صحفيون يروون تجاربهم في صناعة المحتوى على تيك توك

بواسطة وفاء خيري
Aug 6, 2024 في الصحافة متعددة الوسائط
تيك توك

انتشر استخدام "تيك توك" في السنوات الأخيرة، وتأثر الإعلام بالتطبيق الرائج وحاول تطويعه لخدمته؛ عن طريق تقديم محتوى لنشر المعلومات والأخبار وتحليل الأحداث، بطريقة عصرية لجذب جماهير جديدة، مما يمكن اعتباره طريقة جديدة لإيصال رسائل إعلامية بشكل يتماشى مع الجمهور الأصغر سنًا، ويعد استخدام تيك توك أحد أشكال صحافة الموبايل، ولهذا النوع مميزات وتحديات أيضًا:

مميزات مثل: 

  • سهولة الاستهلاك: تتميز مقاطع الفيديو القصيرة بسهولة استهلاكها من قبل الجمهور، مما يجعلها مناسبة للعصر السريع الذي نعيش فيه.
  • التفاعل: تُتيح منصة تيك توك إمكانية التفاعل مع الجمهور من خلال التعليقات والردود، مما يخلق حوارًا مفتوحًا بين الصحفيين والجمهور.
  • التنوع: يقدّم تيك توك محتوى متنوعًا يشمل الأخبار والتحليلات والترفيه والتوعية، مما يلبي احتياجات مختلف شرائح الجمهور.
  • الوصول العالمي: تصل منصة تيك توك إلى مليارات المستخدمين حول العالم، وبالتالي قاعدة جماهيرية واسعة.

تحديات مثل:

  • قصر مدة الفيديوهات: قد لا تسمح مدة الفيديو القصيرة بتقديم تحليل عميق للأحداث أو شرح معقد للمواضيع.
  • دقة المعلومات: قد تواجه صحة المعلومات المنشورة على تيك توك تحديات، خصوصًا مع انتشار الأخبار المزيفة والشائعات.
  • التمويل: قد يواجه الصحفيون على تيك توك صعوبة في الحصول على تمويل لعملهم، لاسيما في ظل غياب نماذج أعمال واضحة في هذا المجال.

في هذا السياق، يذكر فادي رمزي، خبير الإعلام الرقمي، في حديثه لشبكة الصحفيين الدوليين أنّ تيك توك يعتبر الامتداد الطبيعي للإعلام، في ظل وجود جيل زد والأجيال الأصغر الشغوفة بالمعلومات، إذ يستخدمونه كمحرك بحث ويعتبرونه مصدرًا رئيسيًا للأخبار، بحسب تقرير أوفكوم البريطانية، ويرجع هذا الانجذاب لتيك توك لأنّ له طبيعة محتوى وجمهور مختلف، بحيث يوجد عنصر بشري مرتبط بالمحتوى داخل أغلب الفيديوهات.

ويشير إلى أنه على المستوى العالمي استطاعت عدة مؤسسات الاستفادة من هذا التطور، ويذكر أن أول وأشهر منصة طبقت ذلك في العالم هي واشنطن بوست، إذ تمكن فريقها من تبسيط كل المعلومات المعقدة في فيديوهات قصيرة، للوصول إلى شريحة كبيرة جدًا من الجمهور، على عكس العالم العربي الذي لا يزال يرى أنّ الصحفيين بحاجة إلى تطوير أدواتهم والاستفادة منها بشكل كامل. 

يوضح رمزي قائلًا: "مؤسساتنا الإعلامية متواجدة على السوشيال ميديا، ولكننا نحتاج إلى التطوير، ويمكن استغلال الكثير من الفرص التي يتيحها الإعلام الرقمي، لكنّ مشكلتنا أنّ التركيز لدينا منصب على التنفيذ قبل الفكرة والإدارة، إذ تنشر أغلب مؤسساتنا الإعلامية نفس المحتوى على كل منصات السوشيال ميديا بدون تغيير أو مراعاة اختلاف خصائص كل قناة عن الأخرى، وبالتالي لا نحصل على نتائج مختلفة"، ويستكمل أنّ آليات التنفيذ سهلة وهناك فرصة في العالم العربي للمنتجات الرقمية؛ إذ أدركنا كيفية استخدامها. 

