صحفيات شجاعات: "بيلان ميديا" ​​تتحدى وتكسر الصور النمطية في الصومال

بواسطة Hadeel Arja
Aug 20, 2024 في موضوعات متخصصة
صورة شكري عبدي محمود خلال اعداد احد التقارير

عندما زارت الصحفية البريطانية ماري هاربر الصومال في العشرينات من عمرها خلال رحلة عمل وقعت في حبها مباشرة، وكانت مفتونة بها للغاية.

هاربر التي عملت على مدار 30 عاماً لصالح بي بي سي في تغطية قضايا وقصص من إفريقيا تشعر بالانتماء لهذه القارة أكثر من أي مكان آخر، حتى أنها ألفت كتابين عن الصومال.

وعلى مدار تلك الأعوام لاحقها حلم العمل مع الصحفيين الصوماليين، وهذا ما حققته مع روبيرت فيو، من خلال تأسيسهما مؤسسة بيلان الإعلامية المستقلة المدعومة من UNDP وهي أول فريق إعلامي نسائي في الصومال، يوفر للنساء مساحة آمنة للعمل والقوة لاختيار ما يكتبنه وكيف يغطينه، كل ذلك أثناء العمل في أحد أخطر الأماكن في العالم للصحفيين وفي أحد أكثر المجتمعات المحافظة، حيث يُتوقع من النساء البقاء في المنزل وبعيدًا عن الحياة العامة.

منذ إطلاقها في عام 2022، أصبحت بيلان اسماً مألوفًا في الصومال وتم ترشيحها لجائزة حرية التعبير من مؤشر الرقابة وجائزة نورمبرج لحقوق الإنسان، ومؤخراً حصلت على جائزة one world media، الآن يقوم الفريق بتوسيع أعماله خارج مقديشو لدعم الصحفيات الأخريات مع الاستمرار في رفع مستوى جودة التقارير في جميع أنحاء البلاد ككل.

ولمعرفة تفاصيل أكثر عن هذا المشروع الإعلامي المميز، الإلهام والتحديات وفريق العمل وأحلامهم وطموحاتهم، وآلية إنتاج القصص الصحفية، التقينا ماري هاربر إحدى مؤسسات هذا المشروع، الصحفية الصومالية هندا عبدي محمود رئيسة التحرير، وشكري عبدي محمود أصغر الصحفيات عمراً في فريق العمل الذي يضم 6 صحفيات.

الإلهام: القصة الصومالية تسردها صحفيات صوماليات قويات 

بالنسبة إلى هاربر، يركز قسم كبير من الصحافة في الصومال على السياسة والصراع، مع وجود مجال كبير للتحسين، بما في ذلك للصحفيات اللواتي يواجهن العديد من التحديات.

صورة ماريصورة ماري هاربر إحدى مؤسسات هذا المشروع

مصدر الإلهام الأول لبيلان هو الحاجة إلى تقديم صحافة جيدة من خلال صحفيات جيدات، ليكن مصدر الإلهام لصحفيات أخريات في الصومال، وهذا لا يعني بالضرورة أن تكون هذه الصحافة عن النساء، بل إعداد قصص صحفية من قبل صحفيات متمرسات في الصومال التي تعتبر واحدة من أكثر الأماكن خطورة في العالم بالنسبة للصحفيين.

التحديات: الناس لا يستمعون لأصوات النساء 

أن تكوني امرأة في المجتمع الصومالي المحافظ فذلك يفرض تحديات كبيرة، فهذا المجتمع يتعامل مع المرأة على أنها "مواطن من الدرجة الثانية" توضح هاربر "بشكل عام، لا تتمتع المرأة بدور كبير في الحياة العامة، والناس لا يسمعون أصواتهن، ربما هناك بعض الاستثناءات".

وذلك ما تعمل بيلان على تحديه والتغلب عليه من خلال إعطاء الصحفيات المجال لمشاركة أفكارهن وتحويلها إلى واقع ملموس رغم كل المصاعب التي يواجهنها خلال عملهن وتعرضهن لانتقادات طوال الوقت عندما يذهبن للعمل بالقول إن مكانها في المنزل للطبخ والتنظيف وإنجاب الأطفال.

تقول هاربر: "إنه أمر صعب للغاية بالنسبة لهن، لكنهن شجاعات ولن يتوقفن!".

وهذا كان واضحاً من كلام شكري عبدي محمود الصحفية الأصغر في بيلان والبالغة من العمر 24 عاماً والتي تقول لـ"شبكة الصحفيين الدوليين" إن "الدافع وراء قرار العمل في مهنة الصحافة ينبع من نشأتها في بيئة حُرمت فيها النساء من الاستقلالية في اتخاذ خياراتهن الخاصة".

