حال الصحافة في أفغانستان اليوم

Aug 15, 2022 في تغطية الأزمات
علم أفغانستان

على مدى عقدين من الزمن، تولّى الصحفيون في أفغانستان نقل الأخبار والمعلومات إلى الجمهور عبر مجموعة من الصحف المستقلة والمحطات الإذاعية وشبكات التلفزيون، وقد عملوا بجد لبناء هذه المنظومة الإعلامية وتعزيزها. ولكن كل شيء تغير في غضون أيام عندما عادت حركة "طالبان" إلى السلطة عام 2021.

وفي هذا الصدد، قال سامي مهدي، الصحفي البارز من أفغانستان ومستشار البرامج لدى المركز الدولي للصحفيين، إنّ "ما ننظر إليه الآن هو الرماد المتبقي ممّا خلقناه منذ سنوات، وسط الحملة القمعية التي أطلقتها حركة ’طالبان‘ بقبضة حديدية ضد كافة مؤسسات الإعلام الحرة". وأضاف أنّه "من الصعب للغاية مشاهدة التدمير الوحشي لكل ما أحببته أو عملت من أجله طوال حياتك".

يعمل مهدي الآن رئيسًا لتحرير منصة الأخبار الرقمية Amu TV، التي شارك في تأسيسها، والتي تجمع الصحفيين من داخل أفغانستان وخارجها لإعداد التقارير الصحفية المستقلة باللغتين الفارسية والبشتوية. وقد رشح مهدي الصحفية الأفغانية أنيسة شهيد لنيل جائزة نايت للصحافة الدولية، المقدمة من المركز الدولي للصحفيين، والتي حاز هو عليها عام 2012. واختارتها لجنة التحكيم ضمن الصحفيين الذين سيكرمهم المركز يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

وفي هذه المقابلة التي أجراها المركز، يصف مهدي ما يمر به الصحفيون اليوم وما يمكن تقديمه لمساعدتهم.

المركز: عندما استولت حركة "طالبان" على الحكم العام الماضي، تابعنا التقارير حول الصحفيين الذين تعرضوا للتعذيب والتهديد واضطروا إلى مغادرة البلاد. فكيف هو الوضع الآن؟

مهدي: الأرقام غنية عن البيان، فقد أغلقت حوالي 300 مؤسسة إعلامية في أفغانستان منذ 15 أغسطس/آب 2021. وفقد أكثر من 60% من إجمالي الصحفيين وظائفهم، بينما بلغت النسبة 85% بين الصحفيات. كما تم تسجيل أكثر من 32 حالة اعتقال واحتجاز من قبل حركة "طالبان"، ولكن هناك العديد من الحالات الأخرى التي لم تُسجل.

وقد عرّضت حركة "طالبان" العديد من الصحفيين إلى الاحتجاز والتعذيب والضرب من دون إبداء أي تفسير، خاصة في الأيام والأسابيع الأولى لاستيلائها على كابول. وفي إحدى الحالات التي حظيت بتغطية واسعة في الإعلام الدولي، اعتقلت الحركة صحفيين عاملين لدى صحيفة "تروس". وبعد إطلاق سراحهما، نُشرت صور جسديهما المعرّضين للضرب، وكانت الندوب والجروح شديدة الوحشية. ولم يقدم أحد أي تفسير، فكل ما فعله الصحفيان هو تغطية مظاهرة نسائية.

وهذه هي بيئة العمل الآن، فقد كان أعضاء حركة "طالبان" يزورون غرف الأخبار يوميًا لفرض الأوامر بشأن نوعية القصص المسموح بتغطيتها أو المفترض عدم المساس بها. وفي بعض المناطق الآن، لا سيما في شمال شرق البلاد، يطلبون من الصحفيين إرسال أجنداتهم اليومية للحصول على موافقة جهاز الاستخبارات التابع للحركة. ولا يجرؤ أحد أن ينتقد الحركة أو يسألها عن الفساد أو عن قادتها، مما يترك المجتمع الأفغاني بلا إعلام حر أو معلومات هامة ولازمة لفهم الموقف وتحليله.

