يصعب على الكثير من الصحفيين تجاوز الأحاسيس التي يشعرون بها في أعقاب إجراء مقابلات حساسة مع ناجين من الصدمات والذين مروا بتجارب إنسانية مؤلمة. ومن بين هؤلاء الصحفيين كاتبة هذا المقال ماريانا فيربوسكا التي لفتت إلى أنّها بإحدى المرات التي قابلت فيها أشخاصًا عانوا من الظلم ورووا لها تجاربهم القاسية، بقيت تشعر بالعذاب لأسابيع، كما أنّها وجدت أنّه من الصعب أن تفصح بما تشعر به لزملائها.
وأضافت أنّها كانت تفكّر كثيرًا إذا ما كان سلوكها كصحفية مناسبًا، وما إذا كانت الأسئلة التي طرحتها على الأشخاص غير حساسة وراجعت نفسها متسائلةً عن سبب إجرائها هكذا نوع من التقارير، حتى وجدت في أحد الأيام إجابة واضحة منحتها الثقة بشكل أكبر، وهي أنّ جميع هؤلاء الأشخاص، ومعظمهم من النساء، قد أنجزوا عملًا رائعًا وجبارًا وطلبوا المساعدة من المتخصصين، كما أنّهم سعوا للحصول على العلاج وامتلكوا الشجاعة الكافية لتقديم بلاغ للشرطة حول ما تعرّضوا له. وبناءً على ما تقدّم، يجب رواية قصصهم التي تتسم بالقوة والشجاعة والتي قد تكون قدوة للآخرين وتساهم بكسر حلقة العنف المفرغة.
إذًا، لا ينبغي أن يتجنب الصحفيون هذه المواضيع الإنسانية، التي يحتاجون فيها إلى التواصل مع أشخاص عانوا من الصدمات، بل يجب أن يسعوا لتغطية مواضيعهم وقصصهم بشكل جيد.
وعن هذا الموضوع، تحدثت كاتبة المقال مع المتخصصة في علم النفس والناشطة في مجال حقوق الإنسان وهي مدربة وأسست مركز وجهات نظر المرأة مارثا تشومالو من أجل الحصول على إرشادات حول كيفية تمكّن الصحفيين من رعاية أنفسهم خلال إعداد وتنفيذ هذه التقارير الصعبة. والجدير ذكره أنّ تشومالو تعاملت مع ناجيات من العنف وسوء المعاملة لأكثر من 20 عامًا. وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، حصلت على جائزة حقوق الإنسان السنوية في هولندا.
ويمكن الإطلاع على الجزء الأول من المحادثة مع الناشطة مارثا تشومالو عبر الضغط هنا، من أجل استكشاف أبرز الطرق والإرشادات للتحدث مع الأشخاص الذين نجوا من العنف الجنسي. وفي هذا المقال، تقدّم الناشطة نصائح مهمة للصحفيين لتجنب الإرهاق العاطفي والمهني خلال إعداد تقارير تتمحور حول تجارب صعبة أو مؤلمة.
الحفاظ على السلامة النفسية
تنصح الناشطة مارثا تشومالو الصحفيين باتباع عدد من الأساليب للمساعدة في الحفاظ على صحتهم النفسية. فعلى المدى القصير، أوضحت أنّ الأحداث الخارجية لها تداعيات وتأثيرات كبيرة أي عندما يعاني الصحفي من عبء العمل أو مرض أو حالة صحية معينة أو حرمانًا من النوم أو ضغوطًا خارجية أخرى. وقالت: "في مثل هذه الحالات، يواجه الصحفيون صعوبة في إدارة التجارب التي قد تكون مؤلمة ومتعبة"، مضيفةً: "إذا كان الصحفي يشعر بالإرهاق النفسي، عليه تأجيل المحادثة الصعبة إلى وقت لاحق والحصول على قسط من الراحة، ويُفضّل التخطيط لمثل هذه المقابلات في بداية الأسبوع، أي بعد عطلة نهاية الأسبوع، وعندما يشعر الصحفي بالراحة والتعافي لينطلق بإعداد هكذا تقرير". ولفتت إلى أنّه "قبل بدء المقابلة، على الصحفي أن يكون مرتاحًا وأن يخطط جيدًا ويمنح نفسه الوقت الكافي ليكون مستعدًا للمقابلة، وبحال لم يكن الصحفي يتمتع بخبرة طويلة في مجال الصحافة، فمن الأفضل ألا يتعامل مع مثل هذه القصص الصعبة".