لا يقتصر استخدام تيك توك على إنشاء المؤسسات الإعلامية محتوى لمنصاتها وحسب، بل يوجد صحفيون يعملون كصناع محتوى مستقلين على تيك توك، ويرجع رمزي بداية هذا النوع من المحتوى؛ إلى حرب أوكرانيا، حينما كان يصور بعض الأشخاص الأحداث وينقلونها للعالم بمفردهم، وبعدها اكتشفوا أنهم مصدر للمعلومة التي تتناقلها عنهم المنصات الإخبارية.

مريم سوليكا، صحفية وصانعة محتوى على تيك توك في قناة تحمل اسم "The Good News" تقول لشبكة الصحفيين الدوليين إنها أنشأت حسابها عام 2020، واكتشفت فوائد عدة مثل كيفية صياغة القصة بشكل شيق بدون اختزال أو ابتذال، بالإضافة إلى فرص لعمل إعلانات مع عدة جهات وساعدها على ذلك ما درسته في كلية الإعلام. 

تقدم مريم محتوى إخباريًا خفيفًا وإيجابيًا، وتهدف من الحساب إلى نشر أخبار سعيدة من العالم العربي، وذلك ساعدها على ممارسة العمل الصحفي بشكل عصري، فلم تتخلَّ عن قيمها الصحفية، وطوّعتها من خلال آليات السوشيال ميديا، كما أنّ الجمهور يتفاعل معها بشكل جيد، فكلنا نحتاج إلى معرفة أخبار جيدة، تقول مريم لشبكة الصحفيين الدوليين. 

وتضيف: "نصيحتي لأي صحفي يرغب بسلك هذا الإتجاه، الوعي بالمسؤولية الصحفية المتمثّلة بعدم التخلي عن مبادئ الصحافة وأصول المهنة، أيًا كان القالب الذي سيخرج فيه المحتوى، وعلينا ألا نستخدم عناصر الجذب غير الواقعية أو اللاأخلاقية، بكتابة عناوين مبالغ فيها أو مصطنعة لجذب المشاهد"، كما تنصح بتبسيط الموضوع قدر الإمكان، والابتعاد عن الإسفاف والركاكة، واحترام عقلية المشاهد.

ترى مريم أنّ صناعة المحتوى عبر تيك توك هو قالب ووسيلة صحفية جديدة، فالصحافة مكونة من مُرسل ومُستقبل ورسالة وقناة، مضيفةً: "أرى أنها وسيلة جديدة تخدم المستهلك، لأنني إذا استخدمت الطرق القديمة، قد لا أجد المتلقي، بسبب تغيير استخدامه لوسائل الإعلام التقليدية"، مشيرةً إلى أنّه يمكن إنشاء محتوى على تيك توك بحسب هدف الصحفي وطبيعة جمهوره المستهدف، ومن الناحية التقنية تنصح مريم بالاهتمام بالإضاءة والتصوير في مكان موحد قدر الإمكان، بجانب الاهتمام بالصوت وجودته، لأنه يساعد المتابعين على تلقي المعلومة بشكل جيد.

أحمد الجدي، صحفي وصانع محتوى مصري، بدأ في إنشاء محتوى على تيك توك منذ بداية الجائحة، وقد جرب صناعة أكثر نوع من المحتوى ولكنه لم ينجح، حتى جرب إنشاء محتوى معلوماتي، الذي يعدّ جزءًا من تخصصه الصحفي، وحينها وجد تفاعلًا كبيرًا عليه، ورأى أنّ هناك تعطشًا ونقصًا لهذا النوع من المحتوى، وبعد سنتين فقط، وصل إلى مليون متابع.  