فالصحفية التي نشأت في عائلة صومالية محافظة تواجه تحدياً حول الصورة السلبية تجاه النساء اللواتي يمارسن مهنة الصحافة، وكان "دخولها في هذا المجال مفاجأة للجميع كونها أول فتاة تعمل في مجال الصحافة في عائلتها" توضح شكري لنا.

صورة لشكريشكري عبدي محمود الصحفية الأصغر في بيلان

في عام 2018 وبسبب عملها في مجال الصحافة واجهت شكري تهديدات من جماعة إرهابية، لكنها لم تتوقف لإيمانها بأهمية تمكين المرأة من تولي أدوار في السياسة وتمثيل مجتمعاتها "وهي الرسالة التي أريد أن أنقلها إلى المجتمع" تقول شكري.

أحرزت شكري تقدماً كبيراً في مسيرتها المهنية منذ انضمامها إلى بيلان ولا تزال مستمرة بالعمل معهم حتى تحقق حلمها بأن "أصبح صحفية معروفة بتقديم معلومات غير متحيزة وحقيقية مع التركيز بشكل خاص على القضايا المتعلقة بالمرأة ووصولها إلى العدالة والدعوة إلى التغيير المجتمعي والسياسي" على حد قول شكري.

التغلب على التحديات: الاستقلال التحريري 

تنتمي الصحفيات الست العاملات في بيلان إلى مختلف أنحاء الصومال، ويجلبن ثروة من الخبرة الإعلامية إلى العمل، إلى جانب شغفهن بحقوق المرأة والتقارير العادلة والنزاهة الصحفية.

يعملن في مساحة آمنة، الأمر الذي تعتبره هاربر مهما للغاية، فوجود هذه المساحة يعني استقلالهن التحريري، لذا فإن مكاتبهن ليست مكاناَ لأي شخص آخر، بما في ذلك الرجال، يسمح لهم بالدخول فقط إذا سمحن هن بذلك، "إنهن يتمتعن بحرية كبيرة هناك، لا أحد يتدخل بعملهن" تقول هاربر إنهن ينجزن بعض القصص بهواتفهن المحمولة، وهن يقمن بكل شيء بدءاً من اختيار القصة، كيفية تغطيتها، تصويرها وتحديد من سيجري المقابلة، وكتابة السيناريو "إنهن يقمن حرفياً بكل جزء من القصة من البداية إلى النهاية". 

والأمر الآخر المهم الذي أشارت إليه هاربر هو حصول الصحفيات على رواتب بانتظام.

والأهم من ذلك كله أن هذه المساحة الآمنة كانت سبباً لإنجاز هؤلاء الصحفيات قصصاً مهمة، منها عن نساء مدمنات للمخدرات في الصومال، وأخرى عن شرطية صومالية كانت تأخذ أشخاصاً مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية إلى منزلها وتعتني بهم.

وقصة عن مرض المهق في الصومال، التي استغرقت من الفريق شهوراَ في العمل وخاصة أن المصابين بهذا المرض لا يتحدثون عادة إلى وسائل الإعلام في الصومال لأن هناك الكثير من التحيز ضدهم.

وغيرها من القصص التي يتم تناولها من وجهة نظر صومالية محلية مثيرة للاهتمام لن يتمكن الصحفي الأجنبي من رؤيتها، وكون الفريق من نساء "لديهن القدرة على كسب الثقة والتواصل مع نساء مختلفات وبالتالي رواية قصصهن" تقول هاربر.

أما بالنسبة إلى هندا عبدي محمود رئيسة التحرير التي تدرك أن المجتمع الذي انحدرت منه محافظا للغاية مما يجعل من الصعب تغطية بعض المواضيع لكنهن كفريق بيلان "ملتزمات بكسر هذه المحرمات، والتركيز على القضايا التي لم يتم تناولها بشكل كاف" بحسب كلامها.

صورة هندا

وتضيف هندا لـ "شبكة الصحفيين الدوليين" أن "موقعنا الفريد كفريق إعلامي نسائي بالكامل سمح لنا الوصول إلى الأماكن والقصص التي قد يجد المراسلون الذكور صعوبة في الوصول إليها"، مضيفة أنهن استطعن إلقاء الضوء على قضايا محرجة غالباً ما يتم تجاهلها. 

إنجاز القصة.. خطوة بخطوة

يعقد الفريق مع هاربر اجتماعات تحريرية أسبوعية، يناقشون فيها أفكاراً جديدة للقصص وكيفية إنجازها، وعندما يقومون بتصوير مقاطع الفيديو يرسلونها لهاربر للتحقق منها، فهي ليست صحفية تتمتع بخبرة إعلامية كبيرة وحسب بل أيضاً بفهم عميق للمجتمع الصومالي.