أمّا على المدى الطويل، فيمكن أن يتبع الصحفي بعض الأساليب التي تريحه نفسيًا وتعزّز تحمله للضغوطات، مثل المشاركة في دورات التأمل ومقاومة الإجهاد، بحب ما قالته الناشطة، مشيرةً إلى أنّه "إذا كان العمل الصحفي مترافقًا مع ضغط منتظم، فمن الجيد أن يستعين الصحفي بمعالج نفسي أو مجموعات متخصصة بتخفيف الضغط".
خلال المقابلة.. فكّر بنفسك أيضًا
نصحت مارثا تشومالو الصحفيين بتطوير إجراءات روتينية يمكن أن تساعدهم في التعامل بشكل جيد مع الأشخاص الذين يعانون من تجارب صعبة. فعلى سبيل المثال، إذا كان الصحفي يجري مقابلة ولاحظ أنّه يتنفس بشكل سريع ما يزيد من توتره أو إذا تأثّر كثيرًا بالقصة التي يصغي إليها، فيمكنه أن يتبع إرشادات عملية من خمس نقاط، وهي طرق تقدّمها الناشطة خلال الدورات التدريبية التي تنظمها للصحفيين الذين يعدّون تقارير حول العنف. وأوضحت أنّه على الصحفي أن يجلس على الكرسي بشكل متزن، وأن يحاول التركيز على الأحاسيس التي يشعر بها، أي أن يكون الجسم بأقصى قدر من الدعم حتى لا تضيع أي موارد إضافية. وبعد الجلوس وتثبيت الأقدام في الأرض والسيطرة على الأحاسيس، على الصحفي أن يقوم بالشهيق والزفير من بطنه والإنتباه إلى طريقة تنفسه. ولفتت تشومالو إلى أنّه من غير المرجح أن يلاحظ الشخص الذي يتحدث إليه الصحفي ذلك، لكن هذه الطريقة تعزز قدرة الصحفي على الصمود في مواجهة التوتر .
التعافي بعد المقابلة
أشارت تشومالو إلى أنه بعد الإنتهاء من إجراء مقابلة صعبة، يجب على الصحفيين منح أنفسهم فرصة للتعافي، من خلال قضاء بعض الوقت في الطبيعة والاعتناء باحتياجاتهم الجسدية، مثل النوم وتناول الطعام وشرب الكثير من الماء والتأكد من الشعور بالأمان. وقالت إنّ الاستحمام بحوض ساخن يمكن أن يساعد الصحفيين كثيرًا، وكلما زادت مشاركة الحواس، يرتاح الصحفي أكثر.
وفي الختام، نصحت تشومالو الصحفيين بالتواصل مع متخصص في القضايا النفسية أو معالج نفسي بحال شعروا بصدمة بعد إجراء المقابلة. وقالت: "من الجيد أن يكون لدى الصحفي شخص يمكنه أن يشاركه مشكلاته ومخاوفه، وحتى لو لم ينتظر الصحفي الحصول على نصيحة، فإنّ مجرد إصغاء الآخر له سيشعره بالراحة النفسية".
ماريانا فيربوفسكا هي صحفية تقيم وتعمل في لفيف بأوكرانيا. وكانت زميلة زائرة لميلينا جيسينسكا في معهد العلوم الإنسانية في فيينا بالنمسا، حيث أجرت بحثًا حول كيفية التغطية الصحفية لقضية التغير المناخي. اختيرت فيربوفسكا عن فئة "صحفية الشهر" في شبكة الصحفيين الدوليين في العام الماضي.
لقد نشر هذا المقال للمرة الأولى على موقع شبكة الصحفيين الدوليين بنسخته الروسية، وترجمته مارينا بوستيلنيك إلى اللغة الإنجليزية.
بحال شعرت أنّ المحتوى محزن أو يصعب عليك مناقشته، فتأكّد أنك لست وحدك، وهناك موارد متاحة لمساعدتك. يمكنك البدء باستكشاف الموارد التي يوفّرها مركز دارت للصحافة والصدمات، ويمكن طلب الدعم النفسي إذا لزم الأمر.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الإستخدام على أنسبلاش بواسطة جيني هيل.