بحسب تصريحاتك السابقة، أغلقت 300 مؤسسة إعلامية في البلاد. فهل تم إجبارها على الإغلاق؟

في بعض الحالات، اضطرت المؤسسات الإعلامية إلى الإغلاق بسبب تلقيها التهديدات من حركة "طالبان" وخشية التعرّض للعقاب إذا استمرت في العمل. وفي حالات أخرى، اضطرت المؤسسات إلى الإغلاق بسبب انعدام الدخل. وأعتقد أن بعضًا من غرف الأخبار اختارت الصمت بدلًا من نشر الأكاذيب والدعاية لصالح "طالبان".

ما هي الأساليب التي تستخدمها "طالبان" لإسكات الصحفيين والضغط عليهم؟

لقد تبنّت حركة "طالبان" مختلف الأساليب والنُهُج، بما في ذلك اقتحام غرف الأخبار بالسلاح وفرض التعليمات على المحررين والصحفيين، أو استدعاء المحررين إلى مكاتبها الاستخباراتية وإخبارهم بما عليهم فعله، أو حتى الاتصال بالمذيعين أثناء البرامج أو بعدها والضغط عليهم بأسئلة مثل: "لماذا طرحت هذا السؤال؟" أو "لماذا استضفت هذا الشخص؟". وأحيانًا يهددون الصحفيين وعائلاتهم بشكل مباشر.

وعلاوة على ذلك، تحاول الحركة التحكم في أصحاب المؤسسات الإعلامية. فإذا بدأ هؤلاء المُلاك في إطاعة "طالبان"، تكون الحركة قد فرضت سيطرتها على الصحفيين كذلك. وقد بدأ بعض المُلاك "التعاون" مع الحركة بالفعل، إذ يمنحوها منصاتهم لتخدم مصالحها وأهدافها.

ومن المهم أن نفهم التاريخ، فقد قضت حركة "طالبان" عدة سنوات في نشر الدعاية ضد الصحافة في أفغانستان، واصفة [الصحفيين] بأنهم "جواسيس الغرب". كما استمرت في قتل الصحفيين على مدى 20 سنة، بمن فيهم زملائي الذين عملت إلى جانبهم لسنوات عديدة. فعندما كنت أعمل لدى "راديو أزادي"، الفرع الأفغاني لإذاعة أوروبا الحرة، قتلت الحركة زميلي الصحفي إلياس دايي في مقاطعة هلمند، بعدما كان يتلقى منهم التهديدات طوال الوقت. وكنت أتلقى أنا أيضًا التهديدات في نفس الوقت.

وإذا تلقيت مكالمة يسألك فيها أحدهم "لماذا طرحت هذا السؤال؟" أو "لماذا تنشر مثل هذه القصص؟"، فإنّ هذا تهديد خطير.

بمَ تنصح الصحفيين الذين يغطون ما يحدث هناك؟

أنصحهم بالتركيز على الناس وحياتهم وواقعهم، فهذه أسهل طريقة لسرد قصة أفغانستان الحقيقية. فمنذ استيلاء حركة "طالبان" على الحكم، يواجه الناس المعاناة اليومية، فلا يمكنهم الحصول على الطعام أو الخدمات الصحية أو التعليم. كما يتعرضون لانتهاكات حقوق الإنسان والقتل خارج إطار القانون بشكل يومي. وهذه هي القصص الحقيقية، وهذا هو الوجه الحقيقي لحركة "طالبان".

وعلينا أن نفهم أنّ الحركة لا تمثل الواقع الكامل لأفغانستان. فأكثر من 60% من السكان تحت سن الـ25، وقد نشأ شباب هذا الجيل بمجموعة من القيم المختلفة تمامًا، إذ شهدوا حرية التعبير وحقوق المرأة وحقوق الإنسان والانتخابات، ويرغبون الآن في حكومة تمثيلية منتخبة، ويريدون أن يكون لهم رأي في الحكومة وأن يعيشوا حياة طبيعية مثل أي مواطن آخر في العالم.