في حديثه لشبكة الصحفيين الدوليين، يقول أحمد إنّه يعتبر تيك توك وسيلة مهمة للأخبار، ويضيف: "عرفني التطبيق على جمهور كبير ومتعطش لمعرفة الأخبار ومتابعة ما يجري، بدون أن يقرأها في جريدة أو موقع إلكتروني، كما أن هناك الكثير ممّن لا يقرأون، ولكنهم يرغبون في متابعة الأحداث الجارية، وفي هذه الحالة، كان تيك توك الحل الأنسب لهم، خصوصًا أنّ المعلومة سريعة ومختصرة، بدون الحاجة لمتابعة برنامج إخباري يستغرق وقتًا طويلًا". 

ويعتبر أحمد أنّ الصحافة التقليدية غير مناسبة للجمهور الحالي، خصوصًا مع وجود الذكاء الاصطناعي والسوشيال ميديا، فيرى أنه يجب أن نتطور ونقدم المحتوى بشكل يتناسب مع سرعة وطبيعة العصر الذي نعيش فيه، لكي ننقذ الصحافة من الانهيار، كما ينصح الصحفيين بإنشاء محتوى متخصص، فصناعة المحتوى على تيك توك يجب أن تكون مثل الصحافة تمامًا، لكي ينتج كل صحفي محتوى مميزًا ودقيقًا، علمًا بأنه يصنف نفسه صانع محتوى متخصص في الترند.

رغم كثرة عدد مشاهدات الجدي، التي تصنف مليونية، إلا انه لم يجنِ أي أرباح مما يفعله، ويرى أنه إذا توفر ربح من الأمر سيتفرغ له بشكل كامل، ولتقديم أفضل محتوى ينصح الجدي بإنتاج صوت وصورة واضحة ومعلومة مثيرة، لأنّ المعلومة المثيرة هي ما تجذب الجمهور، بالإضافة إلى أسلوب سلس. لكنّ الجدي يرى أنه بالرغم من أهمية تطبيق تيك توك، لأنه يسمعنا صوت الناس ويوصل صوتهم إلى الإعلام، إلا أنه لا يحظى بأهمية ومصداقية من قبل الجمهور.

هبة جبار الماجد، صحفية عراقية، تنشئ محتوى على تيك توك منذ سنتين تقريبًا، ويعتمد محتواها بشكل أساسي على الترويج لعملها الصحفي وكواليس عملها الإعلامي بجانب مشاركة بعض الأخبار والفاعليات الصحفية التي تنشرها بشكل مستقل، وقد ساهم ذلك في انتشارها أكثر صحفيًا، لذا فإنها ترى أنه منصة إعلامية تستحق الاستغلال لأنها واسعة الانتشار، وتقول هبة لشبكة الصحفيين الدوليين: "كان هدفي إنشاء محتوى هادف توعوي، تحفيزي، ويتقاطع مع عملي، وبدون ترتيب ووجدت أنّ بعض الفيديوهات، خصوصًا العفوية منها وصلت إلى أكثر من مليون مشاهدة".

وترى هبه أنه لا يمكن أن نعتبر تيك توك وسيلة بديلة للإعلام، لكنه منصة موجودة ويجب الاستفادة منها، كصحفيين مستقلين أو منصات إخبارية، لأنّ التطبيق يساهم في نشر المعلومات والترويج للمنصات الإعلامية، وتحكي ذلك بناء على خبرتها في إدارة حساب تيك توك لإحدى المؤسسات الإعلامية التي عملت بها، خصوصًا في نشر الكواليس لأنه يساهم في الانتشار الإعلامي والتوعية أكثر من أي منصة أخرى. وتشير إلى أن صناعتها لهذا المحتوى زاد من شعبيتها إعلاميًا في العراق، وزاد استخدام رصيدها المهني وبالتالي من فرصها، إذ أن هناك عدة جهات ترغب بالعمل معها بسبب شعبيتها وما تقدمه من محتوى على تيك توك. 

ترغب هبة في التخصص في إنشاء المحتوى الصحفي بشكل أعمق وأكثر تخصصًا، بعدما تكوّن قاعدة جماهيرية ضخمة، كما تنصح من يرغب بصناعة محتوى صحفي على تيك توك أن يكون لديه هوية بصرية محددة من ناحية اللون والشكل، وتوقيت محدد للنشر، بجانب النشر بشكل يومي، لأن تيك توك تطبيق يومي يستخدمه الجمهور بشكل مستمر.

