وقال حيزاوي: "جميع الصحفيين خائفون الآن من العقاب والزج بهم في السجن"، موضحًا "في وسائل الإعلام العامة الآن، لن تقرأ أو تشاهد أو تسمع أي محتوى ينتقد الرئيس أو الحكومة، ولا يزال لدينا بعض المحتوى النقدي في وسائل الإعلام الخاصة، وفي الصحف، ولكن لم يعد موجودًا في وسائل الإعلام العامة".

كما واجه الصحفيون أعمالًا انتقامية لانتقادهم سياسات الحكومة، ففي أبريل/نيسان 2023، نشرت بلمبروك، مقالة حول انتقاد المنظمات غير الحكومية السياسات التونسية تجاه المهاجرين غير الشرعيين، بعد خطاب الرئيس سعيد في فبراير/شباط 2023، الذي أمر فيه المسؤولين باتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة الهجرة غير النظامية. وبعد نشر المقالة، قالت بلمبروك، إنّها مُنعت من نشر أعمالها لمدة ستة أشهر، مضيفةً: "ليس لدينا الحق في انتقاد الخيارات الاستراتيجية التي اتخذتها الحكومة، ولا يُمكننا انتقاد هذا الرئيس أو رئيسة الوزراء".

ومع استهداف الصحفيين من قبل إدارة سعيد، يمارس الكثير منهم الرقابة الذاتية لتجنب التغطية الناقدة عن الحكومة. 

وأوضحت المديرة الإقليمية لشمال إفريقيا لمنظمة مراسلون بلا حدود، فلوريان هاين: "هناك حالات عديدة للصحفيين الذين يخافون اليوم من العمل بعدما رسخت السلطات التونسية الخوف"، مضيفة "مع الأسف، هناك حملة حقيقية تستهدف الصحفيين المستقلين والصحفيين الذين يقدمون المعلومات بحرية وبشكل مستقل".

التطلع إلى انتخابات 2024 

وطمأن حزاوي بأنّ حالة حرية الصحافة التونسية قد تبدو مزرية، ولكن ليس ميؤوسًا منها. وقال: "لا يُمكننا العودة إلى الوضع الذي كان قائمًا أثناء فترة الديكتاتورية (قبل ثورة 2011)، لأنّ الناس اكتسبوا هذه الحرية الآن".

وفي يناير/كانون الثاني، أصدرت مؤسسات إعلامية كبيرة في تونس بيانًا من مقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين تعترف بأنّ حرية الصحافة في البلاد في حالة أزمة، كما أعلن البيان عددًا من المطالب، من بينها أن تتوقف الحكومة عن استخدام مرسوم عدد 54 وقوانين أخرى "لملاحقة الصحفيين وتخويفهم وسجنهم".

وفي النهاية، تقول هاين: "الصحفيون التونسيون شجعان وعاشوا التجربة قبل 2011، ويدركون أنّهم أعظم الضامنين لحرية الصحافة وحرية التعبير في تونس مع نقابتهم ومجتمعهم المدنية، ويقودون معركة شرسة من أجل احترام حرية الصحافة"، مختتمة "لا يسعهم سوى الفوز بها".


الصورة حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة حمامي غازي.