ولكننا في الواقع نفقد جيلًا ثانيًا الآن. فقد منعت حركة "طالبان" تعليم الفتيات وفصلت جميع النساء من الحكومة وخطفت العديد من الناشطات وعذبتهن. كما فرضت الرقابة الشديدة على الإعلام وشاركت في جرائم القتل خارج إطار القانون وشكلت حكومتها بالكامل من مجموعة عرقية واحدة.

وقد فقدنا جيلًا كاملًا تحت حكم حركة "طالبان" خلال تسعينيات القرن الماضي. واليوم تتكرر المعاناة.

ما هي المساعدات المتاحة الآن للصحفيين في أفغانستان؟

استطاع بضع مئات الصحفيين الخروج من البلاد. ولكن ما زال هناك الآلاف داخل البلاد ممن لا أمل لهم في المستقبل، ويتواصل هؤلاء مع الآخرين طلبًا للمساعدة. وللأسف لا يستطيع أغلبنا فعل أي شيء، وهذا أمر صعب للغاية. كما يعني ذلك أن أفغانستان فقدت بعضًا من أفضل الصحف المطبوعة، التي لا تتوفر الآن إلّا عبر الإنترنت.

ما الذي يمكن فعله لدعم الصحفيين الأفغان؟ هل توجد طريقة لدعمهم بشكل فعّال؟

من ضمن ما يفعله الصحفيون في المنفى هو التواصل مع زملائهم الذين لا يزالون داخل البلاد، والذين يرسلون بدورهم المواد المصورة والقصص والتسريبات إلى الخارج لإنتاج القصص.

ومع ذلك، فإنّ مساحة حرية التعبير آخذة في التقلص. فالناس يشعرون بأنّهم يخضعون للرقابة حتى داخل منازلهم. ويشعرون بالاختناق لأنهم لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم بحرية. لذا يسعدني أن أعلن أنّ المركز الدولي للصحفيين أطلق برنامجًا جديدًا لدعم مؤسسات الإعلام والصحفيين في المنفى من أجل الاستمرار في تغطية أخبار أفغانستان، فهذه المبادرات مهمة للغاية للحفاظ على الصحافة في البلاد.

ما هي الحلول المحتملة؟

أعتقد أنّ الحفاظ على استمرارية الصحافة والإعلام سيساهم في الإبقاء على حياة الناس في أفغانستان. فإذا أردنا معرفة ما يحدث بالفعل في البلاد وتوثيق الوضع ومحاسبة حركة "طالبان"، لا يمكننا تحقيق ذلك إلا من خلال الصحافة. وإلا ستتكرر مآسي التسعينيات وتسود موجات النزوح إلى مختلف مناطق البلاد وحملات الانتقام والقتل. ولا يمكن لأحد سوى الصحفيين أنّ يوثّق كل شيء وينشر الوعي حول ما يحدث. ولن يساعد كثيرًا إرسال الصحفيين من بلاد بعيدة إلى أفغانستان للمرة الأولى لتغطية القصص من داخل كابول لبضعة أيام، لأنهم لن يستطيعوا تصوير القصة الكاملة.

وإذا أراد العالم مساعدة الإعلام في أفغانستان، فعليه مساعدة مؤسسات الإعلام المحلية في البلاد. ويشمل ذلك تمكين الصحفيين المحليين لسرد قصصهم وقصص الحياة اليومية في أفغانستان تحت حكم حركة "طالبان". وفي أي محادثة بين المجتمع الدولي و"طالبان"، ينبغي إعطاء الأولوية لحماية حرية الصحافة والتعبير في أفغانستان.


الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على انسبلاش بواسطة فريد إرشاد.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى عبر موقع المركز الدولي للصحفيين، التابعة له شبكة الصحفيين الدوليين.