أما مروة المتولي، صحفية مصرية وصانعة محتوى على تيك توك، والتي بدأت حسابها تزامنًا مع بداية تفشي كوفيد 19، فتقول لشبكة الصحفيين الدوليين، إنها ليست متأكدة أن ما تنشئه من محتوى صحفي تمامًا، لأنها تجمع بين المحتوى الإخباري المرتبط بالترند، وفيديوهاتها الخاصة، مضيفةً: "لا أشعر أنني صحفية حقيقية إذا قدمت محتوى على تيك توك فقط، فالتطبيق لن يعوضني عن العمل الصحفي الحقيقي والكتابة"، وتشرح قائلةً إنّ "استخدام تيك توك لا يعتمد على تقديم معلومة مفيدة أو حقيقية للمواطن، بل على البحث عن الشهرة والتريندات والمشاركة في أي حدث، بغض النظر عن مدى فائدته، أما الصحافة التقليدية فمهمتها التوثيق وتقديم معلومة وكشف الفساد ومحاربته، لذا مهما تطورت السوشيال ميديا لا يمكنها تعويض الدور الإيجابي والحقيقي للصحافة التقليدية".

ولكنها كذلك ترى أنّ تيك توك أثبت قوته وانتشر بشكل واسع، في وقت قصير، وصحافة المواطن فعالة عليه، فهناك مستخدمون يخرجون ببث مباشر لحدث يعتبر خبرًا صحفيًا وينقلونه قبل أي موقع، كما أنّ انتشار أي خبر عليه سريع جدًا، فإذا لم تهتم المؤسسات الإعلامية بالسوشيال ميديا وتطويع الصحافة وضبط معاييرها، من الممكن أن يحل تيك توك والسوشيال ميديا محلها، برأي المتولي.

وعن تجربتها تستكمل مروة أنّ صناعة محتوى على تيك توك لم يضِف لعملها أي شيء، فالأساس أن يكون الصحفي متمكنًا في مهنته ويزيد عليها بالسوشيال ميديا وليس العكس، ولصناعة محتوى جيد تنصح بمتابعة التريندات وصناعة محتوى عنها، بشكل سريع، قدر الإمكان، كما تشدد على بدء الفيديو بجملة جاذبة من أول ثلاث إلى ست ثوان.

ويستكمل فادي رمزي حديثه قائلًا إنّ دور الإعلام يكمن بتبسيط المحتوى بشكل يتناسب مع طبيعة الجمهور، وعليه ينصح بالتركيز على الجمهور المستهدف وتحديد الهدف من إنشاء حساب للمؤسسة على تيك توك، إذ أن وسائل الإعلام متغيرة بشكل سريع، كما قدم الخبير الرقمي بعض الخطوات لنشر محتوى جذاب على تيك توك، مثل: 

  • العنصر البشري هو ما يميز تيك توك. 
  • مدة الفيديو بحد أقصى 60 ثانية، ومن الأفضل إيصال الرسالة بوقت أقل. 
  • الموسيقى في الخلفية، لها تأثير قوي بانتشار الفيديو.

مستقبل تيك توك 

لا يزال استخدام تيك توك في العمل الصحفي بمراحله المبكرة في العالم العربي، لكنه يظهر إمكانيات هائلة لتغيير المشهد الإعلامي في المستقبل، خصوصًا مع تطور المنصة وتوفر أدوات جديدة لإنشاء المحتوى، ومن المتوقع أن تصبح أكثر تأثيرًا وانتشارًا.

يقدم تيك توك بديلًا جديدًا للجمهور للحصول على الأخبار والمعلومات، خصوصًا مع مميزاته وسهولة استهلاكه، على الرغم من التحديات التي تواجهه، إلا أنه يظهر إمكانيات كبيرة لتغيير المشهد الإعلامي في المستقبل.

الصورة الرئيسة حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة سولين فاييسا.