ولكن رغم ذلك فإن مشاركة هاربر في هذه المهمة بمرور الوقت تصبح أقل، لأنهن يصبحن أفضل، تقول لنا: "إن هدفي هو أن تقتصر هذه المهمة الكاملة على الفريق".

وتبدو أن هذه المهمة ليست صعبة على الفريق الذي يمنحه العمل ضمن فريق نسائي "شعوراً بالتمكين والتضامن" بحسب وصف هندا التي تضيف "أنشأنا بيئة داعمة وتعاونية الأمر الذي مكننا من أن نكون مبدعين في تقاريرنا".

مؤسسة بيلان لا تقوم فقط بإنتاج تقارير صحفية للمنصة، بل تستهدف الصحافة الدولية من خلال إنتاج قصص يتم نشرها في مختلف المواقع الإعلامية مثل الجارديان وبي بي سي وال بايس.

ويحاول الفريق ألا يروي قصصاً سلبية وقصصاً حزينة لوسائل الإعلام الدولية فقط. تقول هاربر "إنه من المهم أن يتم تمثيل الصومال بدقة وإنصاف على المستوى الدولي، لأنها واحدة من تلك البلدان التي تعاني من العديد من الصور النمطية".

وتأتي أهمية إنجاز القصص من قبل صحفيين محليين لتلك الوسائل الدولية، من فهم الثقافة والمكان، "فالأمر لا يقتصر على إرسال صحفي بمهمة واحدة من المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة لكتابة القصة" تقول هاربر، "أنا محظوظة لأنني بدأت العمل في بي بي سي، لأنها كانت تنتج برامج معظمها من إعداد أشخاص من إفريقيا أو أشخاص لديهم علاقات قوية جداً مثلي، وموجهة للجمهور الإفريقي".

برامج تدريب داخلي للصحفيات الصوماليات

يوجد في مقديشو جامعتان متخصصتان في الصحافة، جامعة الصومال الوطنية وجامعة مقديشو، وكما هو متعارف يواجه خريجو الصحافة تحديات كبيرة للحصول على فرصة عمل.

وانطلاقاً من ذلك أطلقت مؤسسة بيلان برنامج التدريب الداخلي الذي يستقبل في كل مرة متدربتين من بين أفضل الطلاب أو الخريجين الجدد من كليات الصحافة، حيث تتاح لهما فرصة العمل بدوام جزئي لمدة ستة أشهر في مكتب بيلان، وإنتاج القصص مع الفريق.

وفي الوقت نفسه يحرص القائمون على بيلان على تطوير مهارات الفريق ومنهم هندا رئيسة التحرير، التي كان بالنسبة لها العمل في بيلان مفيداً بشكل كبير لتطوير مهاراتها في هذا المجال وصقلها وخاصة في مجال التصوير والتحرير وتقنيات سرد القصص.

إضافة إلى ذلك فإن "بيلان أرض خصبة لتطوير المهارات القيادية" تضيف هندا قائلة: "تقدم بيلان برامج تدريبية مستمرة كانت حاسمة في الحفاظ على مهاراتي ومواكبة لأحدث معايير العمل. في عام 2023، أتيحت لي الفرصة للقيام بتدريب لمدة أسبوعين مع مجموعة Nation Media Group. وقد قدمت لي هذه التجربة وجهات نظر ورؤى جديدة حول كيفية عمل منظمة إعلامية كبرى".

صورة

وفي عام 2024، حظيت هندا بامتياز العمل مع وكالة فرانس برس (AFP)، وعن هذه التجربة تقول "لقد وسعت هذه التجربة آفاقي الصحفية بشكل أكبر، مما سمح لي بالتعلم منهم وتكييف منهجياتهم لتعزيز تقاريري وتقارير فريقي".

الأهداف القادمة: الاستقلال المادي والتوسع داخل مناطق مختلفة في الصومال

يعمل الفريق اليوم بفضل تمويل حصل عليه على مدى الخمس السنوات القادمة، "وهو أمر جيد لأنه يمنحهن شعوراً بالأمان" تقول هاربر مضيفة "لكن الهدف هو أن يصبحن مستقلات مالياً، بدون الحاجة لأي تمويل خارجي، لذلك هناك احتمال إنشاء Production house".

والأمر الآخر الذي يسعى الفريق لتحقيقه هو تغطية أكبر في الصومال، وعدم التركيز فقط على العاصمة الصومالية.

الصور مقدمة من فريق بيلان ميديا.